اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٩ كانون الأول ٢٠٢٥
خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
يمكن ببساطة قراءة مؤشرات تدعو للقلق من ما يمكن تسميته 'بحالة التداخل والتدافع' التي حصلت ليلة أمس في مناطق عدة من لبنان، وذلك بين بيئات خرجت للشوارع في مسيرات على الدراجات النارية للتعبير عن 'هويتها' بأكثر مما هي أرادت التعبير عن شعاراتها السياسية. ولعل هذه السمة الخاصة بإبراز الهوية التي برزت كعنوان لهذه المسيرات، هي التي تدعو للقلق وللاحتساب من أخطار موجودة داخل 'اجتماع لبنان المستنفر'، وليس داخل 'الاختلاف السياسي اللبناني المنقسم'.
يبدو الاجتماع اللبناني ضمن المشاهد المعاشة التي تؤشر إلى كنهه، أشبه 'بخلطة المولوتوف' القابلة لانفجار متتالي في أية لحظة تتعرض فيها هذه الخلطة لصدمة أو لاحتقان أو لضغط، الخ.. والواقع أن اجتماع خلطة المولوتوف اللبناني يتغذى بشكل يومي من الإعلام ومن السياسة ومن أخطاء الموالين والمعارضين على حد سواء.. كما يتغذى بلا شك من تراجع القدرة على احتواء الوافد إلى لبنان من جهة، وانهيار القدرة أيضاً من جهة ثانية على مستوى تعزيز صمود المواطن المقيم فيه.
ومنذ العام ٢٠١١ وهو عام بدء الحدث الدامي السوري حتى الآن، شهدت الديموغرافيا في لبنان تحولات عشوائية أدت إلى تحول الاجتماع اللبناني إلى ما يشبه 'خلطة المولوتوف'.
.. والمقصود هنا أن مشاكل المحيط اللصيق بلبنان أصبح لها تعبيرات كاملة داخل لبنان وداخل اجتماعه وداخل حياته اليومية. فحتى الحالات الإسرائيلية بالغة التطرف الايديولوجي والعسكرة تسللت تعبيراتها إلى داخل حدود لبنان عن طريق تهجير إسرائيل لأهالي نحو ٣٢ بلدة حدودية لم تعد عمرانياً موجودة، وأصبحت جغرافياً أثراً بعد عين.
والواقع أنه يجدر بأية نظرة عميقة أن لا تهمل أن جزءًا من النزوح الذي خلفه العدوان الإسرائيلي، أصبح من منظار المدى المتوسط وربما البعيد، تهجيراً دائماً؛ وهذا النوع من التهجير ينقل ليس فقط نتائج تغول اليمين الإسرائيلي إلى داخل لبنان، بل يجعل فئات لبنانية على تماس معه حتى لو انتقلت إلى مناطق بعيدة عن الحدود مع فلسطين المحتلة.
.. والشاهد على هذه الفكرة هو اللاجئ الفلسطيني الذي محت إسرائيل قريته؛ فرد بأنه احتفظ في منفاه بمفتاح بيته، ويعطي رد الفعل هذا دليلاً على أن الاجتثاث بالقوة ينقل المشكلة إلى حيث يقيم اللاجئ ولا يحل مشكلة خطأ الاجتثاث. وعليه فإن العدوان الإسرائيلي الأخير تقصّد اجتثاث قرى ومحوها؛ ولكن نتج عن ذلك هجرة لبنانيين مع مفاتيح منازلهم؛ وهؤلاء باتوا لاجئين داخل وطنهم بالمعنى النفسي والاجتماعي، وليسوا فقط مهجرين داخل وطنهم، ومن ثَم هم مرشحون ليكونوا نازحين داخل بيئات مجتمع أو اجتماع خلطة المولوتوف.
إن واحدة من أهم معضلات المشاكل ذات الصلة بالخلفيات الديموغرافية، هي انها تشبه الأمراض الصامتة التي تتطور في رحم الصمت والبخل في إظهار العوارض، وعدم القدرة على التعبير عن نفسها بأجواء سليمة؛ ولذلك فهي عندما تخرج عن صمتها تصبح مشاكل صاخبة وحتى مدمرة وغير قابلة للاحتواء.
وليلة أمس ظهر احتفال النازحين السوريين بمرور عام على سقوط الأسد، لا يشبه في تعبيراته نشوتهم فقط بحالة انتصار، بقدر ما يشبه رغبتهم بإعلان اعتراضهم، ولو بمفعول رجعي، على أحداث مرور عقد على نزوحهم من سورية، ويشبه إعلان حنقهم لمرور عقد من الصمت الذي عاشوا فيه.
والحق يقال ان المسيرات الدراجة للنازحين السوريين التي جرت ليلة أمس، عبّرت عن 'إعلان هوية غاضبة' لديها حساب مفتوح مع فترة الحرب في سورية، وأيضاً مع فترة ما بعد الحرب التي لم تغلق ملف نزوحهم.
.. وتصبح مشكلة النزوح السوري بعد وقف الحرب السورية، أصعب بنتائجها على الواقع اللبناني بمختلف مستوياته، مما كانت عليه خلال الحرب السورية، وذلك لعدة أسباب، أبرزها أن النزوح السوري في لبنان أصبح بلا أسباب اضطرارية مادية، نظراً لأن سورية نظرياً وعملياً خرجت من الحرب؛ وبالتالي أصبح النازح السوري في لبنان أمام سؤال جاد، وهو 'كيف أعبر عن هويتي الجديدة في مكان نزوحي'؟؟: هل أنا مواطن سوري جديد أم لا زلت نازحاً سورياً كسير الجانحين (؟؟)، أم أصبحت نازحاً سورياً بميزة أنني منتصر وتجتمع بين يدي عناصر قوة مستعادة بالنظر لكون سورية دولة مركزية في محيطها، وخاصة مقارنة بلبنان الوطن الصغير!!
لا يمكن إهمال هذا النوع من التحولات التي تجري داخل ديموغرافيا النزوح السوري في لبنان؛ مع التنبيه إلى أن هذه التحولات طبيعية ولكنها خطرة؛ وهي تبدأ بأسئلة يطرحها النازح السوري على نفسه؛ وتكمن المشكلة هنا في أن الدولة لا تلتفت إليها أو حتى لا تسمعها.. وأيضاً في أن المجتمع الدولي لا يتحرك لإيجاد أجوبة عادلة لها!!











































































