لبنان الأول عالميًّا في حجم الذهب
klyoum.com
منذ العام 2020 ولغاية اليوم، بات لبنان يملك ثروة تعادل حجم الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. بعد الصعود المتواصل لأسعار الذهب عالميًا، ارتفعت قيمة احتياطي مصرف لبنان من الذهب من 13 مليار دولار إلى أكثر من 30 مليارًا خلال 6 أعوام فقط.
يحذّر كبار خبراء التداول العالميون، منهم مؤخرًا راي داليو، مؤسس صندوق التحوط الشهير بريدج ووتر، من أن الذهب والعملة غير الورقية سيصبحان مخازن أكثر قوة للقيمة في ظل تزايد مخاطر تراجع العملات الرئيسية نتيجة الضغوط المتصاعدة للديون العالمية.
وينصح الملياردير الأميركي بشراء الذهب لأن جميع العملات مهددة بفقدان جاذبيتها كأدوات لحفظ الثروة، في وقت تبدو فيه الحكومات غير راغبة في كبح جماح الإنفاق والاقتراض، مما يجعل الذهب والعملات غير الورقية خيارات أكثر أمانًا. وبما أن مؤشر الدولار تراجع بأكثر من 10 بالمئة هذا العام أمام العملات الرئيسية التي فقدت قيمتها أمام المعدن الأصفر الذي أصبح ثاني أكبر عملة احتياطية في العالم، فإن تراجع الدولار أيضًا أمام عملات رئيسية أخرى ترك تداعيات سلبية على التجارة العالمية وعلى عمليات الاستيراد والتصدير حول العالم.
بدأ الذهب مساره الصعودي المتواصل في العام 2020 إثر جائحة كورونا التي جعلته ملاذًا آمنًا ورفعت سعر الأونصة إلى أكثر من ألفي دولار، بعدها بلغت قيمة الأونصة 1950 دولارًا في العام 2021، وارتفعت إلى 2070 دولارًا في أواخر العام 2022، ثمّ إلى 2085 دولارًا في العام 2023، وصولًا إلى 2801 دولارًا في العام 2024 لتبلغ مستويات قياسية هذا العام عند 3736 دولارًا.
شهد سعر الذهب تغيّرات ملحوظة عبر السنوات، حيث ساهم العديد من العوامل الاقتصادية والسياسية في رفع أو خفض أسعار الذهب عالميًا، ومنها:
- كانت فترة التسعينات تتميز باستقرار نسبي في أسعار الذهب التاريخية. ومع غياب الأزمات الاقتصادية الكبرى في تلك الفترة، بقي الذهب عند مستويات منخفضة نسبيًا.
- بدأت أسعار الذهب خلال السنوات السابقة الارتفاع مع مطلع الألفية الجديدة، خاصة بعد أحداث 11 أيلول 2001، والتي زادت من التوترات العالمية، وساعدت على رفع أسعار الذهب عالميًا باعتباره ملاذًا آمنًا.
- الأزمة المالية العالمية في 2008 من أبرز الأحداث التي رفعت أسعار الذهب إلى مستويات قياسية، حيث لجأ المستثمرون إلى الذهب كملاذ آمن وسط انهيار الأسواق المالية.
- مع انتشار جائحة كوفيد-19 في عام 2020، شهد مؤشر أسعار الذهب ارتفاعًا كبيرًا حيث سجلت أونصة الذهب أعلى مستوياتها في التاريخ، إذ وصلت إلى أكثر من 2000 دولار.
- ومع استمرار التقلبات الاقتصادية وارتفاع المخاطر الجيوسياسية، يتوقع أن يظلّ الذهب في مساره الصاعد، خاصة إذا استمر التضخم وعدم اليقين في الأسواق العالمية. علمًا أن سعر الذهب يتأثر بشكل عام بعدد من العوامل الاقتصادية مثل التضخم وأسعار الفائدة، وبالعوامل السياسية والجيوسياسية، بالعرض والطلب خصوصًا من أسواق مثل الهند والصين، وبسعر الدولار الأميركي، بالإضافة إلى الاستثمار المؤسسي في الذهب.
ثروة لبنان
محليًّا، ساهم ارتفاع الذهب عالميًا في رفع قيمة احتياطي مصرف لبنان من الذهب في الوقت المناسب، أي عندما وقعت البلاد في أزمة مالية مصرفية ونقدية أدّت إلى انهيار العملة المحلية وإلى استنزاف احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية بشكل دراماتيكيّ.
يبلغ حجم احتياطي لبنان من الذهب 286.8 طنًا أي ما يعادل 10.116.572 أونصة، بقيمة بلغت 13,2 مليار دولار في 2019، و 18.04 مليار دولار في نهاية العام 2020، و 16.87 مليار دولار في نهاية العام 2021، و16,27 مليار دولار في 2022، و18.04 في 2023، لتصل إلى 24,1 مليار دولار في نهاية العام 2024، وأصبحت تساوي لغاية منتصف هذا العام 30.45 مليار دولار.
تعتبر قيمة احتياطي لبنان من الذهب هائلة نسبة إلى حجم ناتجه المحلي الإجمالي المقدّر بحوإلى 33 مليار دولار، حيث أظهرت دراسة أعدّها معهد التمويل الدولي في شباط 2025، أن لبنان احتلّ المرتبة الأولى عالميًا في معدل احتياطي الذهب نسبة إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة تصل إلى 76.5 في المئة وهي الأعلى عالميًا، نتيجة ارتفاع قيمة احتياطي الذهب للبنان. في المقارنة فإن قيمة احتياطي الذهب للسعودية على سبيل المثال، متقاربة جدًّا مع قيمة احتياطي لبنان، إلا أن حجم ناتجها المحلي الإجمالي الكبير جعلها تحتلّ المرتبة 31 عالميًا بنسبة 2,7 %، وجاءت الولايات المتحدة التي تملك أكبر احتياطي من الذهب بقيمة 682 مليار دولار، بالمرتبة 33 عالميًا في نسبة احتياطي الذهب مقابل الناتج المحلي وبنسبة 2.2 % .
