اخبار الكويت

جريدة القبس الإلكتروني

أقتصاد

جاسم السعدون في لقاء مع «القبس الاقتصادي»: الاقتصاد بلا قاطرة.. وتمويل الرواتب بالدين انتحار!

جاسم السعدون في لقاء مع «القبس الاقتصادي»: الاقتصاد بلا قاطرة.. وتمويل الرواتب بالدين انتحار!

klyoum.com

علي الخالدي - 

قال رئيس مجلس إدارة شركة الشال للاستشارات، جاسم السعدون: إن العالم يشهد اليوم تحولاً حقيقياً في مركز الثقل الاقتصادي من الغرب إلى الشرق، مشيراً إلى أن هذا التحول يستند إلى مؤشرات وأرقام واقعية ونمو فعلي، وليس مجرد تحليلات نظرية. وأوضح أن الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ساهمت في إضعاف النمو الاقتصادي في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، في حين عززت من مكانة الصين والهند على الساحة الاقتصادية العالمية.

وفي ما يتعلق بتأثير هذا التحول في الكويت، أشار السعدون إلى أنه «قد لا يكون الأثر مباشراً أو فورياً، إلا أن ارتباط عملات دول الخليج، وفي مقدمتها الدينار الكويتي، بالدولار، يجعلنا عرضة للتأثر بأي تقلبات في قيمة العملة الأمريكية». وجاءت تصريحات السعدون خلال مقابلة مصوّرة ضمن برنامج «القبس الاقتصادي»، الذي يُعرض على منصات «القبس الإلكترونية»، وتقدّمه الزميلة حوراء غالب.

كشف السعدون أن نحو 90% من استثمارات الكويت الخارجية مقوَّمة بالدولار، وإذا بدأ العالم يفقد الثقة بهيمنة الدولار، خصوصاً مع بلوغ ديون أمريكا 36.6 تريليون دولار، «فإننا سنكون في دائرة التأثر».

وحذّر من أن فقدان الثقة بسندات الخزينة الأمريكية قد يدفع دولاً كثيرة إلى تقليص احتياطياتها الدولارية، مما سيؤثر بشكل مباشر في قيمة الدولار العالمية، التي تشكّل حالياً 58% من احتياطيات العملات الأجنبية عالمياً.

الثقل ينتقل إلى الشرق

وأوصى السعدون بضرورة البدء بتحول تدريجي في سياسة الكويت التجارية والاستثمارية، قائلاً: «يجب أن نزيد من تعاملاتنا مع الشرق الذي تتنامى اقتصاداته بشكل مذهل كل عام، لكن ليس على حساب علاقاتنا الغربية، بل لتنويع المخاطر والتحوّط من سيناريوهات مستقبلية».

وأضاف: «الشرق اليوم يضم أكثر من 60% من سكان العالم، ويقود النمو العالمي، ومن المنطقي أن تزيد حصتنا من التفاعل معه خلال العقد المقبل». مستدركاً: «ما يحدث اليوم يشبه ما جرى قبل قرون عندما انتقل الثقل من الشرق إلى الغرب. الآن نشهد حركة عكسية، ومن الحصافة أن نبدأ الاستعداد لهذا التغيير من الآن، لا أن ننتظر وقوع الصدمة».

حول التوترات في المنطقة، خصوصاً الحرب الأخيرة بين الكيان الصهيوني وإيران، قال السعدون: «تبعات الصراع تتجاوز الجانب العسكري، الواضح الآن أن أمريكا تسعى لفرض شكل جديد للمنطقة، ضمن ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد، وفيه ستُقسم الدول بين أطراف قوية وضعيفة».

وحذّر من أن الكويت قد تُصنّف ضمن الحلقات الضعيفة، قائلاً: «الكويت صغيرة، محاطة بقوى إقليمية كبرى، وتملك احتياطيات مالية ضخمة، وهذا يجعلها عرضة لضغوط سياسية أو شروط اقتصادية قاسية لدمجها ضمن المنظومة الجديدة أو بما يعرف الشرق الأوسط الجديد».

خطة جديدة جادة

وعن المسار الاقتصادي المحلي، شبّه السعدون علاقة الاقتصاد الكويتي بالنفط تشبه «الكاتويل»، ذلك الشكل المخروطي المستخدم في المطارات لتحديد اتجاه الرياح، قائلاً: «كل ما تهب ريح النفط، يتحرك الاقتصاد.. وإذا هدأ النفط، يتوقف كل شيء».

