اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
كتب ناصر قنديل في 'البناء':
إذا أراد أي باحث أن يُحصي حجم التقلبات في مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه الحرب في أوكرانيا والعلاقة مع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، سوف يجد أن العدد يوازي عدد الأسابيع التي أمضاها ترامب في البيت الأبيض بمعدل كل أسبوع بموقف، وسوف يجد أن هذا التقلب في المواقف يجري بطريق قياسية بين حدّين متناقضين، مرة حديث عن عقوبات مشدّدة وسلاح نوعيّ لأوكرانيا، ومرة حديث معاكس عن علاقة ودية ممتازة مع الرئيس بوتين وحجب السلاح عن أوكرانيا ومطالبتها بالتسليم بشرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم لروسيا.
الأسبوع الماضي شهد مثالاً لهذه التقلبات، حيث كانت البداية بقرار تسليم صواريخ توماهوك لأوكرانيا وعودة رئيسها فلاديمير زيلينسكي إلى البيت الأبيض، لكن قبل الموعد بساعات قليلة اتصل ترامب بالرئيس بوتين وأعلن عن نيته عقد قمة معه قريباً، معلناً قرب حل الأزمة الأوكرانية، وعدم ثقته بأن تسليم صواريخ توماهوك لأوكرانيا قرار سليم، واعتقاده بأن أوكرانيا لن تستطيع استعادة أراضيها من روسيا ولو تسلّمت الصواريخ، ودعوته أخيراً إلى إنهاء الحرب عند خطوط القتال الحالية وقبولها كأمر واقع، وعندما حان موعد اللقاء مع زيلينسكي، زعم ترامب أن اللقاء كان إيجابياً لصالح إنهاء الحرب ورؤيته للأجواء الإيجابية التي تسمح بذلك، حتى خرج المستشار الألماني ورئيس وزراء بريطانيا ينقلان عن زيلينسكي أن اللقاء كان متوتراً وفاشلاً وأنه سمع كلمات نابية في اللقاء.
أمس ليلاً بدأت ترد الأنباء عن تعثر عقد القمة الروسية الأميركية المرتقبة في هنغاريا، ثم لم يلبث ترامب أن صرّح بأنه غير واثق من أنه يرغب بلقاء الرئيس بوتين، وبدأت التسريبات من البيت الأبيض تتحدّث عن فشل المحادثات التمهيدية للقمة بينما قالت وسائل الإعلام الروسية إن هناك جدلاً حول القمة التي يريد بوتين قبل تحديد موعدها التحقق من نجاحها، وبعد ساعات نقلت وسائل الإعلام الأميركية عن مسؤولين كبار أن قيوداً رئيسية سوف ترفع عن استخدام أوكرانيا للصواريخ البعيدة المدى التي تسلمتها سابقاً من أميركا، وأعلن وزير الخزانة الأميركية العزم على فرض عقوبات مشددة على روسيا.
في المنطقة وقف ترامب إلى جانب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يحتفلان بالنصر معاً خلال جلسة ماراتونية للكنيست، وبعدما رفعا شارة النصر وأعلنا سحق محور المقاومة، وتغيير الشرق الأوسط كانت قوات القسام تظهر على شاشات التلفزة العالمية ومنها الأميركية والإسرائيلية وهي تسيطر على غزة وتفرض شرعيتها، وتفادى ترامب الإحراج بالقول إن ذلك يجري بمعرفته لمنع الفوضى في مرحلة انتقالية لن تطول، رغم أن خطته لم تلحظ شيئاً من هذا القبيل، ولم تأت على ذكر هذه المرحلة الانتقالية، لكن وقع المشاهد في كيان الاحتلال كان فوق قدرة نتنياهو على اختراع عذر مثل ترامب، ووجد نفسه مضطراً للتراجع عن مزاعم النصر وذهب في خطبته أمام الكنيست لرسم معادلة جديدة، لم يعد فيها حديث عن تغيير الشرق الأوسط وسحق محور المقاومة، بل حديث آخر مختلف تماماً، هو الحديث عن منع الهزيمة، ومنع سحق “إسرائيل” وإزالتها عن الخريطة.
نتنياهو يدرك أنه نال خلال سنتين من الحرب كل ما يلزم للفوز بها وإنهاء المقاومة وتحقيق التهجير وفشل، وأن العودة للحرب لن تحقق ما لم يتحقق في الحرب بظروف أفضل، ويدرك أن هذا الاستعصاء ليس محصوراً في غزة، بل هو أكبر وأعظم خارجها، حيث تملك قوى المقاومة في لبنان واليمن فرصاً أفضل للمواجهة، وصولاً إلى إيران، وأن لا خيار أمامه سوى التعايش مع واقع العجز عن إنهاء المقاومة والرهان على نجاح محاولات تطويق المقاومة وحصارها في إطار مرحلة ما بعد الحرب، سواء عبر تفعيل دور حلفاء أميركا أو محاولة مقايضة الإعمار بالتفاوض على سلاح المقاومة.
نتنياهو يعرف أن هذا الرهان يستدعي منح أدوار لمنافسين لا يرغب بهم ضمن خريطة المنطقة مثل مصر التي يزعجه انتشار جيشها في سيناء فكيف بالنسبة لدورها في غزة، أو تركيا التي يزاحمها على سوريّة فكيف يأتي بها إلى غزة، أو قطر التي قصف عاصمتها لمعاقبتها على دعم حماس فكيف يمنحها امتياز القرب من حماس في غزة، ويعرف نتنياهو أن الأوروبيين يتمسكون برعاية قرار عن مجلس الأمن الدولي لتشكيل القوة الدولية لغزة، وأن المطالبات بدور للسلطة الفلسطينية التي لا يريد لها أي دور ترتفع، لكن كل ذلك يبدو البديل الوحيد أمام خيارين صعبين، العودة للحرب أو القبول بسلطة حماس.
يبدو ترامب مصاباً باضطراب عقليّ، كما يبدو نتنياهو مصاباً بالكآبة والإحباط وخيبة الأمل، لكنهما لو كانا كذلك يعكس كل منهما حقائق نتائج الحروب من أوكرانيا إلى المنطقة انتهاء بحرب غزة، مأزق ترامب وأزمة نتنياهو تعبير عن حقيقة موازين القوى بخلاف شعوذات الفضائيات العربية.











































































