المزارع اللبناني على أعتاب الشتاء: تجهيز الأرض والخوف من الخسائر
klyoum.com
مع اقتراب نهاية شهر أيلول، يبدأ المزارعون اللبنانيون عادةً التحضيرات لموسم الشتاء، مستبقين الظروف المناخية الباردة ومتطلبات السوق. في هذا التوقيت، يُفترض أن يركز المزارع على تجهيز التربة، تنظيفها من الأعشاب والنفايات، وإضافة السماد العضوي أو الكيميائي لتوفير العناصر الغذائية الضرورية للمحاصيل الشتوية.
كما يُفترض اختيار البذور والشتلات بعناية، سواء للزراعة المباشرة في الأرض أو في الصوبات والمشاتل، لضمان نمو صحي وإنتاج وفير. وتكتسب أنظمة الري أهمية كبيرة، إذ يجب فحص الشبكات والخزانات والأنابيب للتأكد من جاهزيتها لتغطية احتياجات المحاصيل طوال فصل الشتاء، مع تجنب أي أعطال قد تؤثر على الإنتاج.
ويُفترض أيضاً أن يتخذ المزارعون تدابير لحماية المزروعات من الصقيع والظروف الجوية القاسية، باستخدام البيوت البلاستيكية والأغطية الواقية، إلى جانب مكافحة الآفات والأمراض مبكراً بالطرق العضوية أو بالمبيدات المناسبة. ولا يقتصر التحضير على الزراعة فقط، بل يشمل التخطيط المالي والتسويقي لضمان تغطية مصاريف الشتاء وتأمين تسويق المحاصيل بأسعار مناسبة عند الحصاد.
وفي جولة ميدانية مع عدد من المزارعين، قال أبو علي، مزارع من سهل البقاع:
“نحن الآن نقوم بتحضير الأرض، نحرثها ونضيف السماد، ونستعد لزراعة البطاطا والبصل. لكن كل شيء مرتفع الثمن: البذور، الأدوية، والوقود للري… لذلك يزرع المزارع وهو قلق من كيفية تغطية تكاليفه”.
أما أبو جهاد، مزارع خضار من برالياس، فأوضح أن التحضيرات تشمل تجهيز أنظمة الري:
“موسم الشتاء يحتاج إلى تحضيرات دقيقة، خصوصاً للري، لأننا لا نعرف إذا كانت الأمطار ستكفي. المشكلة أننا نعتمد على دعم لم يصل بعد، ونضطر للاستدانة لشراء المستلزمات، وإذا لم يسر الموسم القادم بشكل جيد سنزداد ديوناً”.
وفي مناطق التفاح، أكد أبو حسن من زحلة:
“نحن نبدأ بتحضيرات الأيام الباردة: نضع شبكاً ضد الصقيع ونرتب التخزين. لكن الكارثة أن التصدير متوقف، والسوق المحلي لا يستهلك الإنتاج، ما يعني أن تعب سنة كاملة قد يذهب سدى”.
من جهته، قال أبو محمود، مزارع من عكار:
“التحديات تتفاقم: غلاء البذور، انعدام الاستقرار، وغياب من يسأل عن المزارع. مع ذلك، لا نتخلى عن أرضنا، فهي حياتنا ورزقنا”.
ترشيشي: أسوأ موسم زراعي في تاريخنا
أكد رئيس تجمع مزارعي البقاع، إبراهيم ترشيشي، عبر موقع “لبنان الكبير”، أن المزارع اللبناني يعيش اليوم واحدة من أصعب المراحل في تاريخه، واصفاً الموسم الزراعي الماضي بأنه “الأسوأ على الإطلاق”، نتيجة تراكم الأزمات المناخية والاقتصادية والأمنية.
وقال ترشيشي:”المزارع بطبيعته يبقى دائماً جاهزاً ومستعداً لتجديد زراعته موسمًا بعد موسم، لكننا اليوم نطوي صفحة عام كان من أسوأ السنوات الزراعية التي عشناها. لم يكن هناك خير لا للزراعة ولا للمزارعين. خسرنا على كل المستويات: من الوضع الأمني إلى شح المياه والري، وصولاً إلى كساد الإنتاج وارتفاع الكلفة”.
وأضاف:”هذا قدر المزارع، أن يبقى صامداً رغم الخسائر والديون المتراكمة، لأن أرضه هي حياته ولا يملك خياراً آخر”.
وأشار ترشيشي إلى أن المزارعين يواجهون “نقمة كبيرة وديوناً ثقيلة”، في وقت تغيب فيه الدولة عن دعمهم أو حتى الاستماع إلى مشاكلهم، قائلاً:
“ما في حدا يسأل المزارع شو وضعك وشو رأيك، لكنه رغم ذلك مستمر ويكثّف جهده قدر المستطاع”.
وفي ما يتعلق بمستلزمات الزراعة، لفت إلى أن أسعار البذور والأدوية والأسمدة لا تزال مرتفعة، لكنه أعرب عن أمله بانخفاضها مع دخول موسم البطاطا في أوروبا وما يشهده من وفرة في الإنتاج، “الأمر الذي قد ينعكس إيجاباً على السوق اللبنانية”، على حد قوله.
أما عن الوضع المناخي، فشدد ترشيشي على أن “لا أحد يمكنه التنبؤ بما سيحمله فصل الشتاء”. وأوضح:
“عادةً تبدأ الأمطار بعد منتصف تشرين الأول، لكن التجربة علمتنا أن المناخ غير ثابت. العام الماضي قيل إن الفيضانات قادمة، ثم انتهى الأمر بلا أمطار تُذكر. لا العلماء ولا مراكز الأرصاد تستطيع أن تعطي توقعات دقيقة لفترة طويلة”.
وختم بالقول:”كل هذه الظروف تجعل من عمل المزارع اللبناني مهمة شبه مستحيلة، لكنه رغم كل الخسائر والإحباطات، يبقى متمسكاً بأرضه ومؤمناً بضرورة الاستمرار”.