اخبار لبنان

درج

سياسة

مساعدات الفوط الصحيّة خلال الحرب الماضية: "تابوه" الدورة الشهرية يُعرقل الوصول إلى المعلومات 

مساعدات الفوط الصحيّة خلال الحرب الماضية: "تابوه" الدورة الشهرية يُعرقل الوصول إلى المعلومات 

klyoum.com

غياب الشفافية حول توزيع الفوط الصحية أثار تساؤلات مقلقة نظراً لضرورة وأساسية هذه المنتجات للنساء. لذا ما هي التحديات التي واجهتها مساعدات الصحة الجنسية والإنجابية للنساء لناحية الشفافية وآلية توزيعها؟

في خضمّ الأزمة الإنسانية التي خلّفها العدوان الإسرائيلي على لبنان، برزت الحاجة الملحّة لتوفير الاحتياجات الأساسية للمتضرّرين، بمن فيهم النساء والفتيات. وبينما تتضافر جهود الدول لإرسال المساعدات إلى لبنان ومن ثم جهود الدولة لتوزيعها، بقيت المساعدات المتعلقة بمنتجات الدورة الشهرية مبهمة. غياب الشفافية حول توزيع الفوط الصحية أثار تساؤلات مقلقة نظراً لضرورة وأساسية هذه المنتجات للنساء. لذا ما هي التحديات التي واجهتها مساعدات الصحة الجنسية والإنجابية للنساء لناحية الشفافية وآلية توزيعها؟

واجه عدد كبير من النازحات صعوبات في الوصول إلى حاجاتهنّ الأساسية، وأهمها منتجات الدورة الشهرية. كما أن الأرقام التي نشرها صندوق الأمم المتحدة للسكان في 27 أيلول/ سبتمبر 2024 تشير إلى أن عدد النساء في سن الإنجاب اللواتي نزحن منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 في لبنان بلغ 56,000 امرأة، منهن 25,000 نزحن منذ التصعيد الإسرائيلي في 23 أيلول 2024. هذا يعني أنه خلال خمسة أيام فقط من التصعيد الإسرائيلي على لبنان، نزحت 25,000 امرأة في سن الإنجاب.

وعلى رغم حملات التوعية عن مخاطر فقر الدورة الشهرية، بخاصة بعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان سنة 2019، ما زال هذا الموضوع "تابوه" في كثير من المجتمعات، ولا زالت منتجات الدورة الشهرية تُعتبر ثانوية من منظور الدولة، ما يعرقل وصول النساء الى هذه المنتجات. وهو ما شهدناه خلال التصعيد الإسرائيلي على لبنان خلال شهري أيلول وتشرين الأول من سنة 2024، إذ دفعت الحرب إلى نزوح أكثر من مليونين و400 ألف لبناني، بحسب تصريح لوزير الزراعة السابق عباس الحاج حسن في 16 تشرين الأول 2024.

الوصول الى المعلومات: عراقيل عدة

بهدف معالجة الإشكالية المطروحة، تم التوجه إلى مجلس الوزراء لتقديم طلب الحصول على المعلومات للحصول على بيانات إضافية حول المساعدات المتعلقة بالفوط الصحية خلال الحرب، إلا أن الدركي منع الدخول بحجة أن الهيئة العليا للإغاثة حُلّت بعد إعلان الهدنة بين لبنان وإسرائيل، وبالتالي لا يمكن تقديم الطلب. وبعد محاولة تقديمه إلى مكتب وزير البيئة السابق الذي عُين رئيساً لهيئة إدارة الكوارث ناصر ياسين، رُفض استلامه أيضاً بحجة غياب الوزير.

من ثم تم التوجه إلى مكتب الهيئة العليا للإغاثة، حيث أكد أحد الموظفين أن جميع المعلومات موجودة على الموقع الإلكتروني للهيئة، وعند الإصرار على الحصول على تفاصيل أكثر، خفض الموظف صوته وقال "حتى الفوط الصحية مذكورة"، في محاولة منه لعدم جذب الانتباه.

هذا الأمر يعد خرقاً واضحاً لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات الذي أقره مجلس النواب في لبنان سنة 2017، والذي يعطي الحق لأي شخص معنوي أو طبيعي بمعزل عن صفته ومصلحته، بالوصول الى المعلومات والمستندات الموجودة لدى الإدارة والاطلاع عليها من دون الحاجة الى تبيان أسباب الطلب أو وجهة استعماله، وعلى الإدارة أن تلتزم بما ينصّ عليه القانون لناحية النشر الحكمي للمعلومات المنصوص عنها من المادة 6 حتى المادة 9.

لا مركزية المعلومات: فوضى في الداتا

بعد عرقلة المؤسسات العامة، قُدِّم الطلب عبر مبادرة "غربال"، وهي منظمة غير حكومية تراقب تطبيق قانون حق الوصول إلى المعلومات. وكشفت المعلومات التي تم الحصول عليها أن من أصل أكثر من 160 شحنة من المساعدات الخارجية التي تسلمها لبنان، لم تحتوِ سوى شحنتين على الفوط الصحية، وهما شحنتان مقدمتان من الإمارات وتركيا.

الهبة الإماراتية: 14,771 فوطة صحية.

المساعدات التركية: 9,524 حفاضاً نسائياً.

أي أن مجموع المساعدات النسائية التي حصل عليها لبنان من الخارج بلغ 24,295 فوطة صحية وحفاضاً نسائياً خلال شهرين من التصعيد الإسرائيلي، بحسب ما أفادت به الهيئة العليا للإغاثة.

