اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١٩ تموز ٢٠٢٥
في ظل تفاقم الأزمات المالية والاقتصادية، وجد الاقتصاد غير الشرعي أو ما يُعرف بـ'اقتصاد الظلّ' أرضاً خصبة للتمدد في لبنان، ليصبح فعلياً مكوّناً أساسياً من الواقع الاقتصادي العام. هذا الاقتصاد غير المرصود بات يشكّل ما يقارب 19.6% من الناتج المحلي الإجمالي بحسب مسح أجرته شركة 'إرنست أند يانغ' لعام 2025، وهو رقم يتجاوز بكثير المعدل العالمي البالغ 11.8%.
مظاهر التمدّد الخطير يظهر اقتصاد الظل في لبنان بأشكال متعددة، من أبرزها وجود 3000 صرّاف غير مرخّص مقابل 300 فقط مرخّصين، إضافة إلى شركات تحويل أموال غير ملتزمة بقوانين الرخص، ومصانع وشركات اتصالات وإنترنت تعمل دون تراخيص، فضلاً عن شبكات التهريب عبر الحدود، والتهرّب الجمركي والضريبي الذي يُقدّر بمليارات الدولارات.
كل هذه الأنشطة غير المشروعة تُفقد الدولة اللبنانية موارد مالية ضخمة، وتضعها أمام عجز متزايد في ظل النفقات المتراكمة والاعتماد على القروض ورفع الضرائب.
النتائج الملموسة: لائحة رمادية وتصنيفات سلبية الخبير المالي نسيب غبريل أوضح لـ'نداء الوطن' أن اتساع اقتصاد الظلّ هو أحد الأسباب المباشرة التي دفعت مجموعة العمل المالية (FATF) لإدراج لبنان على 'اللائحة الرمادية' في تشرين الأول 2024، نتيجة التقصير في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. الأمر الذي تبعه أيضاً إدراج الاتحاد الأوروبي لبنان ضمن لائحة الدول ذات المخاطر العالية في حزيران 2025.
التحركات الإصلاحية: بداية متأخرة لكنها ضرورية بعد اتفاق لبنان مع مجموعة FATF على سلسلة إجراءات تشمل عشر خطوات جوهرية، بدأت السلطات اللبنانية بخطوات أولية لمعالجة الفجوات. من بينها:
تنظيم الجمعيات غير الحكومية عالية المخاطر.
إنشاء سجل للشركات يكشف الملكية الفعلية.
مصادرة أموال مشبوهة المصدر، وضبط العملات والأحجار الكريمة المهربة.
إقفال عدد من المعابر غير الشرعية ومصانع الكبتاغون.
ضبط شركات الاتصالات والمصانع غير المرخصة.
رغم أن هذه التحركات ما زالت خجولة، يرى غبريل أنها وضعت لبنان على 'المسار الصحيح'، لكنها تحتاج إلى تسريع وتيرة الإصلاح وتفعيلها بجدية.
تأثيرات الاقتصاد غير الشرعي وفق تقرير 'إرنست أند يانغ'، يُسهم اقتصاد الظلّ في تعميق الفجوة الضريبية، أي الفرق بين الضرائب المستحقة والمحصّلة فعلياً، ما يؤدي إلى تراجع الخدمات العامة، وتشويه المنافسة، وعرقلة الاستثمار، وإضعاف ثقة المواطنين بالدولة.
كما أن ضعف الحوكمة، وانخفاض كفاءة تطبيق القانون، وغياب الشفافية، تُمثّل بيئة مثالية لازدهار الاقتصاد غير الشرعي، ويُفاقمها العبء الضريبي الكبير والأزمات المعيشية المتواصلة.
ما المطلوب؟ يرى غبريل أن الطريق للخروج من هذا النفق يتطلب:
تعزيز ثقة المواطن بالنظام الضريبي.
رقابة حازمة على الأنشطة غير المرخصة.
استخدام التكنولوجيا لتتبع العمليات المالية.
تعاون دولي وتحديث القوانين.
الحفاظ على هوية لبنان كاقتصاد حرّ، مع قطاع خاص قوي، وقطاع عام فاعل يضمن المنافسة الشريفة ويحارب الفساد والاقتصاد الموازي.
فرصة يجب اغتنامها رغم كل التحديات، يشير غبريل إلى أن لبنان اليوم يعيش استقراراً نسبياً مقارنة بالعام 2024 الذي شهد حرباً إسرائيلية على 'حزب الله'. هذا الاستقرار يوفّر 'فرصة عابرة للأجيال'، كما وصفها الموفد الأميركي توم براك، الذي حذّر من أن 'المنطقة تتحرّك بسرعة الصوت، وإذا لم يتحرّك لبنان بالوتيرة نفسها، سيتجاوزه العالم وينساه'.