حماية الأطفال لا تبدأ من المدرسة فقط التحرّش في "الديشونية"... جرس إنذار تربوي ونفسي
klyoum.com
هزّت حادثة التحرّش التي وقعت في أحد منتزهات منطقة الديشونية الوسط التربوي واللبناني عموماً، بعدما تحرش فتى قاصر لا يتعدى عمره 16 عاماً بأكثر من 15 تلميذاً وتلميذة من إحدى المدارس الخاصة، خلال رحلة مدرسية.
حادثةٌ مأسوية، خطيرة في دلالاتها، مؤلمة في وقعها، لا سيما أنّ الضحايا هم أطفال تتراوح أعمارهم بين السادسة والسابعة، لا يزالون في عمرٍ تتكوّن فيه أبسط ملامح هويتهم النفسية والجنسية.
المدرسة تصرّفت سريعاً، أبلغت وزارة التربية، وأمنت الحماية القانونية والدعم النفسي للأطفال، وهي خطوة احترافية مسؤولة، لكنها تبقى غير كافية إن لم تتبعها سلسلة إجراءات متكاملة تبدأ من البيت ولا تنتهي عند أبواب القضاء.
الأطفال بين الصدمة والانغلاق
لتنفيد واقع الأطفال وما سيترتّب على حالتهم النفسية، كان لـ "نداء الوطن" حديث خاص مع المرشدة الاجتماعية والمدرّبة في مجال تطوير الذات وزيادة الوعي الدكتورة ريما رعيدي، التي قدّمت مقاربة دقيقة لخمس تداعيات رئيسية للحادثة على الضحايا الصغار:
1- الخوف والارتباك: الصدمة الأولى التي عاشها الأطفال تمثّلت في الخوف غير المفهوم. معظمهم صمتوا، ولم تتجرأ على الكلام إلا تلميذة واحدة. غياب الوعي الكافي حول خصوصيتهم الجسدية جعلهم يترددون، بينما كان يجب أن يصرخوا.
2- الإحساس بالعار والصمت: يظن الطفل أن "السكوت واجب" لأنه هو من ارتكب خطأً، لا المعتدي، وذلك نتيجة ثقافة العيب و "التابوهات" الجنسية المستمرة في مجتمعنا.
3- ارتباك نفسي وجنسي: ينعكس الصمت والتجريم الداخلي بسلوكيات وأسئلة تتعلق بالجسد، تبدأ من عمر الست سنوات أو أقل، وهي فترة مفصلية في تشكّل الهوية النفسية والجنسية للطفل بحسب نظرية فرويد.
4- الانعزال والتبدّل السلوكي: الطفل الذي لا يُتابَع بعد الحادثة قد ينسحب اجتماعياً أو يُظهر سلوكيات عدوانية، يرفض الطعام أو يواجه اضطرابات في النوم، لأن التعبير عن الصدمة في هذا العمر يتم عبر السلوك لا الكلام.
5- فقدان الثقة: لا فقط بالآخرين بل بالذات. الشعور بأن لا أحد حماه أو كان إلى جانبه، وأنّ البالغين حتى المعلمين "غدروا به" بشكل غير مباشر، يترك جرحاً عميقاً لا يُشفى بسهولة.
كيف يتعامل الأهل؟
تشدّد الدكتورة رعيدي على ست خطوات أساسية يجب على الأهل اتّباعها فوراً:
1- الدعم العاطفي لا اللوم: الإصغاء، الاحتضان، وتجنّب ردود الفعل المتشنجة، فكلّ ذلك يُشعر الطفل بالأمان.
2- تعزيز الحماية المستقبلية: ما بعد الحادثة أهم من الحادثة ذاتها، منعاً لتكرارها.
3- متابعة متخصصة حقيقية: يجب أن تشمل الطفل والأهل معاً، وليس الاتّكال فقط على "خبير".
4- خلق بيئة مستقرة: لا فتح الموضوع يومياً، لا حديث عشوائي في وجود الطفل، بل بعض الوعي وبعض الصمت.
5- التوعية الجنسية المبكرة: على الطفل أن يعلم أن عليه أن يُخبر فوراً ما حدث، وأهله سيتفهّمون ويدعمونه مهما كان.
6- الصبر والتفهّم: لا تعافٍ سريعاً من الصدمة، بل وقت ومرافقة، من دون استعجال أو ضغط.
لماذا تحرّش القاصر؟
الإضاءة على شخصية المعتدي ضرورية لفهم عمق المأساة. بحسب د. رعيدي، فإن معظم من يُقدمون على اعتداءات كهذه يكونون أنفسهم قد تعرّضوا لتحرّش أو إساءة جنسية في طفولتهم. وتضيف: "هذا القاصر قد يكون شاهدَ أو تعرّض لاعتداء، يعيش في بيت عنيف، يشاهد أفلاماً إباحية بشكل مفرط، لم يتلقَ أي توعية جنسية، فانحرفت نظرته وأفعاله".
استغل المعتدي ضعف الأطفال وصغر سنّهم وربطهم، ليُثبت ذاته كما يبدو، لأنه غالباً ما يكون فاقداً للثقة بنفسه أمام الكبار أو مهمّشاً في بيئته.
نقطة على السطر
التحرّش ليس خطأً في لحظة واحدة، بل نتيجة لمسار طويل من الإهمال المجتمعي، التربية غير الواعية، غياب الرقابة، والتعتيم على المسائل الحساسة في البيوت والمدارس.
الوقاية تبدأ بالصدق والوعي. والأمان ليس في مرافقة الأطفال فحسب، بل في تربيتهم على أن أجسادهم ملكهم وحدهم، وعلى أنّ أي تجاوز يجب أن يُكشف فوراً.