اخبار لبنان

جريدة اللواء

أقتصاد

مقابلة رياض سلامة.. محاولة بائسة لغسل اليدين من «الشيطنة» بأموال الناس وإفلاس البلد!

مقابلة رياض سلامة.. محاولة بائسة لغسل اليدين من «الشيطنة» بأموال الناس وإفلاس البلد!

klyoum.com

كتب المندوب الاقتصادي

لم يكن حديث الحاكم السابق لمصرف لبنان، رياض سلامة، مجرّد مقابلة عابرة بقدر ما كان عرضاً استفزازياً لمغالطات مكشوفة، ومحاولات يائسة لتبرئة الذات من أكبر انهيار مالي شهده لبنان في تاريخه الحديث. فالرجل الذي أدار السياسة النقدية لثلاثة عقود، وراكم خلالها القوة والنفوذ والشبكات، أراد أن يظهر بمظهر «الضحية» و«الملاك الوحيد» وسط ما أسماه «شيطنته» في خضم فوضى السياسيين والمصارف. لكن الحقيقة التي يعرفها اللبنانيون جيداً تقول العكس تماماً.

سلامة، في حديثه الأخير، لم يقدم اعترافاً واحداً، ولم يشرح آلية واحدة من الآليات التي استخدمها لإغراق البلاد في حفرة الانهيار. فضّل الهروب إلى الأمام، ورمى المسؤولية على الآخرين، متجنّباً بذكاء بارد الخوض في الملفات التي شكّلت جوهر الكارثة. لم يتوقف عند الهندسات المالية التي اخترعها وتباهى بها يوماً، تلك العمليات التي ضُخّت عبرها مليارات الدولارات إلى المصارف تحت عنوان «تعزيز الاستقرار»، بينما كانت في الواقع تعزّز أرباح حيتان المال، وتثبّت شبكة الولاءات التي صنعت له عهداً من الحصانة.

الهندسات المالية وحدها كلّفت الخزينة ومصرف لبنان أكثر من ثلاثة مليارات دولار، ذهبت بمعظمها إلى مصرفيْن محدّدين يُعرَفان جيداً بقربهما من الحاكم وباستفادتهما الفجّة من آلياته. ومع ذلك، حاول سلامة في حديثه أن يصوّر نفسه حامي الاستقرار المالي، متناسياً أن هذه العمليات لم تكن سوى بداية الانهيار المقنّع الذي انفجر لاحقاً في وجوه اللبنانيين.

أما الهدر في قطاع الكهرباء، والذي استخدمه سلامة كشمّاعة للتنصّل من مسؤولياته، فهو ليس مبرراً ليُسقط عن نفسه مسؤولية السياسات النقدية الخاطئة. صحيح أن الكهرباء استنزفت الدولة لعقود، لكن الصحيح أيضاً أن البنك المركزي لم يكن ملزماً بتمويل كل هذا الهدر، لولا قرار سلامة نفسه بفتح الخزائن بغير حساب، لغايات شخصية وطمعه بالرئاسة الأولى. وهو نفسه إعترف بكل بساطة بأن الدعم الذي قدّمه للمحروقات والقمح والمواد الغذائية تحوّل إلى باب تهريب منظم إلى سوريا، ووصل إلى بلدان إفريقية، تحت أعين السلطة والنفوذ والأجهزة، وبعلم من كان عليه أن يوقف النزيف ولم يفعل.

وتأتي منصة «صيرفة» كالفصل الأخير في مسلسل التلاعب. منصة طالما قدّمها سلامة على أنها وسيلة لضبط السوق، بينما كانت في الحقيقة وسيلة لضخ الدولارات المدعومة في جيوب المصارف والسياسيين وأصحاب النفوذ. ملايين الدولارات يومياً خرجت من احتياطي البنك المركزي إلى جيوب قلّة من «المحظوظين»، على حساب شعب يبحث عن دولار لشراء دواء لمسن، أو حليب لطفل، أو تسديد دفعة من قسط المدرسة.

المؤسف أن سلامة، في كل مقابلة، يصرّ على لعب دور «المعلّم» الذي يعرف كل شيء، وعلى مخاطبة الناس بنبرة فوقية، وكأن اللبنانيين شعب فاقد الذاكرة. يتجاهل أن اسمه أصبح مرتبطاً في الوعي العام بالانهيار، وأن التلاعب بالأرقام والوقائع لن يمحو مسؤولياته. فالحاكم السابق لم يكن مجرد موظف تنفيذ، بل كان صاحب القرار الأول في النظام النقدي، واللاعب الأقوى في المعادلة المالية، ومن كان يعرف كل الأرقام... ويخفي ما يجب أن يعرفه اللبنانيون.

إن محاولات غسل اليدين من الكارثة ليست سوى جزء من استراتيجية قديمة اعتاد عليها سلامة: إرباك الجمهور، تحميل الجميع المسؤولية، وترك نفسه خارج إطار المحاسبة. لكنه ينسى أن الزمن تغيّر، وأن الانهيار كشف كل شيء: كشف شبكات الفساد، وكشف تبعية المصارف، وكشف هشاشة الدولة، وكشف أيضاً الدور المركزي للحاكم الذي كان يجب أن يحمي الليرة فأسقطها، وأن يصون أموال المودعين فتبخّرت تحت إشرافه.

اليوم، لم يعد ينفع التبرير ولا التذاكي. فالشعب الذي خسر مدخراته وأمانه الاجتماعي لا يريد خطابات ولا مقابلات، بل يريد حقيقة كاملة وعدالة كاملة. ومهما حاول رياض سلامة أن يعيد كتابة القصة، فإن السردية الحقيقية ستبقى واضحة: الرجل الذي حكم المال ثلاثين سنة هو شريك كامل في الانهيار، وصمته عن الفساد كان حماية له، وتواطؤه مع المنظومة كان عقداً غير معلن استمر إلى أن انفجر كل شيء.

ولبنان لن ينهض ما لم تُقل الحقيقة بلا تجميل، وما لم يتحمّل كل مسؤول، سياسياً كان أو مالياً أو نقدياً، دوره في الخراب العظيم، وتأخذ العدالة طريقها الصحيح إلى معاقبة كل من تتم إدانته.

*المصدر: جريدة اللواء | aliwaa.com.lb
اخبار لبنان على مدار الساعة