مرافق هشّة وصهاريج رابحة.. رؤية في ثغرات نظام تأمين المياه في لبنان (2/3)
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
أسابيع لا أشهر .. رسالة أميركية عاجلة إلى لبنان!الدكتورة زبيدة الطيارة*
ثغرات نظام تأمين المياه في لبنان
انطلاقا مما سبق في الجزء الأول، والذي يعكس ضعف قدرة المؤسسات الحكومية على توفير خدمات المياه بشكل مستدام وفعّال رغم محاولات عدة لملء الفراغ: ففي تشرين الثاني 2024 وافق البنك الدولي على مشروع «تعزيز إمدادات المياه في بيروت الكبرى وجبل لبنان» (Second Greater Beirut Water Supply Project) الذي يسعى إلى استكمال البنى التحتية المتبقية، وتحسين جودة المعالجة، وإصلاح الأداء المؤسسي. بيد أن تنفيذ هذه المشاريع تعثّر أمام الواقع المالي واللوجستي، والمناخ السياسي المتقلب، وخصوصاً أزمة الكهرباء التي تضرب لبنان منذ آب 2024 (انقطاع تام للكهرباء) وتأثير ذلك على القدرة على تشغيل المضخات ومحطات المعالجة وهنا تكمن ثغرات نظام تأمين المياه!
لنحلل بدقة الثغرات في النظام القانوني والمؤسسي لتأمين المياه في لبنان حتى عام 2025، وتسهيلا لفهم التقصير في تأمين المياه سوف نقسم الثغرات الى أربع أقسام رئيسية (الرسم -2-): أولا، تنظيمية - تشريعية، ثانيا تنفيذية، ثالثا، مالية وبشرية، رابعا، قانونية تتعلق بالمساءلة والمحاسبة.
أولاً- ثغرات تنظيمية - تشريعية:
• تتمثل بتعدد الجهات المعنية حيث يوجد أكثر من جهة مسؤولة (وزارة الطاقة والمياه، مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، البلديات، مؤسسات حكومية أخرى)، دون وجود قانون واضح أو آلية عملية لتنسيق العمل بينها، والنتيجة ازدواجية أو غياب للمسؤولية عند التقصير.
• كذلك عدم وجود قوانين واضحة للمحاسبة، فالتشريعات الحالية تحدد المسؤوليات بشكل عام، لكنها لا تحدد آلية واضحة لفرض العقوبات أو محاسبة المسؤولين عند التقصير.
ثانياً- ثغرات تنفيذية:
• كغياب الرقابة الفعلية، فرغم وجود ديوان المحاسبة والقضاء الإداري، إلّا أن تنفيذ القرارات أو التوصيات غالباً ضعيف أو متأخّر، بسبب الإجراءات الطويلة أو نقص الموارد.
• من جهة أخرى فان نقص الشفافية في البيانات المتعلقة بكميات المياه، توزيعها، وأعمال الصيانة غالباً غير متاحة للجمهور أو لا تُنشر بانتظام، مما يجعل من الصعب تقييم أداء الجهات المعنية.
• ناهيك عن قصور في التخطيط المسبق غياب خطط طويلة المدى لإدارة الموارد المائية، وان وجد لا ينفذ، ما يؤدي إلى إدارة أزمة المياه بشكل مؤقت بدل معالجة الجذر.
ثالثاً- ثغرات مالية وبشرية:
• تتمثل بنقص التمويل فحدث ولا حرج، فالمؤسسات المعنية غالباً غير قادرة على تأمين ميزانية كافية للصيانة أو الاستثمار في البنية التحتية، مما يؤدي إلى توقف أو تراجع الخدمات.
• مع تسجيل قلّة الكوادر الفنية المؤهلة وعدم توفر تدريب كافٍ وتخصصات مناسبة لإدارة شبكات المياه الحديثة، ما يضعف جودة العمل.
