اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
خاص الهديل….
غنوه دريان…
منذ أن عاد فضل شاكر، بقوة، بعد مسلسل 'يا غايب' الأخير الذي يحكي فيه قصته، وأغانيه تنافس حالة الانكسار والقهر الذي أعيشه، وكأنه يريد لي زمناً غير هذا الذي أنا فيه، حيث الموت خلفية ثابتة لكل تفصيل صغير في الحياة. تتغير وظيفة الفن، ويتحول الغناء من ترف اختياري إلى طقس وجودي، كأنّ فضل صُنع لا ليستهلك التسلية أو الذائقة، أو يمضي كرسالة قدر كل مرة كأداة تنقيب داخلي وبوصلة شعورية وسط هذا التشوش فيقدّم لنا مرةً أخرى تساؤلاً مغلّفاً بكل الاحتمالات المتوقعة في الإجابات ومساحات التأويل والخيال فيسأل:
'كيفك ع فراقي؟'… هي في الحقيقة عودة من منطقة عاطفية مهجورة، فبعد عزلة طويلة وبعد أن تراكمت فوق صورته طبقات من الجدال والسجال والغياب لا يعود ليسلّي ذائقتنا بتساؤل مغنّى. إنه يعود ليؤكد لي أنه يشبهنا تماماً نحن المنكوبين الداخلين إلى الحرب والخارجين منها، التائهين في الفراغ لايجدون ليقولوا سوى:
'كيفك ع فراقي'. لا تبدو الجملة مجرد طرح تساؤل، بل هي صنعة السؤال بحد ذاته ليس بين اثنين أو جسدين، بل تطرحه على العالم كله، كأنها تسألنا جميعاً:
كيف أصبحنا بعد كل هذا الفقد؟
كيف هي حالنا بعد أن فقدنا المدن والأصوات والضحك والدفء؟
كيف نحيا بعد أن فارقنا أنفسنا دون أن نلاحظ؟
كان السؤال هذا يدور معي في جلسات لقاءاتي مع النساء اللواتي اختبرتهنّ الحرب بفقد غير محتمل لتأتي الإجابة بلا استثناء: 'مشتاقون'.
الأغنية التي تقدّم لنا وجبة انكسار على قسوتها، رقيقة تختبر مناطق كثيرةً تلغيها الحروب والقتل الممتد من الشمال إلى الجنوب في بلادنا بإجابة مغلّفة بـ'الفراق' ومرادفاته: 'الوداع'. لتبدو الأغنية كأنها ليست مجرد مقطوعة رومانسية، بل وثيقة صوتية عن الفقد الجماعي، تفتح أبواب الحنين على مصاريعها، ليلمح دون صراخ إلى أن المسافة لم تعد فقط بين شخصين بل بين الأحياء وما تبقى من الحياة.











































































