افتتاحية "الديار": من غزة الى بيروت… خرائط اشتباك جديدة ترسم؟
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
صورة لنتنياهو في نيويورك تثير الجدلوسط أجواء إقليمية متوترة، جاءت موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإدارة قطاع غزة، لتفتح فصلاً جديداً من التحديات أمام لبنان. فالقرار الإسرائيلي، الذي يقترح ترتيبات أمنية وإدارية في غزة، مع الحفاظ على التفوق العسكري لإسرائيل، في حال تطبيقه، سيعيد رسم خريطة التحالفات والتوازنات على الحدود الشمالية مع لبنان.
من هنا، يرى المراقبون في هذه الخطوة، عامل ضغط مزدوج على كل من الحكومة اللبنانية وحزب الله، الذي سيجد نفسه مضطر إلى إعادة تقييم استراتيجيته في ظل معادلة دقيقة، بين الحفاظ على دعمه المبدئي لقضية فلسطين، وبين تجنّب الانجرار إلى مواجهة عسكرية مباشرة، حيث يمكن ان يؤدي أي خطأ تكتيكي أو تصعيد محدود على الحدود، الى خلق موجة ردود متبادلة، ما يجعل الوضع شديد الحساسية.
بين غزة وبيروت
في الوقت ذاته، تواجه الحكومة اللبنانية ضغوطاً متزايدة من المجتمع الدولي لضبط الحدود وتعزيز حضور الدولة، في ظل هشاشة الوضع الداخلي وتصاعد الانقسامات السياسية، فيما يضيف استمرار الأزمة الإنسانية لللاجئين الفلسطينيين بعدا إضافيا من التعقيد.
عليه، فان موافقة إسرائيل على خطة ترامب، التي تعزز الدور الأميركي والغربي في إدارة «ما بعد الحرب» في غزة، تعزز المخاطر على لبنان، بقدر ما تعيد ترتيب الأولويات الاستراتيجية للفاعلين المحليين والإقليميين، ما يضع بيروت تحت ضغط إضافي للتنسيق مع المجتمع الدولي وتبني إجراءات قد لا تتوافق مع مصالحها الداخلية بالكامل، حيث تقف على مفترق طرق بين إدارة أمنها الداخلي ومواجهة تحديات إقليمية تتغير بسرعة، مع بقاء السؤال الأبرز: هل سيتمكن لبنان من الحفاظ على التوازن، أم أن أي شرارة صغيرة قد تتحول إلى مواجهة واسعة على حدوده الجنوبية؟
العقوبات على ايران
غير ان هذا الحدث، لم يكن الامر الاقليمي الوحيد المؤثر، اذ جاء قرار المجتمع الدولي بإعادة فرض العقوبات على ايران، التي تشمل القيود المالية والمصرفية وحظر السلاح والطاقة، مستهدفا بالدرجة الأولى الحدّ من قدراتها الاقتصادية والعسكرية، ليشكل تحوّلاً استراتيجياً اضافيا في المنطقة، ملقيا في الوقت نفسه بظلاله على الساحات الإقليمية حيث لدى إيران نفوذ مباشر أو غير مباشر، من ابرزها الساحة اللبنانية.
الازمة النيابية
غير ان لبنان الذي ما كاد يلملم ازمة صخرة الروشة وما خلفته من انشقاق داخل السلطة التنفيذية، وجد نفسه عالقا بالامس امام ازمة دستورية خلفها انفجار لغم قانون الانتخابات، وتطيير الجلسة النيابية، وما رافق ذلك من «اجتهاد»، أعاد من خلاله رئيس المجلس الكرة إلى ملعب المقاطعين في خطوة لم تخطر في بالهم، فتح الباب أمام سجال داخل مجلس النواب المنقسم على نفسه، ما جعل مصير التشريع رهينة اتفاق سياسي متعذّر.
فبين تصريح نائب رئيس المجلس الياس بو صعب الذي اعتبر ان «كل القوانين التي أقريناها في جلسة الاثنين، ستبقى محفوظة بانتظار جلسة ثانية لإقفال المحضر»، ورد رئيس لجنة الادارة والعدل، النائب جورج عدوان بان «القوانين التي أُقرّت هي قوانين مقرّة ونافذة، إلا إذا أردنا أن نقوم باجتهاد جديد»، دخلت البلاد مدار سجال انتخابي مفتوح على كل الاحتمالات، بما فيها «تعطيل المجلس والتشريع».