وذكر أن ما يُعرف برؤية «كويت 2035» لا يمكن اعتبارها خطة إصلاحية حقيقية، موضحاً: «هذه ليست رؤية. وضعُنا اليوم أسوأ مما كنا عليه في 2017. نحن بحاجة إلى رؤية جديدة، جادة، وملتزم بها سياسياً ومجتمعياً».

أوضح السعدون أن الحل يكمن في تحويل وظيفة الصندوق السيادي، مستشهداً بالنموذج النرويجي: «النرويج بدأت صندوقها السيادي في 1996 ببذرة قيمتها 200 مليون دولار فقط، واليوم تجاوز تريليوني دولار، لأنهم وجَّهوا كل إيرادات النفط والغاز إلى هذا الصندوق».

وأبدى السعدون قلقاً بالغاً إزاء ما وصفه بمحاولات الزج بالصندوق السيادي في صراعات داخلية، قائلاً: «الصندوق السيادي يجب أن يبقى أداة إنقاذ للاقتصاد، لا أن نُشغله بإدارة الجمعيات التعاونية! هل هذا معقول؟ هل يعقل أن يتحول المنقذ إلى طرف في معارك سياسية واجتماعية؟!». وحذر من «المرض الهولندي»، قائلاً: «النرويج تعلمت من خطأ هولندا التي ضخت أموال الغاز في الاقتصاد المحلي، ما أدى إلى تضخم وخلل في اقتصادها. لذلك، أبقت النرويج صندوقها السيادي خارج التأثير المحلي، وأدارته إدارة محترفة في البنك المركزي».

وعندما سُئل عن التوصيات العاجلة، أجاب السعدون: «الصندوق موجود، والاستثمارات موجودة، كل ما نحتاجه هو تحويل نهجه ليكون بديلاً مستداماً للنفط. مثلاً، يمكن اعتماد نسب استثمار شبيهة بالنرويج: 70% أسهماً و30% سندات، ولا مانع من إضافة عدد من العقارات المُدرة، لكن الأهم هو وجود منهج واضح وعائد متوقع».

فرض الرسوم العشوائية

بسؤال السعدون عن الرسوم الأخيرة التي فرضتها الحكومة، قال: «شخصياً لا أعارض فرض الرسوم والضرائب، بل أؤيد فرض ضريبة دخل حتى على مثلي، ولكن يجب أن تكون الرسوم موجّهة، وتحقق أهدافها، وليس أن تُفرض بشكل عشوائي».

أما بالنسبة لفرض رسوم على الأراضي، فأعتبرها غير مدروسة في الوقت الحالي: «اقتصادنا غير جاذب للاستثمار، بل طارد. فرض الرسوم بشكل مفاجئ على كل شيء دفعة واحدة هو تصرف ساذج».

وأضاف: «الحكومة قالت إنها ستجني من الرسوم 86 مليون دينار فقط، وهو ما يعادل0.014% من عجز الميزانية وليس من الإيرادات! فهل يستحق الأمر كل هذا الجدل؟».

وتابع: «الحكومة تحتاج إلى استعادة ثقة المواطن، ليس عبر الجباية العشوائية، بل من خلال مشروع وطني متكامل، يرسم خريطة طريق اقتصادية تشرك المواطن فيه، وتخلق بيئة منتجة، متماسكة، وواضحة الرؤية».

تطرق السعدون إلى الاستثمار المباشر، قائلاً: «خلال ست سنوات (من 2019 إلى 2024)، الكويت صدّرت 56 مليار دولار رأسمال مباشراً، واستقبلت فقط 4.6 مليارات، أي أن العجز بلغ 51 مليار دولار. هل هناك مؤشر أوضح من هذا على أن الاقتصاد طارد للاستثمار».

التعليم والجامعات

انتقد السعدون تراجع مستوى التعليم في الكويت، مبيناً أن الكويت لا تملك سوى 3 جامعات، ضمن تصنيف أفضل 1000 جامعة في العالم، في حين أن السعودية تضم 18 جامعة ضمن التصنيف، والإمارات 12 جامعة، وسلطنة عُمان 5، وقطر 2.

وأشار إلى أن منح الأراضي التعليمية يجب أن يُربط بتحسين التصنيف الأكاديمي، مضيفاً: «يجب أن نمنح الجامعات الجادة أرضاً برسوم أقل، ومدد استثمار أطول، لأننا بحاجة إلى صناعة رأسمال بشري».

أضاف السعدون بأسف: «ما أحزنني هو شماتة بعض الأطراف ببعضها، كأن كل قرار حكومي يُقرأ وفق من يتضرر منه، وليس بناءً على ما إذا كان يخدم المصلحة العامة. هذه ليست الكويت التي نعرفها».

