لبنان على مذبح الولايات المتحدة و«إسرائيل»!
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
جريمة بليدا تخلط الأوراقدرج العديد من وسائل الإعلام على منصات التواصل الاجتماعي نشر كلام منسوب لوزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر، جاء فيه “أنّ هناك خطة أميركية تستهدف احتلال أو تفكيك سبع دول في الشرق الأوسط، العراق، وسورية، ولبنان، وليبيا، والسودان، والصومال وإيران!”.
حقيقة الأمر، إن هذا الكلام أتى على لسان الجنرال الأميركي ويسلي كلارك Wesly Clarkالقائد الأسبق لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولم يأتِ على لسان كيسنجر. إذ إنّ الجنرال كلارك، في مقابلة له في برنامج أميركي Democracy Now(الديمقراطية الآن) يوم 2 آذار/مارس 2007، ذكر فيه موضوع احتلال أو تغيير الأنظمة في سبع دول خلال خمس سنوات. واستطرد في حديثه قائلاً: “ذهبت إلى البنتاغون بعد عشرة أيام تقريباً من أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، وقابلت أحد الجنرالات فيه، وقال لي: لقد قرّرنا الذهاب إلى الحرب ضد العراق، فقلت له: “هل قرّرنا الذهاب إلى الحرب ضدّ العراق؟! لماذا؟ أجاب الجنرال: “لا أعرف… أعتقد أنّ لديهم أسلحة دمار شامل، لا أدري”! بعدها بحوالي ستة أسابيع رجعت إلى البنتاغون والتقيت الشخص نفسه، فقلت له: “هل لا نزال ذاهبين إلى الحرب مع العراق؟! قال: “أسوأ من ذلك… ثم أخرج ورقة وقال لي: هذه مذكرة من مكتب وزير الدفاع، تظهر كيف نخطط للإطاحة بسبع دول خلال خمس سنوات، تبدأ بالعراق، ثم سورية، ولبنان، وليبيا، والصومال، والسودان، وننتهي بإيران. قلت له: هل هذه مزحة؟ قال لا، هذه هي الخطة…”.
إذاً كانت هذه الخطة لم تنشر في حينه، وبقيَت طيّ الكتمان، فإنّ ما جرى بعد أحداث أيلول/ سبتمبر 2001 من تطورات دراماتيكية في هذه الدول السبع، خلال السنوات اللاحقة إلا ليؤكد على ما جاء على لسان الجنرال كلارك.
في عام 2003 تمّ الغزو الأميركي للعراق، والقضاء على نظام صدام حسين. أدّى الغزو للعراق واحتلاله إلى انهيار سياسي وأمني واجتماعي، وخسائر بشرية هائلة تزيد عن 300 ألف قتيل، وتحويل العراق إلى ساحة لصراعات إقليمية ودولية، بالإضافة إلى انهيار الدولة وتفكيك مؤسساتها، وحلّ الجيش العراقي، ما أدّى إلى فراغ أمني، وأيضاً إلى تدمير البنى التحتية، وتهجير الكفاءات العلمية والأكاديمية، وانتشار الجريمة المنظمة ونزوح ملايين العراقيين داخل بلادهم وخارجهم.
بعد سبع سنوات من الغزو الأميركيّ للعراق، جاء دور ليبيا حيث شهدت مواجهات مسلحة بين قوات النظام ومجموعات شعبيّة مسلحة، دفع بالغرب إلى التوجّه لمجلس الأمن، الذي أصدر القرار رقم 1973 عام 2010، وفرض بموجبه الحظر الجويّ، وحظر الأسلحة على ليبيا، وسمح باستخدام القوة العسكريّة ضدّ النظام، ما دفع بحلف شمالي الأطلسي للقيام بتنفيذ القرار من خلال دعمه للفصائل المسلحة المعارضة، وقصف جويّ متواصل على الجيش الليبيّ، أدّى إلى إسقاط النظام، وقتل القذافي على يد مسلحين ليبيين.
لم يحقق الحلف الأطلسي الاستقرار لليبيا، إذ بعد سقوط النظام، شهدت ليبيا حرباً أهلية، وتبدّدت آمالها في الحفاظ على وحدة البلاد وتحقيق الاستقرار والديمقراطية.
إنّ تدخل الحلف الأطلسي في ليبيا ترك تداعيات خطيرة وعميقة على مختلف المستويات، وإنْ برّر تدخله من أجل حماية المدنيين، والذي أسفر عن تدمير واسع للبنى التحتية، وزعزعة الاستقرار، وتصاعد المواجهات في ما بعد بين الفصائل المسلحة المتنافسة، حيث شهدت السنوات التي تلت تدخل الناتو، مواجهات مسلّحة دامية بين الفصائل الليبيّة، مما عرقل تشكيل حكومة مركزيّة قويّة، وأدّى إلى انقسام البلاد بين معسكرين متنافسين في طرابلس وبرقة، لا يزال مستمراً حتى اليوم.
