الدولة الفلسطينية: خطوة تاريخية
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
بالفيديو: ما رأي التيار برفض الحزب تسليم السلاح؟يشكّل الاعتراف بالدولة الفلسطينية لحظة فارقة في مسار الصراع العربي– الإسرائيلي، إذ لم يعد مجرّد إجراء رمزيّ، بل محطة تحمل أبعادًا قانونية، سياسية، وإنسانية. فالاعتراف يعني التعامل مع فلسطين ككيان سياديّ كامل الحقوق والالتزامات بموجب القانون الدوليّ، قادر على توقيع الاتفاقيات والانضمام إلى المنظمات الدوليّة، ما يعزّز شرعية الشعب الفلسطينيّ في تقرير مصيره ويمنحه أدوات أقوى لمواجهة سياسات الاحتلال.
الأمم المتحدة أدّت دورًا أساسيًا في تكريس هذه الشرعية؛ فقد أكّدت الجمعية العامة منذ عقود حق الفلسطينيين في دولة مستقلّة، وأقرّت عام 2012 منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو. وفي تموز 2025، صدر إعلان نيويورك عن مؤتمر أمميّ رفيع المستوى، واضعًا خارطة طريق لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة بحدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مع ضمانات سياسية وأمنية واضحة. ورغم معارضة الولايات المتحدة وبعض القوى الكبرى التي قد تعطّل عضوية فلسطين الكاملة عبر الفيتو، فإن الإجماع الدولي آخذ في التوسّع.
الأرقام تعكس هذا التحوّل؛ فحتى أيلول 2025، اعترفت 157 دولة من أصل 193 في الأمم المتحدة بفلسطين، أي ما يقارب 81 % من المجتمع الدولي، بينها دول محورية مثل فرنسا، بلجيكا، كندا وأستراليا. في المقابل، يواصل الاحتلال الإسرائيلي فرض وقائع على الأرض: ففي عام 2023 فقط، جرى الدفع نحو 12,349 وحدة استيطانية في الضفة الغربية و 18,333 وحدة في القدس الشرقية، إضافة إلى خطط لبناء 22 مستوطنة جديدة وأكثر من 10,300 وحدة خارج المستوطنات القائمة. هذه الأرقام تكشف أن الاستيطان يتسارع بشكل يهدّد إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا وقابلة للحياة.
إلى جانب البعد السياسي، الاعتراف بالدولة الفلسطينية يحمل أهمية إنسانية كبرى. فهو يتيح للفلسطينيين الدفاع عن حقوقهم أمام المحكمة الجنائية الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان، ويعيد تسليط الضوء على معاناتهم اليومية: الحصار على غزة، التهجير القسري، القيود على التعليم والصحّة وحرية التنقل. الاعتراف لا يمنحهم فقط مكانة قانونية، بل أيضًا مظلّة لحماية حقوق الإنسان الأساسية التي تنتهكها إسرائيل بشكل ممنهج.
ورغم ما يحققه الاعتراف من مكاسب، تظلّ التحدّيات قائمة: الانقسام الفلسطيني الداخلي بين غزة والضفة الذي يضعف وحدة الموقف، الممانعة الإسرائيلية القائمة على التفوّق العسكري وفرض الأمن بالقوة، وضغوط بعض القوى الكبرى التي تعرقل مسار الشرعية الدولية. لكن هذه العقبات لا تُلغي دلالة الاعتراف، بل تؤكّد الحاجة إلى تحويله من خطوة سياسية إلى مسار متكامل مدعوم بضغط دولي عملي، وبناء مؤسسات فلسطينية قوية، وتوحيد الصف الداخلي.
الخلاصة أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو رسالة واضحة بأن الاحتلال والاستيطان لا يمكن أن يتحوّلا إلى أمر واقع دائم. إنه خطوة تاريخية تعيد الاعتبار للقانون الدولي، وتضع العالم أمام مسؤولياته، وتؤكّد أن قيام دولة فلسطينية حرّة ومستقلّة ليس مجرّد حلم مؤجّل، بل حق مشروع يتعزز مع كل اعتراف جديد وكل جهد أمميّ يُبذل لفرض العدالة والسلام.