خاص الهديل: خطوة واحدة قد تقوم بها الصين ويدخل العالم من بوابة حرب إيران – إسرائيل إلى عصر الحرب الباردة
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
ترامب يجهز عرض الفرصة الأخيرة لإيران هذه تفاصيله!خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يتحدث نتنياهو عن الحرب مع إيران بنفس الطريقة التي يتحدث فيها عن الحرب على "حي الشجاعية" في غزة، أو على "مخيم جنين" في الضفة الغربية. فهو يقول أنها حرب وجودية لأمن إسرائيل علماً أن إيران تبعد آلاف الأميال عن فلسطين المحتلة. لكن نتنياهو يحاسب إيران انطلاقاً من أنه يوجد بين إسرائيل وبينها حدود مشتركة ليست جغرافية بل ايديولوجية مؤداها أنها تصرح ضد وجود إسرائيل؛ إضافة لحدود مشتركة أمنية قوامها أن إيران تنوي – ولم تقرر – أن تصبح دولة نووية.
والواقع أنه بحسب منطق نتنياهو الذي هو بنفس الوقت منطق اليمين القومي الإسرائيلي المتحالف مع اليمين الديني "الكهاني" و"المسيحاني"، فإن حدود إسرائيل لم تعد فقط من البحر إلى النهر بل أيضاً من حبل النوايا تجاهها من قبل كل دول منطقة الشرق الأوسط..
على كل حال، فإنه أبعد مما يقوله نتنياهو وأبعد من موقف ترامب ومن حالة الغموض التي تواكب مدى القدرة الإيرانية على استيعاب الجيل الأكثر تطوراً من الحرب التكنولوجية عليها، توجد أسئلة كبيرة وخطرة وقد تغير الأجوبة عنها كل المناخ الدولي؛ وهذه الأسئلة تصبح ملحة أكثر فأكثر مع كل لحظة جديدة تستمر فيها الحرب الإيرانية الإسرائيلية:
السؤال الأول: هل هناك من حدود لهذه الحرب؛ بمعنى أدق هل هناك سقف موضوعي وموثوق به يمكن الركون إليه بوصفه سقفاً لا تستطيع الحرب تجاوزه(؟؟).
هناك من يقول نعم يمكن الركون إلى السقف الأميركي القادر في لحظة معينة أن يفرض وقف الحرب على الطرفين إما سلماً أو بالقوة.
هناك أمثلة عملية يوردها القائلون بهذه النظرية؛ مثلاً نجح ترامب بجهد متواضع منه إيقاف الحرب بين الهند وباكستان؛ وكانت حرب هاتين الدولتين النوويتين لها نفس منزلة خطورة الحرب الإيرانية الإسرائيلية على الأمن العالمي، وربما أخطر..
أضف أن الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة موجودة ليس فقط سياسياً بل عسكرياً عبر أكبر قواعد عسكرية جوية وبحرية لها في منطقة الخليج.. وكل هذه المعطيات تقود للاستنتاج بثقة أن واشنطن قادرة على جعل أحداث حرب إيران- إسرائيل تتفاعل داخل حدود الملعب المصمم لها من قبل أميركا!!.
..لكن بمقابل هذه الإجابة المتفائلة عن قدرة ترامب على ضبط أخطر حرب يشهدها الشرق الأوسط اليوم هناك طيف من المراقبين يطرح السؤال الثاني؛ وذلك من خلال رؤية مغايرة لا تعتقد بقدرة أميركا على ضبط اتساع هذه الحرب.. تقول هذه الرؤية أن العالم اليوم يشهد حربين إثنتين كبرتين تؤسسان لولادة نظام دولي جديد تقوم علاقاته على أساس العودة للحرب الكونية الباردة. وهاتان الحربان هما: الحرب الأوكرانية الروسية في أوروبا والحرب الإيرانية الإسرائيلية في الشرق الأوسط.
وترى هذه النظرية أن الحرب الأوكرانية الروسية بدأت بخلال عهد بايدن الذي انخرط فيها تمويلاً وتسليحاً ودعماً، ولم يستطع عهد ترامب إيقافها، رغم أنه ظن أنه يستطيع حلها بغضون ساعة واحدة؛ وعليه فهذه مرشحة – أغلب الظن – لأن تستمر لتنتج عوامل إعادة تشكيل النظام الدولي على أسس مختلفة عن تلك القائمة اليوم.