وفي ردّها، أوضحت الهيئة العليا للإغاثة أنها لم توزّع الفوط الصحية التي حصلت عليها، بل سلمتها إلى لجنة الطوارئ الحكومية.

وعند تقديم طلب مماثل إلى لجنة الطوارئ عبر "غربال"، أشارت الأرقام التي حصلنا عليها إلى أن اللجنة وزعت فوطاً صحية حصلت عليها من تركيا.

ومن خلال كثرة الأرقام حول حجم المساعدات وتعدّد الجهات التي توزّعها، يمكن الاستنتاج أن التحدي الأول والأساسي الذي عانى منه ملف شفافية المساعدات من ضمنها الفوط الصحية، هو عدم وجود منصّة موحّدة مركزيّة ينشر عليها كل المساعدات التي أتت إلى لبنان بغضّ النظر عن الجهة التي استلمتها.

بالإضافة إلى ذلك ومن خلال متابعة المنصات التي نشر عليها حجم المساعدات، يمكن الملاحظة أن الشكل الموضوعة فيه معقّد، ما يصعّب عملية المراقبة، وبالتالي يؤثّر على شفافية المساعدات منها الفوط الصحيّة.

في هذا الإطار، يشرح المدير التنفيذي لجمعية الشفافية الدولية في لبنان جوليان كورسون، أنّه "وعلى الرغم من نشر بعض الجهات الحكومية المساعدات التي حصلت عليها، إلا أن هذا النشر لم يضمن الشفافية التامة، إذ من الخطوات الجيدة نشر البيانات، لكن ما حصلنا عليه من بيانات لم يُنشر على منصة مركزية بإدارة خلية الأزمة بل نشرت البيانات على 3 مواقع مختلفة".

ويضيف كورسون أن "ذلك أدى إلى استحالة معرفة كيف وزعت المساعدات ولمن، واضطرت منظمات المجتمع المدني إلى تجميع البيانات من مصادر مفتوحة عدة".

الداتا المنشورة: ناقصة

تشرح كلارا أبو غاريوس، مديرة البرامج في مبادرة "غربال"، الصعوبات التي واجهتها المبادرة في ما يخصّ مراقبة وصول المساعدات الى لبنان وتوزيعها قائلة: "رصدنا المعلومات التي نشرها مجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة ووزارتا الصحة والشؤون الاجتماعية منذ بداية الحرب، وعندما لاحظنا نقصاً بالمعلومات، قدمنا طلبات وصول للإدارات المعنية".

وتعطي كلارا مثالاً: "قدمت 21 دولة مساعدات إلى لبنان، لكن بعض المساعدات لم تُدرج في اللوائح المنشورة، مثل مساعدات الكويت والكونغو وكندا. كما نفتقر إلى معلومات حول بعض الطائرات التي حملت المساعدات، مثل 12 طائرة أردنية و5 طائرات فرنسية. إضافة إلى ذلك، هناك مساعدات استلمها الجيش من دون التصريح عنها".

إلى جانب ذلك، تم تسجيل بعض المساعدات بوحدات حسابية مختلفة عند الاستلام والتوزيع، مثل تسجيل استلام الطعام بالكيلوغرامات وتسجيل توزيعه بالصناديق، ما يجعل تتبعها أكثر صعوبة.

رفض تقديم تفاصيل إضافية

ردّت لجنة الطوارئ الحكومية على طلبات "غربال" بالحصول على تفاصيل أكثر حول المساعدات ببيان اعتبرت فيه أن الطلب بمثابة "إساءة لاستعمال الحق"، بحجة أن الطلب يتضمن "حجماً كبيراً من المعلومات والمستندات"، وأرفقت رابط موقعها الإلكتروني كرد على الطلب.

توضح كلارا أبو غاريوس أن "المبادرة تلقت هذا الرد سابقاً مرات عدة عندما طلبت معلومات كثيرة عن سنوات عدة، بخاصة لأن معظم الملفات والمعلومات القديمة ليست موجودة بصيغة إلكترونية. لكن بما يتعلق بمعلومات حديثة وممكننة، يجب أن تكون متوافرة لدى الهيئة وأن تتم مشاركتها".

وهنا، يرى كورسون أن مسألة داتا المساعدات ومراقبتها عانت من 3 تحديات أساسية، وهي أولاً مسألة عدم القدرة على تتبع المساعدات من الوصول حتى التوزيع، التحدي الثاني هو استخدام أرقام عامة وفضفاضة في تصنيف المساعدات مثل "مساعدات طبيّة" من دون معرفة طبيعة هذه المساعدات، أما التحدي الثالث فهو توقيت نشر المعلومات المخصصة لكل شحنة مساعدات، إذ إن بعض المساعدات نشرت معلوماتها بعدما وصلت بأسبوع".

ويضيف كورسون أن التحدي الرابع هو أننا لا تعرف ماذا حصل بالمساعدات التي لم توزع بعد إعلان وقف إطلاق النار.

يختم كورسون بأن "كل تلك الإشكاليات يمكن معالجتها عبر اتباع المعايير التي وضعتها مبادرة الشفافية في المساعدات الإنسانية، وتفعيل آليات المراقبة الرسمية كديوان المحاسبة، وغير الرسمية كالجمعيات، وعبر إيجاد طرق لمأسسة عمل منظمات المجتمع المدني، بخاصة خلال فترة إعادة الإعمار".

هذه المادة تم إعدادها بدعم من مؤسسة "مهارات"

*المصدر: درج | daraj.com
اخبار لبنان على مدار الساعة