ذكرى "وقف الأعمال العدائية" في لبنان… عامٌ مضى فماذا تحقق؟
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
عناوين الصحف الصادرة اليوم الجمعة 28 11 2025كتب ريشار حرفوش في "نداء الوطن":
تحلّ الذكرى الأولى لاتفاق وقف الأعمال العدائية، عام مضى لكن الأسئلة لا زالت تتكرر: ماذا تحقق فعليًا؟ وهل دخل لبنان مرحلة الاستقرار، أم أننا في هدنة مرحلية "قابلة للاشتعال" في أي لحظة؟
القرار الذي وُقع في ظل مخاوف دولية من انزلاق لبنان إلى حرب واسعة النطاق، وفي وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية غير مسبوقة وغياب سياسي واضح وتراجع في مؤسساته الرسمية نجح في منع حرب شاملة، وفتح الباب أمام اتصالات دبلوماسية مكثفة، لكنها بقيت من دون نتائج ملموسة حتى الآن.
لكن خلال سنة كانت هناك إنجازات محدودة أهمها: منع اندلاع مواجهة عسكرية شاملة، استمرار التنسيق بين الجيش اللبناني و"اليونيفيل"، وعودة جزئية للحياة في بعض القرى الحدودية، لكن التحديات كانت أكبر وأهمها: استمرار الاحتكاكات بشكل متقطّع، غياب العودة السكنية الشاملة إلى الجنوب، إضافةً إلى غياب خطة رسمية للتعويضات وإعادة الإعمار.
وفي هذا الصدد، أشار الخبير العسكري العميد وهبي قاطيشه في حديثه لـ"نداء الوطن" إلى أن أبرز ما تحقق من وقف الأعمال العدائية منح لبنان مساحة سياسية جديدة ساهمت في انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة ذات توجه سيادي بغالبيتها، وهو ما يمكن اعتباره من الإنجازات الأساسية التي لم تكن لتتحقق لولا توقف العمليات العسكرية الواسعة في الجنوب.
على الأرض، تحولت طبيعة الحرب من مواجهة مفتوحة بين الطرفين إلى وقفٍ شبه شامل لإطلاق النار من جانب واحد، حيث توقف "حزب الله" عن تنفيذ العمليات العسكرية الواسعة فانخفضت وتيرة الحرب بشكل ملحوظ، وانتقلت إسرائيل من القصف والتدمير الواسع إلى عمليات محدودة استهدفت بعض المسؤولين في "حزب الله"، معتبرًا أن هذا التحوّل يشكل الإنجاز الأول، إذ جرى الانتقال من الدمار والقتل الجماعي إلى ملاحقة أفراد.
وانتقلت إسرائيل إلى اعتماد سياسة "الضغط المتواصل"، أي التصعيد المتدرّج بهدف إجبار "حزب الله" على التخلي عن سلاحه وجاء على مستويين أساسيين: أولًا، تصعيد جغرافي: حيث توسّعت رقعة الاستهداف لتشمل شمال لبنان وشرقه وجميع مناطق الجنوب، بعد أن كانت العمليات تتركّز سابقًا فقط جنوب نهر الليطاني، ثانيًا، تصعيد لوجستي ومالي تمثل في ضرب البنية التحتية التي يستخدمها "حزب الله"، كاستهداف "مرأب المصيلح" والنقاط الحيوية التي تعتمد عليها المنظمة العسكرية لـ "حزب الله" في تأمين الدعم المالي والتمويني.
أما المرحلة الأخيرة من هذا التصعيد وتُعتبر الأخطر على الإطلاق، وهي مرحلة الاستهداف السياسي العسكري المباشر، وقد تجلّى ذلك باغتيال الرجل الأول في الماكينة العسكرية لـ "حزب الله"، أي هيثم علي الطبطبائي، الذي يُعد بحسب قاطيشه العقل التنفيذي الفعلي داخل "الحزب"، بينما يبقى الأمين العام لـ "الحزب" نعيم قاسم في موقع إلقاء الخطابات وإصدار البيانات فقط، من دون تواجد عملاني مباشر على الأرض.
هذا التحوّل أعطى وفق قاطيشه لبنان فرصة لالتقاط الأنفاس والمهم أتاح فرصة تاريخية أمام الدولة اللبنانية من أجل استعادة الشرعية وحصر السلاح بيدها، لكن للأسف لم تستثمر الدولة الفرصة بالشكل المطلوب، بسبب التردد والضغوط السياسية، ولا سيما من جانب الثنائي الشيعي، الأمر الذي حال دون تحقيق هذا الهدف.
وتابع: "الإنجاز الكامل الذي لم ينجز بعد، يتحقق بدوران عجلة اقتصادية وديناميكية وانفتاح على العالم العربي والعالم الغربي بمستقبل مزدهر لكل المكوّنات، أما إسرائيل فأنجزت من خلال الاتفاق تأمين الأمان لشمال إسرائيل، مخففةً من تحمل الأعباء على جبهتها مع لبنان جراء قرار وقف إطلاق النار، وجراء البنود السرية للقرار 1701 فأكملت عملها العسكري الذي يهدف إلى القضاء على "حزب الله" ومنظومته العسكرية".
لكن ما المطلوب اليوم؟ يرى مراقبون أن على الدولة اللبنانية الانتقال من سياسة ردّ الفعل إلى سياسة المبادرة، عبر خطوات عملية أبرزها: تثبيت وقف إطلاق النار عبر مفاوضات واضحة، وخطة عودة آمنة للنازحين من القرى الجنوبية، وتعزيز قدرات الجيش بالتزامن مع مؤتمرات دولية داعمة بحسب ما أكدت مصادر دبلوماسية عبر "نداء الوطن" ليكون بذلك الجيش اللبنانيّ المرجعية الأمنية الوحيدة، إضافةً إلى تحريك المسار الدبلوماسي قبل أي تطورات إقليمية مفصلية وإطلاق مشاريع إعمار وإنماء في القرى المتضررة.
اللافت أن اتفاق وقف "الأعمال العدائية" لم يُوقع في عهد حكومة سيادية، بل في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، التي كانت تدير البلاد في ظل الفراغ الرئاسي، ومع أن وزراء "حزب الله" كانوا جزءًا أساسيًا من الحكومة ووافقوا على الاتفاق، إلّا أن عددًا منهم حاول لاحقًا التنصّل والتبرّؤ من مشاركته في ذلك التوقيع، وكأن السجلات الرسمية وأمانة السر في المجالس لا تحتفظ بكل المحاضر! فقط حين يصبح الاتهام ثقيلًا على "الحزب".
لبنان لا يزال يقف على خط النار، لكنه يمتلك فرصة لإعادة رسم قواعد اللعبة إن استطاع توحيد موقفه الرسمي وقراره الدفاعي.