اخبار لبنان

الكتائب

سياسة

سوريا تعود من بوابة الرياض… فمتى يعود لبنان وأيّ بابٍ يختار؟

سوريا تعود من بوابة الرياض… فمتى يعود لبنان وأيّ بابٍ يختار؟

klyoum.com

في إعلان مدوّ من العاصمة السعودية الرياض، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال منتدى الاستثمار السعودي–الأميركي في 13 أيار 2025، عن قرار رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا، واضعاً بذلك حداً لأكثر من عقد من العزلة الاقتصادية والسياسية. هذا القرار لم يأتِ في سياق اقتصادي بحت، بل يعكس تحوّلاً جذرياً في مقاربة الولايات المتحدة والعديد من العواصم الإقليمية لملف سوريا، ويؤسّس لمرحلة جديدة تتغيّر فيها خرائط النفوذ والتحالفات.

القرار جاء عقب تسوية سياسية شاملة أدت إلى إنهاء حكم الرئيس بشار الأسد، وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة المعارض أحمد الشرع، الذي بادر إلى إرسال إشارات إيجابية باتجاه الدول العربية والغربية على حد سواء، معلناً أن سوريا بصدد الدخول في مرحلة جديدة من المصالحة والانفتاح الاقتصادي، وأنها لم تعد جزءاً من المحاور المتنازعة، بل من مشروع بناء الدولة وإعادة الإعمار.

ما بدا جلياً في خطاب ترامب هو السعي لتكريس مسار إقليمي جديد، يقوم على الاستقرار والشراكة الاقتصادية، بدل الصراعات القديمة. هذا التحوّل لم يكن منفصلاً عن الحراك الخليجي–التركي المشترك لإعادة دمج سوريا في النظام الإقليمي، في إطار أوسع من إعادة التموضع الاستراتيجي الذي تشهده المنطقة منذ سنوات، حيث تتراجع المواجهة العسكرية لصالح النفوذ السياسي والاقتصادي.

على الفور، بدأت بعض الأطراف الدولية والإقليمية بإعادة تقييم مواقفها. ففي حين رحّبت غالبية الدول الغربية والعربية بهذه الخطوة، تحفظت دول مثل إيران على ما اعتبرته “إقصاءً متعمداً لمحور المقاومة”، بينما اعتمدت روسيا نهجاً واقعياً، داعية إلى التنسيق مع القيادة الجديدة في دمشق لحفظ مصالحها السياسية والعسكرية.

أما لبنان، الجار الجغرافي الأكثر تأثراً بالتحولات السورية، فوجد نفسه أمام مفترق طرق واضح. رفع العقوبات عن دمشق يفتح الباب أمام استئناف العلاقات التجارية والاقتصادية، وتنشيط خطوط التصدير عبر الحدود البرية، ويعزز فرص إعادة تشغيل مرفأي بيروت وطرابلس كبوابتين لوجستيتين لإعادة الإعمار السوري. كما أن هذا الانفتاح قد يُعيد طرح ملف عودة النازحين السوريين بشكل منظم ومدعوم دولياً، ما من شأنه تخفيف العبء الهائل الذي تحمّله لبنان منذ اندلاع الحرب السورية.

لكن خلف هذه الفرص تبرز تحديات سياسية دقيقة. فـ "حزب الله"، الذي كان الحليف الأبرز للنظام السوري السابق، يجد نفسه أمام واقع جديد: سلطة سورية تعيد تموضعها بعيداً عن طهران، وتتقارب مع العواصم الخليجية والغربية. هذا التحول قد يضع "الحزب" في موقع حرج داخلياً، ويعيد فتح النقاش حول دوره وسلاحه ونفوذه في الدولة اللبنانية.

الدولة اللبنانية بدورها مُطالَبة بالخروج من التردد التاريخي. فمرحلة النأي بالنفس لم تعد ممكنة في بيئة إقليمية تتغيّر بهذه السرعة. والمطلوب هو صياغة مقاربة جديدة توازن بين السيادة الوطنية والمصالح الاقتصادية، وتستند إلى قراءة واقعية للفرص الإقليمية.

ما جرى في الرياض ليس تفصيلاً. إنه إعادة فتح للباب السوري نحو المشهد العربي، وتكريس لمعادلة جديدة عنوانها المصالح بدل الاصطفاف. وفي هذا السياق، يبرز لبنان كطرف معني بشكل مباشر: فإما أن يواكب هذا التحول بذكاء، ويعيد تموضعه بشكل فعّال، أو يبقى في دائرة التراجع، فيما تُعاد صياغة الإقليم من حوله.

*المصدر: الكتائب | kataeb.org
اخبار لبنان على مدار الساعة