هل تساوي ضرائب لبنان عام 2026 العمال والموظفين بالرأسماليين؟
klyoum.com
سأل المتخصص المالي أمين صالح "أين العدالة؟ وإلى متى يستمر الظلم؟"
أحال وزير المالية في لبنان ياسين جابر أخيراً مشروع موازنة عام 2026 إلى رئاسة مجلس الوزراء ملتزماً المُهل القانونية المفترضة لإعداد الموازنة العامة. وبلغ إجمال النفقات في الموازنة الأخيرة 505 آلاف و720 مليار ليرة لبنانية (ما يوازي 5 مليارات و650 مليون دولار أميركي)، بزيادة قدرت بنحو 15.5 في المئة على موازنة 2025 التي بلغت 427 ألفاً و695 مليار ليرة (ما يوازي 4 مليارات و778 مليون دولار).
سرعان ما أصبحت الموازنة المقترحة موضوع انتقاد وتعليق عدد من المحللين الاقتصاديين والسياسيين، منها أن موازنة عام 2026 تجاهلت موضوع معالجة آثار الحرب وإعادة التعمير المفترضة بعد حرب الـ66 يوماً بين الـ23 من سبتمبر (أيلول) الماضي والـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، لا سيما أن البنك الدولي قدر الأضرار في البيوت والبنى التحتية بـ11 مليار دولار أميركي، منها 6.8 مليار دولار خسائر مباشرة على قطاعات مثل السكن والطاقة والصناعة.
كتب المتخصص المالي أمين صالح، وهو أيضاً مدير المحاسبة السابق في وزارة المالية، ورئيس الهيئة الأهلية لمكافحة الفساد، والنقيب السابق لخبراء المحاسبة المجازين في لبنان، على حسابه في عدد من وسائل التواصل الاجتماعي "للمرة الأولى في تاريخ لبنان الضريبة على العمال والموظفين تكون نحو ضعفي الضريبة على الرأسماليين". وأردف "الضريبة على الرأسماليين بلغت 11879 مليار ليرة لبنانية (نحو 132.9 مليون دولار)، بينما الضريبة على الرواتب والأجور بلغت 20175 مليار ليرة (نحو 225.7 مليون دولار) فصارت الزيادة 138 في المئة على عام 2025".
وسأل المتخصص أمين صالح "أين هي العدالة؟ وإلى متى يستمر الظلم؟". وذكر أن "زيادة الضرائب والرسوم والغرامات بلغت 61 ألف مليار ليرة (ما يعادل 676 مليون دولار)، ولا إنفاق على التنمية وإعادة التعمير للبلدات والقرى التي دمرها العدو الإسرائيلي". وقال في اتصال معه "عادة ثمة قسمان في الموازنات، واحد للنفقات، وآخر للإيرادات، النفقات تشكل نشاط الحكومة كله، سواء النفقات الجارية لتسيير العمل الحكومي والإدارات العامة أو مساهماته للمؤسسات العامة، وفي مقابلها نضع الإيرادات التي هي أموال تُجبيها الدولة لتنفق على اعتماداتها، وهي تأتي إما من الضرائب أو الرسوم أو قروض أو من حاصلات أملاك الدولة على نحو الأملاك البحرية مثلاً، والأملاك العامة للدولة. وبلغت نفقات الموازنة 505 آلاف و720 مليار ليرة أي 505.7 تريليون ليرة (نحو 5.66 مليار دولار)، والكلام هنا لم يعد بالمليارات، بل بآلاف المليارات، هذه الموازنة ارتفعت من 445 ألف مليار ليرة (نحو 4.98 مليار دولار) في موازنة 2025 إلى نحو 506 آلاف مليار ليرة (نحو 5.66 مليار دولار) لموازنة 2026، يعني هناك 61 ألف مليار ليرة زيادة (نحو 682 مليون دولار). فما الإيرادات التي ستعتمدها الحكومة لتغطي هذه الزيادة؟".