مصادر دستورية
في كل الاحوال، تشير أوساط دستورية، الى أنّ «فشل انعقاد جلسة مجلس النواب بسبب فقدان النصاب، لا يعني مطلقًا تعطيل أو تجميد القوانين التي تم إقرارها في جلسة سابقة»، موضحة أنّه «حتى مع الجدل القانوني القائم حول مفاعيل التصديق على خلاصة المحضر، فإن صلاحية التصديق تنتقل وجوبًا إلى هيئة مكتب المجلس، استنادًا إلى المادة 60 من النظام الداخلي، التي تنص حرفيا على انه «إذا لم يحصل التصديق على خلاصة المحضر (…) تجتمع هيئة مكتب المجلس وفق الأصول وتصدق على المحضر»، من دون الحاجة إلى انتظار جلسة لاحقة»، داعية، إلى الإسراع في دعوة هيئة المكتب للاجتماع والتصديق على خلاصة المحضر، بما يتيح للقوانين التي جرى التصويت عليها أن تسلك مسارها الدستوري الطبيعي.
بدء التسجيل
وكان صدر امس بيان مشترك عن وزارتي الداخلية والبلديات والخارجية والمغتربين وجاء فيه: عملاً بأحكام المادة 113 من القانون رقم 44/2017 (قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب)، وبعد التنسيق بين وزيري الداخلية والبلديات والخارجية والمغتربين والتزاماً بالمهل القانونية، تم تحديد 2 تشرين الأول تاريخ البدء بتسجيل اللبنانيين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية للمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، على أن تنتهي المهلة في 20 تشرين الثاني من العام 2025.
مشهد يطرح، في كل الاحوال، تساؤلات أساسية: ماذا بعد المقاطعة؟ هل سينجح الأطراف في الوصول إلى تسوية وسطية حول التعديلات؟ أم أنّ الخلاف سيؤدي إلى تعطيل كامل للمسار، وإجراء الانتخابات المقبلة وفق القانون الحالي؟ وما هي انعكاسات هذه المقاطعة على الاستقرار السياسي والاقتصادي وعلى صورة لبنان أمام المجتمع الدولي؟
لقاء عون – سلام
وسط هذا المناخ المأزوم، جاء اللقاء بين الرئيسين عون وسلام كخطوة بالغة الدلالة، فهو من جهة، أتى في توقيت حساس لامتصاص ارتدادات الحادثة، ومن جهة ثانية، عكس حاجة المؤسستين، التنفيذية والعسكرية، إلى تأكيد وحدة الموقف في مواجهة التحديات، فالجيش هو الضامن الأول للأمن، فيما الحكومة هي المرجعية السياسية والدستورية، وأي تصدّع في العلاقة بينهما قد يفسر كإشارة ضعف أو تفكك داخلي، على ما تقول مصادر مواكبة للاتصالات الجارية.
وإلى جانب هذا البعد المباشر، اكتسب اللقاء بعدًا استراتيجيًا إضافيًا، إذ جمع شخصيتين لطالما ارتبط اسماهما بحسابات الاستحقاقات الكبرى في لبنان، على مستوى التوازنات السياسية المقبلة، من هنا، تحوّل اجتماع بعبدا من مجرد إجراء بروتوكولي إلى حدث سياسي مفتوح على تفسيرات وتأويلات تتصل بمستقبل العلاقة بين الرجلين، وبكيفية إدارة المرحلة المقبلة في ظل انسداد الأفق السياسي والاقتصادي الذي يرزح تحته لبنان.
اجواء الاجتماع
ففيما يبقى الملف الاسرائيلي متفجرا لبنانيا وسط مخاوف من احتمالات زيادة منسوب التصعيد العسكري، استمرت امس عملية «تبريد» الاجواء، وترميم العلاقات بين أهل الحكم في الداخل دون المستوى الكفيل بعودتها الى ما كانت عليه قبل واقعة «صخرة الروشة» وما اعقبها من مواقف، على خط بعبدا – السراي، بعد نجاح مساعي رئيس المجلس النيابي، في احداث خرق وانقاذ البلاد من ازمة سياسية وحكومية، قادت رئيس الحكومة الى زيارة القصر الجمهوري، وسط التساؤلات عن موعد الاجتماع المقبل للحكومة.
لقاء رئاسي، وصفته مصادر متابعة، بانه كان عبارة عن «جلسة مكاشفة ومصارحة» على خلفية «فعالية الروشة» وتداعياتها، حيث عرض كل من الرئيسين وجهة نظره، مصرا عليها، لجهة تصرف الجيش والاجهزة الامنية، وما رافق الاحداث من تطاول على رئاسة الحكومة، ومس بهيبة الدولة، مشيرة الى ان عون اطلع سلام على نتائج زيارته إلى نيويورك، وانعكاسها على الوضع في لبنان، لا سيما من الناحية العسكرية، إن من حيث دعم الجيش اللبناني أو تطبيق وقف إطلاق النار، على خلفية اللقاء الذي جمعه بوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، في حضور الموفدين الأميركيين توماس برّاك ومورغان أورتاغوس، ورسائل الدعم الأميركية التي أفضى إليها الاجتماع.