إن أهم الاستنتاجات الرئيسة من الحرب الأوكرانية الروسية هي أنها أصبحت حرب أوروبا في أوكرانيا وحرب أوروبا على روسيا؛ وهي أثبتت بدرجة أساسية أن الرئيس الأميركي بايدن الذي جاء للبيت الأبيض بناءاً على مشروع مسبق لديه وهو التفرغ للصين؛ وجد نفسه مضطراً بفعل تطورات أحداث العالم للانشغال بحرب غزة في الشرق الأوسط وبحرب أوكرانيا في أوروبا. والخلاصة من ذلك أن سيد البيت الأبيض يأتي وهو يريد ما يريد؛ ولكن أحداث العالم تفرض عليه ما تريد!!. وعليه فإن تجربة بايدن تقول أن ترامب قد يضطر كما سلفه لأن يلحق بأحداث كبرى مستجدة؛ وذلك بدل أن يأخذ – هو – أحداث العالم إلى حيث يريد.
وكل ذلك يؤدي إلى فكرتين إثنتين أساسيتين؛ الأولى أن العالم ولفترة مقبلة سيعيش داخل نتائج تتكور لا تنتهي لحربين صغيرتين عالمتين: حرب بين إسرائيل ومعها الغرب وربما العالم – عدا الصين فقط وباكستان بدرجة غير حاسمة – وبين إيران.
الحرب العالمية الثانية الصغيرة هي حرب أوكرانيا وهي تجري بين أوروبا وروسيا التي يوجد لديها في هذه الحرب تفاهم ليس مع أميركا بل مع حليف قوي داخل أميركا هو ترامب..
وإذا كانت حرب أوكرانيا ستحدد مستقبل حجم روسيا المقبل داخل أوروبا وستحدد حجم أوروبا كقوة قادرة على تجديد شبابها من جهة، وستحسم من جهة ثانية مستقبل الصراع داخل المجتمع الغربي حول أية ليبرالية ستحكمه مستقبلاً: الليبرالية الكلاسيكية "الترامبية" المؤيدة لليمين المحافظ أم "الليبرالية المستيقظة" – حسب وصف فوكوياما – المتهمة بالنزعة اليسارية؟؟..
والواقع أن خلاصة ما تقدم يرسم للعالم في ظل اشتعال حربي الشرق الأوسط وأوروبا وإليهما حرب ترامب التجارية العالمية الثالثة؛ صورة معقدة في تشعباتها واختلاط المصالح وتوزع القوى فيها؛ ولكن من زاوية معينة يمكن المغامرة بشيء من الثقة والقول أن حرب الشرق الأوسط الحالية الإيرانية الإسرائيلية مرشحة من جهة للاستمرار بدليل تجربة الحرب الأوكرانية الروسية الأوروبية؛ ومرشحة من جهة ثانية – وهذا الأهم – لأن تتجه لتؤسس لولادة حقبة عودة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية وبين الصين هذه المرة المرشحة لأن تأخذ دور الإتحاد السوفياتي..
وفي هذه اللحظة يبدو العالم أقرب ما يكون لدخول حقبة عودة الحرب الباردة.. ما هو ناقص: فقط خطوة من الصين وهي القيام بتقديم جيل صيني جديد من الصواريخ المضادة للطائرات لإيران – كما فعل الإتحاد السوفياتي حينما قدم سام ٦ لمصر وسوريا -؛ وحينها سيخلق توازن بين القوة التكنولوجية الغربية والقوة التكنولوجية الشرقية؛ ومن باب هذا التوازن بين الدعم الأميركي لإسرائيل وبين الدعم الصيني لإيران؛ ستستمر حرب إيران – إسرائيل بوصفها البوابة التي سيدخل العالم منها إلى عصر الحرب الباردة..
ما يجب فعله الآن هو استراق السمع لموقف الصين التي صرحت أمس أنها تدعم حق إيران بالدفاع عن نفسها.. هل ما أعلنته بكين أمس هو موقف سياسي دبلوماسي، أم يقترب من أن يكون موقف صيني استراتيجي يؤسس لولادة الحرب الباردة؟؟!.