أضاف صالح "عندما توضع الموازنات ثمة جداول تعتمد واسمها جداول تحصيل الضرائب، ترفقها وزارة المالية مع الموازنة، وهي تمثل الضرائب والرسوم والإيرادات كاملة التي حصلت خلال السنة السابقة، وكذلك خلال الأشهر الماضية من العام الحالي، كان يفترض على وزير المالية أن يرفق الموازنة بالجداول التي حصلت الإيرادات، سنة 2024 وثمانية أشهر من سنة 2025، هذا الأمر غير موجود. لا توجد جداول تحصيل منذ عام 2022 ووزارة المالية لا تصدر جداول بالإيرادات التي تم تحصيلها، وهذا مخالف لقانون المحاسبة العمومي". وشرح المتخصص أمين صالح "من خلال جدول يرفق بمشروع الموازنة يمكننا أن نطلع على ماهية الضرائب المفترضة وأنواعها، وهو الجدول رقم (1)، يتضمن الإيرادات التي تم تحصيلها، ومن خلاله يمكننا أن نعرف كيف أصبحت الضرائب والرسوم، هذا الجدول يفترض إعداده وتقديمه إلى مجلس النواب مرفقاً بمشروع الموازنة، منه نقرأ الضريبة على الأرباح، وهي ضريبة على الربح الذي يحصل عليه جميع الناس الذين يمارسون عملاً تجارياً أو صناعياً أو مهنياً، وأنا خبير محاسبة عندي أرباح تخضع لضريبة الدخل، وهنا نقول إنها ضريبة على الرأسماليين، ومنهم صغار الرأسماليين وأصحاب دكاكين متواضعة ومؤسسات صغيرة".
أشار صالح إلى أن "معظم هذه الضرائب على الأرباح كانت تأتي من المصارف وشركات الاستيراد الكبيرة وأصحاب الاحتكارات الاقتصادية الضخمة التي لها علاقة بالمواد الغذائية والأدوية، والجزء الأكبر المفترض من ضريبة الأرباح يجب أن يكون من الرأسماليين والطبقات الغنية، هذه الضريبة على الأرباح كانت على الدوم لا تقل عن 6.5 في المئة إلى ثمانية في المئة من واردات الخزانة. أما الضريبة على الرواتب في القطاع العام فتطال جميع الموظفين في القطاع العام ومنهم الأسلاك الإدارية والقضائية والدبلوماسية والأمنية والعسكرية، تقتطع من رواتبهم الضريبة قبل دفع الرواتب، وهي أصدق الضرائب ودقيقة ولا يمكن للموظف أن يتهرب منها"، وتابع "للمرة الأولى، في سنة 2025 مثلاً، كانت الضريبة على الأرباح مقدرة بـ29 ألفاً و54 مليار ليرة (نحو 325 مليون دولار أميركي) في موازنة 2026، صارت 11 ألفاً و879 مليار ليرة (نحو 133 مليون دولار)، فما الناقص؟ هو 60 في المئة، أي أكثر من النصف، قولوا لنا لماذا؟ وما السبب الخفي؟ هل للمساعدة على التهرب الضريبي ولا تريدون دراسة ملفات كبار المكلفين أو لأن الاقتصاد الوطني تدهور إلى هذه الدرجة؟ يجب كشف الحقائق وراء هذا التفاوت بين عامي 2025 و2026".
واستطرد قائلاً "نأتي إلى الرواتب، السنة الماضية كانت 8 آلاف و488 مليار ليرة (نحو 95 مليون دولار)، وتشكل 1.9 من موارد الموازنة، في الموازنة المقترحة وضعوها 20 ألفاً و175 مليار ليرة (نحو 225.7 مليون دولار)، يعني أصبحت 3.78، أي ضعفي ما كانت عليه، الضريبة على الرواتب والأجور أضحت ضعفي ما كانت عليه، أي 138 في المئة عما كانت عليه سنة 2025، أي نحو 11687 ملياراً (نحو 130.7 مليون دولار)، ما يعادل كل الضرائب على الأرباح، وكل الضرائب على الرأسماليين 11897 ملياراً نحو 133 مليون دولار)، يعني هناك مساواة في الضرائب بين العمال والموظفين والرأسماليين".
ولفت صالح إلى أن "هذا ما لم يحصل في تاريخ لبنان منذ أيام الانتداب الفرنسي ولغاية تاريخ اليوم، ولا يمكن أن يحصل في أي دولة في العالم، أن تكون الضريبة على الرواتب والأجور أقل من الضريبة على الأرباح، لأن الربح الحقيقي والاقتصاد الحقيقي هو الأرباح التي تحصل من المؤسسات الاقتصادية، فلماذا انخفضت؟ هناك سببان مرجحان: إما أن الإدارة الضريبية مقصرة ولا تريد درس أوضاع المكلفين لمصلحة ضريبة الدخل، وإما أن الاقتصاد تدهور بصورة مريعة ولا تريد الحكومة أن تفصح عن تدهور الاقتصاد، فنحن منذ عام 2019 نسمع بخطة التعافي والإصلاح والمالي، وكل ما تفعله الحكومات المتعاقبة لا أساس له من الصحة ولم تنفذ شيئاً من وعودها بالإصلاح".