الأسعار إلى أين؟
في هذا الإطار، أوضح الخبير المالي وليد أبو سليمان أن الذهب لا يزال يعتبر الملاذ الآمن الأبرز في فترات التضخم والتوترات الجيوسياسية. ومع توجّه الاحتياطي الفدرالي الأميركي نحو مزيد من الخفض في أسعار الفائدة، تزداد جاذبية الذهب باعتباره أصلاً لا يدرّ فوائد، فيما تتراجع الكلفة البديلة للاحتفاظ به. مضيفًا أن استمرار البنوك المركزية العالمية في تعزيز احتياطياتها يدفع نحو مزيد من الدعم الهيكلي للسوق، ما يجعل توقعات بلوغ مستويات 4,000 وحتى 5,000 دولار للأونصة غير مستبعدة.
في المقابل، أكد أبو سليمان لـ نداء الوطن أن احتمالات التصحيح تبقى واردة إذا ما شهد الدولار انتعاشًا قويًا أو عادت البنوك المركزية إلى سياسات نقدية أكثر تشددًا. لكن لا مؤشرات حالية على هبوط حاد، بل من المرجّح أن تكون هناك موجات تماسك أو تراجع جزئي بعد الارتفاعات القياسية الأخيرة.
دورة تاريخية ثابتة
وأشار إلى أن التجارب التاريخية تظهر أن الذهب يتحرك في موجات صعود تمتدّ لسنوات، يليها تماسك أو هبوط تصحيحي، لكن ليس هناك دورة ثابتة مدّتها 5 إلى 7 سنوات. على سبيل المثال، شهد الذهب ارتفاعًا متواصلًا تقريبًا بين 2001 و2011، ثم دخل مرحلة تباطؤ نسبي. يمكن القول إن هناك دورات طويلة الأجل مرتبطة بعوامل اقتصادية وجيوسياسية، لكن من الخطأ النظر إليها كقانون زمني صارم.
وفيما اعتبر أبو سليمان أن لبنان يملك احتياطيًا مهمًّا من الذهب، لفت إلى أن ارتفاع قيمته يعزز ميزانية المصرف المركزي ويزيد من صدقية موجوداته أمام المؤسسات الدولية. مشيرًا إلى أنه يمكن استخدام الذهب كضمانة للاقتراض بشروط أفضل أو كأداة لتأجيره. وفي حال استخدم بطريقة مدروسة، قد يشكل عنصرًا داعمًا للاستقرار والنمو الاقتصادي، شرط تجنب البيع العشوائي الذي يحرم الدولة والمواطن والمودع مكاسب مستقبلية محتملة.
تراجع مؤشر الدولار
في الموازاة، شهد الدولار الأميركي أسوأ عام له منذ عام 1973، حيث دفعت السياسات الاقتصادية للرئيس دونالد ترامب المستثمرين العالميين إلى بيع ما في حوزتهم من عملات خضراء، مما هدّد مكانة العملة الأميركية كملاذ آمن. فتراجع مؤشر الدولار الذي يقيس قوة العملة مقابل سلة من 6 عملات أخرى، بما في ذلك الجنيه الإسترليني واليورو والين، بنسبة 11,2 % منذ بداية 2025 ولغاية شهر أيلول الحالي. مع الإشارة إلى أن الدولار الأميركي خسر 47 % من قيمته منذ عام 2000.
وفي هذا السياق، قال أبو سليمان إنه خلال العام 2025، تراجع مؤشر الدولار (DXY) بأكثر من 10 % أمام سلة من العملات الرئيسية، وهو من أشدّ الانخفاضات منذ سبعينات القرن الماضي. هذا الانخفاض يأتي بعد سنوات من قوّة الدولار، ويعكس تبدّل السياسات النقدية الأميركية وتزايد الضغوط التضخمية.
أما بالنسبة لتداعيات ذلك على اللبنانيين، فقال: بما أن الدولار يُستخدم على نطاق واسع في لبنان، فإن أي تراجع في قيمته عالميًا ينعكس مباشرة على القدرة الشرائية للمقيمين. فالاستيراد، الذي يشكل العمود الفقري للاستهلاك اللبناني، يصبح أكثر كلفة، ما يضغط على التجار ويدفعهم إما إلى رفع الأسعار أو تقليص الكميّات. النتيجة الطبيعية هي تراجع في الاستهلاك وتآكل إضافي في القدرة الشرائية، حتى لدى من يتقاضون رواتبهم بالدولار.
توجّه اللبنانيين للتحوّط
وأكد أبو سليمان أن الميل نحو تنويع الأصول في لبنان بات أكثر وضوحًا، حيث يتّجه كثيرون إلى شراء الذهب لحماية مدخراتهم، بينما يلجأ آخرون إلى اليورو أو الجنيه الإسترليني أو حتى العملات الرقمية رغم مخاطرها العالية. كما تستخدم العقارات كملاذ آخر للحفاظ على القيمة. وبالتالي، فإن هذا السلوك يعكس فقدان الثقة بالدولار كعملة وحيدة للادخار والاستهلاك، ويفتح الباب أمام أنماط جديدة من التحوّط الفردي والمؤسسي.