اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ١٩ تموز ٢٠٢٥
تتسارع التطوّرات على الساحة السورية بوتيرة غير مسبوقة، وسط مشهد إقليمي مأزوم ينذر بتحوّلات عميقة، لا في سوريا وحدها، بل في مجمل الخارطة المشرقية. وفيما ترتفع نبرة الخطاب العسكري والسياسي من أنقرة وتل أبيب، تتكرّس وقائع ميدانية في الداخل السوري، قد تعيد رسم حدود الدولة السورية، وتفتح في الوقت نفسه أبوابًا جديدة لأزمات متفجّرة في لبنان.
من السويداء إلى الجولان، ومن طرابلس إلى جنوب لبنان، تتقاطع خطوط النفوذ وتتبدّل المعادلات. سقوط التبادل السياسي – الأمني غير المعلن بين طرابلس اللبنانية والجولان السوري، ليس تفصيلاً عابرًا. لعقود، شكّل هذا المسار قناة خلفية للتنسيق أو لتبادل الرسائل بين قوى إقليمية ومحلية، لكنّ المعطيات الحالية تُشير إلى أن هذا الرابط قد تفكّك نهائيًا، في ظلّ انكفاء القوى الفاعلة نحو أولويات تتجاوز حدود لبنان وسوريا.
السويداء، المدينة ذات الأغلبية الدرزية، تحوّلت في الأسابيع الأخيرة إلى بؤرة صراع داخلي، مع ما رافقه من فوضى أمنية وجرائم مدنية ارتكبتها بعض الفصائل المحسوبة على النظام. هذه الأحداث دفعت العديد من العواصم الأوروبية إلى إعادة النظر في أي مقاربة تطبيعية مع النظام السوري، وطرحت مجدّدًا فكرة العقوبات كأداة ضغط سياسية.
لكنّ الأهم، هو ما يُطبخ بهدوء في الكواليس الدولية: مشروع تقسيم سوريا يعود إلى الواجهة، هذه المرة تحت عنوان «حماية الأقليات». تصاعد الحديث عن كيانات منفصلة - دولة يهودية، وأخرى كردية، وثالثة سنية، ورابعة مارونية - يطرح سؤالًا ملحًّا: هل نحن فعلًا أمام خارطة جديدة للشرق الأوسط تُرسم على أنقاض الدول الحالية؟
في هذا السياق، لفتت تصريحات المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية، حين أبدى استعداد بلاده لدعم «القدرات الدفاعية السورية» ضد الإرهاب. في المقابل، ردّت إسرائيل بإعلان نيتها تكثيف ضرباتها داخل سوريا، لأنّ «الرسالة لم تُفهم بعد»، على حدّ تعبير أحد وزرائها الأمنيين. بين التصريحين، تترسّخ معادلة ميدانية جديدة: تركيا تدخل بقوة ناعمة، وإسرائيل تواصل الحسم بالنار.
لبنان، كجار مأزوم، لا يملك ترف التفرّج. الحكومة اللبنانية، كما ترى مصادر سياسية متابعة، تبدو متراخية في ضبط إيقاع السيادة الوطنية، وتمنح «حزب اللّه» وقتًا ثمينًا لإعادة ترتيب أوراقه، في ظلّ تأخير متعمّد في عملية تسليم سلاحه، وتمديد واقع «اللاحسم». هذا التراخي يتزامن مع ضغط أميركي متصاعد، وتلميحات دولية متزايدة بإمكانية التخلي عن لبنان، ليس فقط سياسيًا، بل اقتصاديًا ومؤسساتيًا أيضًا.
أما الطائفة السنية في لبنان، فتعيش مرحلة فراغ سياسي، بعد غياب الرئيس سعد الحريري عن المشهد. محاولات بعض الأسماء الجديدة لوراثة الزعامة لم تحصد النتائج المرجوّة. أحد هؤلاء، أحمد الشرع، لم ينجح في استقطاب القاعدة الشعبية، وأحداث السويداء بيّنت حجم الضعف في الطرح البديل. المفارقة أن الحريري، رغم انسحابه، يبقى الرابح الأكبر، كونه لا يزال يملك رصيدًا من الشرعية الشعبية لم ينجح أحد في منافسته عليه حتى الآن.
في ظل هذا المشهد، يبدو السؤال التالي مشروعًا: هل ما يجري هو مجرّد مشهد من مسرحية جيوسياسية كبرى، تتقاطع فيها المصالح تحت راية «الحماية» و «مكافحة الإرهاب»، أم أننا نشهد بالفعل بداية مرحلة جديدة تُطبخ فيها حدود كيانات ما بعد «سايكس بيكو»، فيما يُترك لبنان وحيدًا على رصيف التغيير؟