رابعاً- ثغرات قانونية تتعلق بالمساءلة:
• غياب آلية واضحة للمساءلة الفردية، فالقانون يحدد مسؤولية الجهة أو المؤسسة، لكنه لا يحدد كيف تُحاسب الشخصيات التنفيذية أو الإدارية (مدراء، مسؤولين، إلخ..) بشكل مباشر وذلك رغم وجود مسؤوليات واضحة قانونياً.
• أما بالنسبة الى التأخير القضائي، فالقاصي والداني يعلم أن الدعاوى ضد التقصير في تقديم المياه غالباً تأخذ سنوات طويلة قبل الحسم، مما يقلل من تأثير المحاسبة على الأرض.
في الخلاصة، ان الثغرات الأساسية تكمن بوضوح في غياب التنسيق الفعّال، ضعف الشفافية، نقص الموارد، وعدم وجود آليات قانونية واضحة للمحاسبة، مما يجعل النظام عرضة للتقصير، رغم المسؤوليات الموزعة على قطاع المياه.
دور قطاع المياه الرسمي ومسؤولياته في أزمة تأمين المياه في لبنان
بشكل عام ان المحاسبة عن التقصير في تأمين المياه تخضع لعدة أطر قانونية وإدارية في لبنان، تشمل القوانين الوطنية، دور المؤسسات العامة، بالإضافة إلى الرقابة المالية من قبل ديوان المحاسبة ووزارة المالية.
يحدد قانون تنظيم قطاع المياه اللبناني مسؤوليات الدولة في تأمين المياه وحمايتها، عن طريق وزارة الطاقة والمياه، المؤسسات العامة الاستثمارية لإدارة قطاع المياه والصرف الصحي، مع الإشارة إلى أن بعض المشاريع تُنفذ عبر مجلس الإنماء والإعمار. ويؤكد القانون رقم 377/2001 المعدل على عدم انتقاص صلاحيات البلديات أو اتحاداتها في مجال المياه، مما يوضح توزيع المسؤوليات بين الدولة والسلطات المحلية على الشكل التالي:
• وزارة الطاقة والمياه هي الجهة الرسمية المسؤولة عن وضع السياسات الوطنية لقطاع المياه في لبنان وتقع عليها مسؤولية الإشراف العام على تأمين المياه للمناطق، عبر مشاريع البنى التحتية مثل محطات الضخ وخطوط الأنابيب.
• مجلس الإنماء والإعمار هو الجهة المنفذة لمشاريع البنية التحتية الكبرى في قطاع المياه ومسؤول عن تأخير أو تقصير في المشاريع التنفيذية التي تقع على عاتق هذا المجلس، خصوصاً في المشاريع المموّلة من الدولة أو المانحين.
• مؤسسة مياه (المحافظات) مسؤولة عن تشغيل وصيانة شبكة المياه في المناطق، وتوزيع المياه على المشتركين وفق الطاقة المتاحة.
• البلديات/ اتحاد البلديات رغم محدودية مسؤوليتها إلّا أنها تتحمّل جزءاً من المسؤولية في التنسيق مع الجهات الأعلى.
• الرقابة المالية والمحاسبية الاشراف على الانفاق ومراقبة المشاريع المنفذة وفقاً للتشريعات اللبنانية.
يتضح مما سبق أن المسؤولية المباشرة عن عدم تأمين المياه في لبنان ليست جهة واحدة بل هي نتيجة لتداخل عدة جهات قانونية وإدارية، فالمسؤولية تتوزع بين مؤسسات المياه في التشغيل اليومي، ووزارة الطاقة والمياه الى جانب مجلس الإنماء والإعمار في التخطيط والتنفيذ، وكل ذلك ضمن إطار ضعف التنسيق المؤسسي.
أمام هذا التشتت في المسؤوليات وضعف التنسيق، تبرز الحاجة إلى مقاربة مختلفة تقوم على حلول عملية ومبتكرة، ما يفتح المجال أمام طرح خطة ذكية لإدارة المياه في لبنان قابلة للتنفيذ حتى بموارد محدودة (موضوع الجزء الثالث).
(يتبع)
* أستاذة مادة الهيدرولوجيا
متقاعدة من الجامعة اللبنانية