اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٨ تموز ٢٠٢٥
لا يكاد يمرّ أسبوع في لبنان من دون أن يُسجَّل خبر مأساوي جديد عن شاب أو فتاة قرّرا وضع حدّ لحياتهما. منذ يومين، استيقظت مدينة صيدا على خبر صادم: انتحار فتاة في عزّ شبابها، لتُعيد هذه الحادثة إلى الواجهة واقعاً نفسياً واجتماعياً يرزح تحت الضغوط، ويُهدّد فئات عمرية متنوّعة، لا سيّما الشباب.
وعلى الرغم من أن الحديث عن الانتحار لا يزال محاطاً بالكثير من الصمت والوصمة في المجتمع اللبناني، إلّا أن الأرقام المتوافرة تكشف عن حجم المشكلة المتنامية. فعدد حالات الانتحار المسجّلة خلال النصف الأول من العام 2025 بلغ 68 حالة، مقارنة بـ64 حالة خلال الفترة نفسها من العام 2024، بحسب الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين، الذي يشير في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أنّ هذه الأرقام تُظهر “استقراراً نسبياً”، في ظلّ التراجع الذي سُجّل خلال السنوات القليلة الماضية. ففي العام 2021، تمّ تسجيل 145 حالة انتحار، تراجع الرقم في العام 2022 إلى 138، قبل أن يرتفع مجدداً إلى 170 حالة في 2023، ثم يتراجع إلى 128 حالة في العام 2024.
مع ذلك، يؤكّد شمس الدين أنّ “هذه الاحصاءات لا تعكس بالضرورة الواقع الكامل”، موضحاً أنّ “عدداً كبيراً من الحالات قد يُسجّل على أنه حوادث عرضية أو لا يتم التبليغ عنه أساساً، بسبب خوف العائلة من الوصمة أو لضغوط دينية واجتماعية”.
في هذا الاطار، تلفت المعالجة النفسية د. رنا قسطنطين، في حديث لموقع “لبنان الكبير”، الى أن “لبنان يعيش حالة إنكار جماعي تجاه الصحة النفسية، على الرغم من كل ما نمرّ به من أزمات متلاحقة”. وتقول: “الانتحار ليس قراراً لحظياً، بل نتيجة تراكمات من الألم النفسي، الإهمال، الشعور بالعجز، وانعدام الأمل. معظم من يُقدمون على الانتحار لا يريد الموت، بل يريد التوقف عن المعاناة”.
وتُضيف قسطنطين: “في ظلّ الانهيار الاقتصادي، تفكّك مؤسسات الدولة، وغياب الرعاية الصحية والنفسية الفاعلة، يجد المواطن نفسه محاصراً من كل الجهات. لا دعم نفسياً متوافراً بسهولة، ولا جهات متخصّصة تستطيع التدخّل في الوقت المناسب، لا سيّما في المناطق البعيدة عن بيروت”. وتُشدد على ضرورة “إدخال برامج الصحة النفسية في المدارس والجامعات، وتدريب الأهل على أساليب الحوار والتفهم، بدلاً من القمع أو السخرية من مشاعر أولادهم”.
الانتحار ليس ضعفاً.. بل صرخة مكتومة
بحسب دراسات عالمية، فإنّ كل محاولة انتحار تُقابلها عشرات من محاولات طلب المساعدة أو الاشارات التحذيرية التي تمرّ غالباً من دون أن ينتبه إليها أحد. ومع ازدياد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بات البعض يُعبّر عن ألمه بصورة غير مباشرة عبر منشورات حزينة أو رسائل مستترة. لكن المشكلة الأساسية، بحسب قسطنطين، تكمن في “نقص التوعية على هذه المؤشرات، وعدم وجود مساحات آمنة للحوار، خصوصاً في مجتمع لا يتقبّل فكرة الاضطرابات النفسية أو الحاجة إلى علاج نفسي”.
يجب محاسبة من خذل المنتحر
ترى مدرّبة الحياة والتطوير الذاتي دانا الأسمر عبر “لبنان الكبير”، أن “الحديث عن الانتحار في لبنان يظلّ ناقصاً ما لم نُواجه بجرأة مسؤولية المجتمع، العائلة، والمدرسة في خذلان الفرد قبل أن يصل إلى لحظة الانهيار”.
وتقول: “كلما حصلت حالة انتحار، نركض لنسأل عن الأسباب الاقتصادية أو النفسية، لكننا نغفل عن السبب الأكبر: الوحدة القاتلة وسط الزحام، والإهمال العاطفي من أقرب الناس. الانتحار لا يحدث فقط لأن الفرد ضعيف، بل لأنه محاط بمن لا يسمع، ولا يرى، ولا يسأل”.
وتُضيف: “أنا لا أريد بعد الآن أن نكتفي بالترحّم على من رحل. أريد أن نسأل أنفسنا: من تركه وحده؟ من تجاهل العلامات؟ من سخر من حزنه؟ من اعتبر أن كل شيء قابل للسكوت؟ لا يكفي أن نحزن… يجب أن نحاسب”.
وتؤكد الأسمر “أننا لا نحتاج إلى دعم نفسي فردي وحسب، بل إلى ثورة قيم تبدأ من البيت، تمرّ بالمدرسة، وتصل إلى الاعلام. نحتاج إلى أن نُربّي جيلاً يعرف كيف يفتح حواراً مع حزنه بدل أن يدفنه. عندها فقط نبدأ نمنع الانتحار، لا بعد وقوعه… بل قبل أن يفكّر به أحد”.