في السودان، انفصل الجنوب عن الشمال عام 2011، وشهدت جمهورية السودان لاحقاً حركات انفصاليّة وحرباً أهلية، نتيجة تدخل دول عربية وأجنبية وبالذات “إسرائيل”، حرباً أكلت الأخضر واليابس، ولم تتوقف حتى الآن.
وزير الأمن “الإسرائيلي” آفي دختر في محاضرة له نشرتها الصحف الإسرائيلية في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2008، فال فيها: “الاستراتيجية التي نفذناها في جنوب السودان، نجحت في تغيير اتجاه السودان نحو التأزم والانقسام،
وستنتهي الصراعات بتقسيمه إلى عدة كيانات. إنّ قدراً كبيراً تحقق في الجنوب، ولدينا الآن فرصة كبيرة لتحقيقه في دارفور”.
بعد حرب 1967 أشارت غولدا مائير إلى أنّ إضعاف كلّ من العراق والسودان، يتطلب إثارة النعرات العرقية فيهما بغية استهداف وحدة البلدين، وجعل العمق الاستراتيجي لدول المواجهة مكشوفاً ومختلاً في أيّ مواجهة مقبلة مع “إسرائيل”! هذا ما حصل ويحصل فعلاً في هذا البلد المبتلي بالحروب الأهليّة، والفوضى، والذي يعاني من الفقر، والانهيار الاقتصادي والاجتماعي.
أما سورية فقد كانت “الطريدة” التي “تهاوشت” عليها دول عربية وأجنبية وبالذات “إسرائيل” منذ اندلاع الأحداث الدامية فيها عام 2011، حيث تعاني في الداخل من صراع طائفي وقومي، وانقسام سياسي، وجغرافي، وأمني حادّ، ومن احتلال إسرائيلي يتمدّد على أراضيها، ويهدّد سيادتها ووحدة شعبها وأرضها يوماً بعد يوم، ما يجعل قيادتها الحالية التي تمهّد للتطبيع مع “إسرائيل” في وضع صعب جداً، يستحيل معه تحرير كامل الجولان؟
أما لبنان، فما الذي ينتظره بعد ترهّل الدولة والمؤسسات، والانقسام السياسيّ الحاد بين اللبنانيّين؟! انقسام تعوّل عليه كثيراً تل أبيب، طالما أنه يصبّ مباشرة في خدمة أهدافها ومصالحها الاستراتيجيّة، فيما هي مستمرّة في حرب الاستنزاف ضده؟!
إنْ لم يتوحّد اللبنانيون في هذه الظروف المصيرية
حكومة وشعباً، في وجه تهديدات “إسرائيل”، فلن تقوم لهذا البلد قائمة، لأنّ الانقسام الداخلي سيشجّع العدو في المنظور القريب على القيام بعدوان مدمّر واسع النطاق، مدعوماً بمباركة وغطاء أميركيّ، يساعده على التوسّع والتمدّد على الأرض بلا قيود.
لبنان اليوم هو الحلقة الأخيرة، أو ما قبل الأخيرة من سلسلة البلدان التي استهدفتها الولايات المتحدة و”إسرائيل”، واللتان قرّرتا إخضاعه وفرض الأمر الواقع السياسي، والعسكري، والأمني، والجغرافي، والحدودي عليه، ومنعه مستقبلاً من امتلاك قوة عسكرية فاعلة ومؤثرة، ليقتصر دوره الأمني المتواضع على الداخل وما سيتبقى له من أرض محرّرة يفرض “سيادته” عليها!
إنّ الضباب الذي يحيط بالموقف الرسمي اللبناني لجهة القرار الواضح، الحازم حيال الضغوط الأميركية والتصعيد العسكري الإسرائيلي ضد لبنان، والمقاومة، وتعايش الدولة وتأقلمها مع الاعتداءات الإسرائيلية اليومية، والانقسام الحاد في المواقف على الصعيد الشعبي، وأيضاً بين الأحزاب والتيارات والتنظيمات السياسية المختلفة حول “إسرائيل” والمفاوضات، والمطالبة بنزع سلاح المقاومة بالكامل في ظلّ الاحتلال، ليزيد من عدوانية وشراسة العدو وغطرسته، وبالتالي يجعل الموقف الأميركي والإسرائيلي أكثر تصلباً وتشدّداً على حساب سيادة لبنان، ووحدة أرضه، وأمنه القومي!
لصالح مَن يتخذ البعض في لبنان مواقف متطرفة علنية تغازل “إسرائيل” وترى فيها الخلاص والاستقرار! هل هذا الانقسام يحمي الوطن ويصون الشعب، ويحرر الأرض من الاحتلال؟!
أرنستو تشي غيفارا قال يوماً: “إذا أردت تحرير وطنك ضع في مسدسك عشر رصاصات، تسعة للخونة، وواحدة للعدو، فلولا خونة الداخل ما تجرّأ عليك عدو الخارج!”. ترى كم عدد الرصاصات التي يحتاجها لبنان لتحرير أرضه من المحتلين والخونة، والعملاء…؟!
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق