فجوة ضبيّة والدامور: بيروت رهينة الصهاريج
klyoum.com
بحسب الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه، يحتاج الفرد في لبنان إلى نحو 200 ليتر يومياً. وقد كفل قانون المياه حق الإنسان في الحصول على المياه اللازمة لاحتياجاته، وذلك لقاء دفع بدلات الاشتراك عن استخدامه المياه.
"ما فيي ما اتشكر وزارة الطاقة ومؤسسة المياه لأنو عم يعطوني الحافز الأساسي كل يوم لروح عالجيم أتحمّم"… بهذه السخرية يلخّص أحد سكان بيروت معاناته اليومية مع أزمة المياه على مواقع التواصل الاجتماعي. وبينما يبحث المواطن عن نادٍ رياضي للاستحمام، يلخّص صاحب صهريج حكاية قطاعٍ موازٍ صار جزءاً من حياة العاصمة منذ السبعينات: "أنا بغطّي الأشرفية والجميزة… عادةً بيشتغل عندي 4 بيك آب، اليوم ما اشتغل إلا بيك آب واحد، لأنو مبارح إجت ميّة الدولة واليوم ما في شي… رايح حط راسي ونام".
وعلى رغم ذلك، لا تؤمّن الدولة هذه الخدمة بشكل منتظم، إذ يُفترض أن تزود شبكة البنى التحتية الرسمية كل منزل في بيروت بمتر مكعّب يومياً لقاء اشتراك قدره 16,170,000 ليرة ( أي ما يعادل 180 دولاراً تقريباً) سنوياً، لكن المياه لا تصل إلا لساعات محدودة، ما يجعلها غير كافية لتلبية الحاجات الفعلية. لذلك يضطر المواطنون للاعتماد على صهاريج المياه كمصدر ثانوي، بكلفة تختلف تبعاً للمنطقة والظروف.
نقيب أصحاب الصهاريج سابقاً ورئيس مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان ربيع خليفة، أوضح في مقابلة مع "درج" أنّ "مشكلة المياه مزمنة وتتخطى حدود العاصمة، وتعود بالأساس إلى غياب تطوير البنى التحتية بعد الحرب بشكل يواكب النمو السكاني والحاجة البشرية، ما أدى إلى ارتفاع الطلب على مصادر بديلة مثل الصهاريج".
تمدّ مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان العاصمة بالمياه من مصدرين رئيسيين: الأول محطة معالجة المياه في منطقة ضبية شمال العاصمة، والثاني من آبار الدامور جنوبها. "تنتج محطة ضبية عادةً نحو 200 ألف متر مكعّب من المياه يومياً، لكن في هذا العام الاستثنائي انخفض إنتاجها إلى نحو 70 ألف متر مكعّب فقط"، بحسب خليفة. وتابع أن " هناك بحدود 10 -15 بئراً في الدامور تُستخدم لتأمين جزء من حاجة العاصمة".
وعن جداول توزيع المياه في بيروت، أوضح خليفة أنها "تختلف بين منطقة وأخرى، إذ لا يمكن ضخ المياه دفعة واحدة إلى جميع أحياء العاصمة". وأضاف أن هذه الجداول "تتأثر بشكل مباشر بانقطاع التيار الكهربائي، ما يعرقل انتظام الضخ"، مشيراً إلى أن " كل إمكانات المؤسسة تُسخَّر حالياً لمعالجة هذه الأزمة، فيما العمل جار على تأهيل قناة جعيتا التي تغذي بيروت بالمياه".
وجه وزير الطاقة والمياه جو صدي كتباً لمصالح المياه، طالب فيها اعتماد الشفافية المطلقة والعدالة في وضع جدول توزيع المياه على المناطق والإعلان عنها للمواطنين بشكل دوري. لكن لم تُنشر هذه الجداول على الموقع الإلكتروني للمؤسسة ولا على صفحاتها على مواقع التواصل.
حصل المحامي علي عباس على جداول توزيع المياه لشهر آب/ أغسطس 2025، بعد امتناع مصلحة مياه بيروت وجبل لبنان سابقاً عن تسليمها له على رغم تقدّمه بطلب رسمي في حزيران/ يونيو الماضي وانقضاء المهل القانونية.
وفي مقابلة مع "درج"، شدّد عباس على "ضرورة الشفافية في إظهار آلية التوزيع انطلاقاً من مبدأ حق المواطنين في الحصول على المعلومات، فهي لا تتعلق لا بأمن قومي ولا بسرية خاصة، بل من المفترض أن تكون منشورة على المواقع والمنصات الرسمية لمؤسسات المياه".
وبحسب الجداول، يتبيّن وجود تفاوت واضح في التوزيع بين أحياء العاصمة، إذ تنال بعض المناطق نحو خمس ساعات من التغذية كل ثلاثة أيام، في حين لا تتجاوز حصة مناطق أخرى ثلاث ساعات ونصف الساعة. بينما تصل ساعات التغذية في احد مناطق جبل لبنان الى 24 ساعة في اليوم.
وبينما وُضعت جداول لتوزيع المياه، يؤكد سكان العاصمة في تعليقات على مواقع التواصل أنها غير دقيقة: "هلق للجدول في جدول بس المي وين؟ صرلنا 4 أشهر عم نشتري".
المياه في السوق السوداء
على مواقع التواصل، كتب أحدهم: "ببيروت مقطوعة المي… مش لأنو ما في مي، بل لأنو في مافيا. السيترنات ماشية بالشارع أكتر من سيارات الأجرة، والأسعار صارت بورصة كل يوم بشكل. المواطن صار مضطر يركض ورا المي متل ما بيركض ورا الكهرباء".
وأضاف آخر: "بكل دول العالم الناس بتدفع للدولة ثمن خدمة موجودة، إلا بلبنان مندفع وبكل وقاحة بزيدوا من سنة لسنة ثمن خدمة وهمية". بينما تساءل ثالث بغضب: "شو الحل مع عيار المي المدفوع عالفاضي؟ بلغناكن عبر الرقم الخاص وسجّلنا طلب مرتين بلا جدوى… المهم المواطن يدفع بس؟".
تُشكّل أزمة المياه في بيروت جزءاً من شبكة مصالح مترابطة أسست لاقتصاد رديف يوفّر دخلاً ثابتاً لأصحاب النفوذ. ومع غياب المياه من مصدرها الرسمي، باتت صهاريج المياه تجوب العاصمة بسعاتها الكبيرة وكأنها خدمة طبيعية، حتى غدت جزءاً مألوفاً من الحياة اليومية لسكانها.