كما تطرّق اللقاء، وفقا للمصادر، إلى ما جرى في ساحة النجمة، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك في الاستحقاق الانتخابي المقبل، وسط تشدد من الطرفين على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها، خاتمة، بان «الاجتماع انتهى الى اتفاق على استمرار التنسيق والتعاون، تحديدا في ما يخص العمل الحكومي، ملمحة الى ان ترسبات ما حصل بقيت مسيطرة على جو العلاقة بين الرئاستين».
وختمت المصادر، بانه بعد لقاء بعبدا، يمكن القول إن العلاقة بين عون وسلام دخلت مرحلة اختبار حقيقي، فإما أن تتحول إلى شِرْكة عملية تعزز الاستقرار وتفتح الباب أمام تفاهمات سياسية أبعد، وإما أن تبقى في إطار بروتوكولي ظرفي لا يُغيّر في طبيعة الأزمات البنيوية التي يعيشها لبنان، الا ان المؤكد أنّ اللقاء وضع الرجلين في موقع محوري، وأرسى معادلة جديدة تجعل أي تطور أمني أو سياسي مقبل، مرهوناً بدرجة التنسيق بينهما.
رسالة قطرية
وفي توقيت لافت، تسلّم الرئيس عون من السفير القطري في لبنان الشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني، رسالةً من أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أكد فيها تقديره للدور الوطني الذي يضطلع به الجيش اللبناني في حفظ الأمن والاستقرار، مؤكدا دعم المؤسسات الوطنية اللبنانية، وفي طليعتها الجيش والمهام التي يقوم بها، لا سيما تلك التي تساهم في تنفيذ القرار 1701، الذي يشكل أساساً لحفظ الاستقرار في لبنان والمنطقة.
الى السعودية
على خط مواز، يشارك وزير الدفاع ميشال منسى ومدير المخابرات العميد طوني قهوجي، في «المنتدى الدولي للامن السيبراني 2015» في الرياض، حيث اشارت المعلومات الى ان هدف الزيارة يكمن حصرا في حضور فعاليات المؤتمر، اذ لا يتضمن جدول اعمالهما اي لقاءات سياسية وامنية، كاشفة ان السفير الفرنسي في بيروت، كان اكد على هامش مناسبة اجتماعية في قصر الصنوبر، نهاية الاسبوع، ردا على سؤال حول مؤتمر دعم الجيش الذي يفترض ان تستضيفه الرياض، كما سرب، بالقول: «لا استطيع تحديد موعد او مكان المؤتمر، الا ان الاتصالات مع السعودية حققت تقدما ملموسا»، ملمحا، الى ان تاخير الحسم مرتبط على ما يبدو بتقرير الجيش المتوقع عرضه على الحكومة، وبمدى «الجدية» التي سيتصف بها.
هيكل في بعلبك
وكان تفقد، امس، قائد الجيش العماد رودولف هيكل، قيادة لواء المشاة السادس في ثكنة محمد مكي – بعلبك، حيث اطلع على الأوضاع العملانية في قطاع مسؤولية اللواء، واستمع إلى إيجاز عن المهمات والصعوبات التي يواجهها، مثنيا على «جهود عناصره». كما زار عددا من المراكز، والتقى الضباط والعسكريين، مشيدا بـ «أدائهم لملاحقة المطلوبين والمخلين بالأمن، ومكافحة العصابات الإجرامية على أنواعها، خصوصا التي تعمل على الاتّجار بالمخدرات وترويجها».
واعتبر هيكل أن «نجاح الجيش في مهماته يعود إلى تحليه بالحكمة والاحتراف، وولائه الثابت للبنان، وثقة اللبنانيين به»، لافتا إلى أن «المتورطين في الجريمة لا يمثلون إلا أنفسهم، وأن أفعالهم مرفوضة تماما من قبل جميع اللبنانيين»، مضيفا، «أمن الوطن أمانة في أعناقنا، وقيادة الجيش ملتزمة قدسية مهمتها، وحريصة على المصلحة الوطنية وأمن جميع اللبنانيين، والجيش مستمر في تحمل مسؤولياته، في ظل المرحلة الاستثنائية الراهنة، وسط ما تمر به البلاد من ظروف، لا سيما الاعتداءات المستمرة من جانب العدو الإسرائيلي، والتحديات الأمنية الكبيرة».