أشار صالح إلى أن "الضريبة على الرواتب ضريبة مقتطعة ولا تشمل الضرائب الأخرى، هناك رسوم على المواد الملتهبة، على البنزين والفيول أويل، على المازوت والغاز، ولم أدرس بعد مدى زيادة الرسوم الحاصلة على هذه المواد. مثلاً الضريبة على القيمة المضافة هي ضريبة على الاستهلاك وعلى كل ما يشتريه الناس، زيدت من 147 ألف مليار ليرة (نحو 1.644 مليار دولار) إلى 206 آلاف مليار ليرة (نحو 2.304 مليار دولار)، وهذه ستضاف إلى الاستهلاك. عملياً ستعمد الحكومة إلى زيادة الوعاء وليس قيمة الضريبة البالغة 11 في المئة، وإذا كان الاقتصاد منكمشاً فكيف سيحصلونها وعلامَ يعتمدون وما هي القطبة المخفية؟ ما العمل؟ رفع المعدل في ما بعد؟ هل سيرفع سعر الصرف وتخفض قيمة الليرة مرة أخرى؟".
وتوجه صالح إلى وزير المالية ياسين جابر قائلاً "أفصح يا معالي وزير المالية عما هو مستور ولماذا هذه الزيادة الكبيرة؟ ولماذا خفضت الضرائب على الأغنياء وزيدت على الفقراء؟ ومن هذه الزيادات الرسوم العقارية من 20 ألف مليار ليرة (نحو 223.7 مليون دولار) إلى 30 ألف مليار ليرة (نحو 335.5 مليون دولار) بزيادة 9900 مليار ليرة (110.7 مليون دولار) على رسوم الفراغ العقاري التي تطاول الفقير والغني والوارث، فعلى أي أساس أقرت هذه الزيادة؟ وستطاول هذه الزيادة أصحاب عقود البيع غير المسجلة قبل نحو خمس سنوات فتحتسب الضريبة على سعر صرف يبلغ 89500 ليرة، علماً أن من اشترى كان السعر على دولار 1500 ليرة أو 2000 أو 5000 فلماذا سيفرض عليه اليوم على 89500 ليرة؟ هذا الفرق يجب أن تدفعه الدولة وليس المواطن الذي لا حيلة له ولا قوة".
وأكد صالح أن هناك "أكثر من 80 ألف مليار ليرة (نحو 894.8 مليون دولار) سيتحملها أصحاب الدخول المتوسطة والفقراء وليس أصحاب الدخول المرتفعة، ولا يعني إذا كانت الضريبة على القيمة المضافة هي عينها على الجميع أن هناك عدلاً في الرسوم والضريبة، فمن يشتري عبوة ماء ودخله ألف دولار يتساوى مع من مدخوله مليون دولار؟ مرة سألني رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري وكنت موظفاً في وزارة المالية ما رأيي حول الموازنة؟ فأجبت أنا غير موافق عليها، فقال أنا أريد أن أحصل المال، وأنا أبحث عن العدالة. أنا مع الضرائب التصاعدية على الدخل والضريبة العامة على الدخل كي تتحقق العدالة وهذا نظام متبع في كل دول العالم. هنا لا تنفذ لأنها ليست من صالح رأس المال في البلد، وهذه موازنة عمياء وصماء".
ورأى صالح أن "هذه الطبقة السياسية المالية الحاكمة في البلد لا يمكن أن تنتج حلولاً أو إنقاذاً أو أن تعمر البلد، ففي موازنة عام 2025 لم تلحظ اعتمادات لإعادة تعمير البنى التحتية وما هدمته إسرائيل، واليوم في موازنة عام 2026 لم تلحظ هذه الاعتمادات، فمن سيعمر إذاً؟ في الأقل كان يجب طرح مبلغ للتعمير، وليس التهليل لنبلغ 50 مليون دولار من البنك الدولي، الذي وعد بـ250 مليون دولار للبنى التحتية. البلد يحتاج إلى إعادة تعمير بما لا يقل عن 7 مليارات دولار، والدولة تقدره بـ11 ملياراً، فهل هناك عدم جرأة في طرح اعتمادات للتعمير؟ ومن سيعمر البلد إذاً؟".
وختم صالح، "كانت رواتب القطاع العام نحو 7.5 مليار دولار، اليوم هي 2.5 مليار والنقص صار 5 مليارات دولار، أكثر من 25 في المئة، فكيف سيعيش هؤلاء؟".
وفي اتصال مع إحدى الإدارات في وزارة المالية نفت المسؤولة فيها نفياً قاطعاً أن تكون هناك ضرائب إضافية على العمال والموظفين، وأضافت أن لدى وزير المالية ياسين جابر المعطيات اللازمة.