خاص الهديل: الجميع يعرف ماذا يريد بري.. ولكن أحداً لا يعرف كيف يفكر؟!..
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
لقاء سيدة الجبل : للتمسك بخطة حصرية السلاحخاص الهديل..
بقلم: ناصر شرارة
لا يستطيع نبيه بري إلا أن يعتمد في هذه المرحلة على ثروة تجربته لينتقي منها حلول للأزمة التي يوجد فيها الشيعة ومعهم البلد في لحظتهم الراهنة.
كان السوريون في ذروة حكمهم للبنان على أيام الأسد الأب يقولون أن أبا مصطفى يشبه فلاحاً دهرياً يخرج كل صبح إلى حقله ويجمع منه أشياء مهملة غير متناسقة؛ ويضعها في جيبه لظنه أنه قد يأتي يوم ويحتاجها..
اليوم ما الذي سيحتاجه بري من كل الأشياء التي جمعها في غلة تجربته: هل سيحتاج لعبر موجودة في ذاكرته حينما كان شاهداً على انتقال الشيعة من عصر البك الأسعدي إلى عصر الإمام الصدر أواسط سبعينات القرن الماضي؛ أم أنه سيحتاج لعبر الصلح التاريخي بينه وبين حزب الله وذلك بعد افتراق واختلاف؛ أم أنه سيحتاج لاستنتاجاته عن حقبة قيادته للمقاومة ضد إسرائيل في الجنوب وتفجير حسينية الزرارية بأركان قيادته العسكرية وانتصاره في أول انسحاب لإسرائيل من قضائي صور والزهراني؛ أم أنه سيعود لذاكرته عن سنوات العيش تحت سقف الخلاف والاتفاق مع دمشق ومع حارة حريك؛ أو لتلك الأيام التي قالوا فيها ان "بري ضد الجميع والجميع ضد بري"؛ أو تلك المرحلة التي أطلقوا فيها على بري لقب فخامة رئيس حكم لبنان المجلسي (نسبة لطغيان حضور مجلس النواب داخل الدولة)؟؟!.
تتعب الذاكرة في تعداد محطات رحلته المستمرة في السياسة وفي الحكم وفي القتال على الجبهات الصعبة؛ وفي إدارة التسويات حول الطاولات المستحيلة؛ ولكن رغم كل ذلك، يظل ممكناً القول أن هذه المرة هي أم معاركه التي تحدث في لحظات عز نضوج تجربته المستمرة.. باختصار: الفلاح المتصف بأنه حاذق النظرة والخبرة ماذا وضع في خزنة تجربته من أشياء تعينه لانتاج مخارج لمثل هذه الأزمة التي يمر بها الشيعة اليوم؟؟.
من السهل معرفة ماذا يريد بري ولكن من الصعب معرفة كيف يفكر بري؟؟.
يريد بري تسوية تنهي الأزمة الراهنة بالتي هي أحسن.. أي ما يسمونه باللبناني "بالحل ع البارد"، بحيث "لا يفنى الديب ولا يموت الغنم" وبحيث يتم "أكل العنب بدل أن يتم قتل الناطور"..
غير أن المشكلة – بنظر كثيرين – هي أن الحل هذه المرة تتم خياطته على أيدي دول لا تفهم اللغة السياسية اللبنانية، وهي تريد "حلاً" بغض النظر ما إذا كان "ع الحامي" أو "ع البارد".. وبتعبير آخر فهي ترى أنه يمكن الذهاب "للحل الحامي" في حال لم يتحقق هدفها بأسلوب "الحل ع البارد"؟؟.
هنا يصبح السؤال الثمين ليس فقط ماذا يريد بري(؟؟)؛ بل بالأساس كيف يفكر نبيه بري؟.
الحق يقال أن أحداً لا يعلم على وجه الدقة كيف يفكر "الأستاذ" أو "الأخ الكبير" أو "دولة الرئيس" أو "حامل الأمانة" (من الإمام الصدر) أو "أبو مصطفى" – حسبما كان يطيب لحافظ الأسد أن يناديه..
كل واحد من هذه الألقاب لنبيه بري تفتح نافذة على بعد محدد في شخصيته السياسية؛ ولكن أصعب "كود" بينها هي لقب "أبو مصطفى" لأنه لقب يفتح نافذة في تفكيره على مساحات الصراعات قبل التسويات.. فبري أيضاً وليس فقط الآخرون وراء المحيط، يجرب الحل ع الحامي إذا لم ينجح معه أسلوب الحل ع البارد.. وبالمقابل لعل أساس لقب من بين تلك التي تضاف أمام إسمه، هو لقب "حامل الأمانة" حيث يكون عليه أن يقرأ في كتاب الإمام موسى الصدر حول ثلاثة أمور على الأقل: أولاً- كيف خرج الشيعة من كونهم شارع لليسار العالمي إلى كونهم عامل فاعل داخل الدولة؛ وثانياً- كيف انتقلوا من كونهم فرقة عسكرية داخل حركة فتح وجبهة الرفض العربية، إلى أفواج المقاومة اللبنانية (أمل)؛ وثالثاً- كيف انتقلوا من عصر صاحب الأمانة (الإمام موسى الصدر) إلى عصر "حامل الأمانة" الأستاذ دولة الرئيس نبيه بري.
يبقى القول أن بري يحتاج لشريك داخل البلد يصنع معه القرار ويقطع بالتنسيق معه وقت الأزمة؛ وهو يرى بجوزاف عون هذا الشريك؛ أقله هكذا كان رأيه به حتى ما قبل إقدام حكومة نواف سلام على إقرار ورقة براك من دون وجود وزراء الثنائي الشيعي؛ لكن بري يعرف مدى الضغوط الخارجية التي وجهت للبنان والتي وضعت فخامة الرئيس أمام مفترقين: إما إعلان أميركا موت مسعى براك؛ وإما تقديم شيء لبراك حتى يبقى مسعاه حياً وحتى تبقى أميركا داخل لعبة "محاولة الحل" للأزمة اللبنانية مع إسرائيل؛ ولا تصبح بالمطلق داعمة لسيناريو تجدد الحرب الإسرائيلية على لبنان..
مرة أخرى نعرف ماذا يريد بري؛ فهو يريد "حلاً ع البارد" بنتيجته لا "يموت الديب ولا يفنى الغنم"؛ وهذا مثل معناه أن الحل يستغرق وقتاً، وأن النتائج لا تظهر بسرعة؛ ولكن ما ينتظره الجميع الآن هو معرفة كيف يفكر بري بخصوص موقعه في إدارة الحل أو الصراع؟؟؛ كيف يرى نفسه أمام هذه اللحظة: "أبو مصطفى" أم "الأستاذ دولة الرئيس" أم "حامل الأمانة"؟؟.
أحياناً تضع الظروف الشخصيات السياسية أمام خيارات محددة؛ ولكن أهمية بري أن كل واحد من الخيارات المستجدة مهما كانت، لن تفاجئه لأنه خلال تجربته المديدة مر بها جميعها؛ وهو يحتفظ داخل غلة تجربته بأشياء خبأها لتعينه في مواجهة حدوث أزمات غير عادية..