ترتيب المنطقة وفقا لمصالح إسرائيل.. ولبنان يتمسك بالعقيدة الوطنية!
klyoum.com
كتب غسان ريفي في "سفير الشمال":
تشير التطورات السياسية والعسكرية المتسارعة الى أن ثمة محاولات حثيثة لترتيب أوضاع المنطقة وفق الرؤية الأميركية التي تصب في خدمة مصالح الأمن الاستراتيجي الاسرائيلي، مستفيدة في ذلك من فائض القوة الذي يحققه التطور التكنولوجي ضد كل من يقف في وجه المشروع “الصهيوأميركي” في ظل دعم خجول تقدمه كل من روسيا والصين الى حلفائهما من دون أن يرقى الى مستوى تمكين هؤلاء من أن يكونوا على مستوى المواجهة الحقيقية.
في غضون ذلك، يبدو الجميع في حالة من الإرتباك، من أميركا وإسرائيل اللتين تعتمدان على الحديد والنار من دون أن تصلا الى الأهداف التي فشلت الحرب على غزة وعلى لبنان في تحقيقها، الى سوريا التي ناقض مكتب الاعلام الرئاسي المكتب البيضاوي الأميركي حول إلتزام الرئيس أحمد الشرع بتحالف القوى الدولية للقضاء على داعش، ودخول روسيا والصين على الخط السوري، لكن رغم ذلك، فإن سوريا اليوم أصبحت في مكان آخر وهذا التحول ليس تحولا سهلا بالنسبة لموازين القوى في المنطقة.
في المقابل فإن حماس والمقاومة الفلسطينية رغم صمودهما وإنجازاتهما وتصديهما دفعتا مع الشعب الفلسطيني ثمنا كبيرا جدا، وإمكانية الاستمرار في المواجهة صعب حاليا، لكن ذلك لا يعني الهزيمة، خصوصا أن هذه المقاومة ولادة وربما تقبل اليوم بستاتيكو مؤقت، لكن التمسك بنهج المواجهة ما يزال قائما ولعل عملية الدهس الأخيرة أكبر دليل على ذلك.
أما حزب الله فيدفع يوميا أثمانا باهظة من بيئته وشبابه، وحسابات توريط بيئته بمواجهة مفتوحة دقيقة للغاية، لكنه أيضا يعمل على ترميم نفسه، وهو قد يفاجئ العدو في أي لحظة، خصوصا عندما يدرك أنه قادر على إحياء معادلة الردع التي سبق وأوقفت العدو عن الاعتداءات 18 سنة متواصلة.
وإيران شبه محاصرة ولا تستطيع مواجهة العالم في ظل ضعف الدعم من الحلفاء المفترضين، لكنها تستعد لأي مواجهة مقبلة معتمدة على وحدة داخلية وعلى قوة صاروخية سبق وأثبتت جدواها وأدت الى إيقاف الحرب الاسرائيلية عليها، علما أن ما يحكى عن تصنيع السلاح في إيران لا بد وأن يؤخذ بعين الاعتبار.
هذا الواقع، فتح شهية بعض القوى السياسية اليمينية في لبنان على التطبيع والاستسلام، وهي لطالما راهنت على الاسرائيلي والأميركي متوهمة أنها قادرة على تحقيق إنجازات وعلى الاستقواء على خصومها للوصول الى ما كانت تحلم به منذ عقود.
لذلك، فإن ما يحصل في لبنان اليوم، يشبه الى حد بعيد حقبة العام 1982 مع إختلاف في الحيثيات، حيث أن هذه القوى لا تقيم وزنا لأي حوار أو للقواسم المشتركة التي يمكن أن تشكل توافقا وطنيا على الثوابت والمسلمات، وتضغط بإتجاه التطبيع وتحرض في الخارج على كل من يخالف توجهاتها في لبنان من الرئاستين الأولى والثانية الى المؤسسة العسكرية وقائدها، وتوحي أنه لم يعد هناك جدوى من إستمرار الصراع، وتروّج لإتفاق يحاكي إتفاق 17 أيار، معتمدة في ذلك على أن إستناد القوى الوطنية في العام 1983 على سوريا لإسقاطه لم يعد موجودا في ظل ما تتخبط فيه دمشق على كل صعيد ما يمنعها أن تكون مؤثرة أو لاعب إساسي في أي تسوية.
هذه القوى نفسها، نسيت أو تناست أن إسرائيل إحتلت بيروت وخرجت مهزومة منها، وكذلك الأمر من الجنوب وصولا الى إنتصار التحرير في العام 2000، وفي 2006 وصمود 2024، وأن لبنان رغم الضغط الأميركي والاسرائيلي لا يزال متمسكا بعقيدته الوطنية التي يجسدها الجيش الذي يعي خطورة المرحلة والانقسام الداخلي ويحرص على أن يكون خارج الاصطفافات وبعيدا عن أي تصرف قد يؤدي الى صدام داخلي، ويتوج ذلك رئيس الجمهورية جوزاف عون الداعم بالمطلق للجيش وقائده، والحريص على منع أي فتنة داخلية والرافض للإملاءات الأميركية التي تصب في مصلحة إسرائيل.
كل ذلك يؤكد أن الصورة ليست سوداوية كما يحاول البعض تصويرها لإضعاف المعنويات وكسر الارادات، خصوصا أن التوجهات الأميركية حول لبنان والمنطقة ليست قدرا ويمكن مواجهتها أو تأخيرها أو إبطالها بطرق مختلفة، خصوصا أن إنتخابات العراق أظهرت شيئا من التوازن السياسي وأعطت محور المقاومة حجمها، ومصر كقوة إقليمية ليس لها مصلحة في إنتصار المشروع الصهيوني في المنطقة، وكذلك ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي إشترط خلال زيارته الى أميركا ربط السلام بحل الدولتين وبإطلاق عجلة تسوية عادلة في المنطقة.
في خلاصة القول، إن هذا الصراع القائم والاحتقان الذي يزداد يوما بعد يوم نتيجة إنسداد كل آفاق الحلول، معطوفا على التعنت الاسرائيلي الواضح والمدعوم أميركيا، قد يجعل الحرب الصهيونية على إيران غير مستبعدة، وربما يمعن في الاعتداءات على سوريا، وكذلك على لبنان بشكل تصاعدي وهي قد تتحول الى حرب مفتوحة لكن ذلك حتما سيكون على توقيت المقاومة.