صندوق المشاريع الصغيرة

أشار السعدون إلى تجربة صندوق المشاريع الصغيرة والمتوسطة بقوله: «منذ إنشائه، كتبنا في تقارير «الشال» أنه يسير في الاتجاه الخطأ. المشروع هدفه في الأصل خلق فرص عمل مستدامة، لكن عند قراءة خطته التنفيذية، وجدنا أن كل مشروع يخلق فقط 1.3 فرصة عمل، أي بالكاد لصاحب المشروع و«ثلث شخص» إضافي. هذه ليست إستراتيجية سليمة».

وانتقد السعدون ما آلت إليه مخرجات مشاريع الصندوق: «ما الذي حصلنا عليه؟ مقاهٍ وصالونات حلاقة! هذه ليست مشاريع تنموية، بل مشاريع تستقدم عمالة كثيفة، وتضر بالتركيبة السكانية، ولا تقدم أي قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد».

وأضاف: «لو كانت هناك قراءة استباقية، لما وقعنا في أزمة ديون الشباب الذين تورطوا بسبب مشروع بني من أساسه على خطأ إستراتيجي. الإصلاح لا يتم بإرضاء الناس على حساب مصالحهم الطويلة المدى. منح القروض دون رؤية واضحة يعني أننا دفعناهم إلى الفشل عن غير قصد».

بالنسبة لقانون الدين، قال السعدون: «الأهم، كيف أستخدم هذه الأموال؟! لأن الاقتراض إذا كان فقط لسد عجز، خصوصاً عجز في ميزانية 91 % من نفقاتها جارية، فهذا لا يحقق أي هدف اقتصادي. بل يُغرقنا، لأن الحصول على الأموال يصبح سهلاً والعالم جاهز ليقرضنا لأن عندنا أصول، لكن كيف نستخدمها هذا هو بيت القصيد.. إذا استخدمنا الدين في مشاريع غير منتجة، أو مشاريع إنشائية من دون عوائد، ندخل مصيدة الديون. الشعور الزائف بأن لدينا وقتاً أطول للإصلاح يؤخره ويزيد كلفته».

وبيَّن السعدون «إنه لا فرق أن تقترض الكويت بالدينار أو الدولار.. لأن الدينار مرتبط بالدولار. لكن المشكلة ليست في العملة، المشكلة في سبب الاقتراض. إذا كان لتمويل رواتب ونفقات جارية، هذا انتحار اقتصادي. أما إذا كان لتمويل مشاريع تنموية إنتاجية، فمرحباً به. وأخطر ما في الاقتراض أنه يخدرنا عن الإصلاح. يوفر سيولة مؤقتة ويعطي شعور زائف بالراحة، فنؤجل الإصلاحات الصعبة، ثم ندفع ثمناً أغلى لاحقاً».

غياب الإدارة المؤسسية

ولفت السعدون إلى أن المشكلة في الكويت تكمن في غياب الإدارة المؤسسية، مبيناً «مجلس الوزراء فيه وزراء أجلاء وأصحاب فكرة متقدم ومستنير، لكن ما فائدة ذلك إذا كان العمل شبه فردي.. المفروض يشتغل المجلس كفريق، عنده رؤية وبرنامج عمل زمني. الآن كل وزير يشتغل وفق اجتهاده، من دون تنسيق، فتصبح الحكومة مجموعة أفراد، وليس مؤسسة. مثل قطارات فاخرة من دون قاطرة ولا سكة حديد».

وتابع: «مثال إذا أنفقنا ديناراً على الإسكان، فيجب أن نحسب أثره في التعليم، في البنية التحتية، في العمالة، في الصحة. هذا المفهوم غير موجود. مخرجات الإنفاق غير محسوبة، لذلك هو ليس استثماراً حقيقياً».

في ما يخص ملف الإسكان والحديث عن تشريعات تمويلية جديدة، اعتبر السعدون أن المشكلة ليست في القانون، بل في الفلسفة العامة للتوسع الإسكاني، موضحاً: «التوسع الأفقي في الإسكان غير مستدام لا مالياً ولا بيئياً، ولا يمكننا الاستمرار في زرع البلاد بالخرسانة، بينما مواردنا تتآكل واحتياجاتنا تكبر».

وأضاف: «هذا النموذج يستهلك طاقة، وبنزيناً، ومياهاً، وكهرباء، ويستنزف الموارد على حساب الأجيال القادمة. اليوم لدينا المال، لكن بعد فترة سنستهلك أكثر مما ننتج، وسنضطر للاقتراض فقط لنغطي الفاتورة».

وشبّه السعدون مشروع الإسكان الحالي بمشروع صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة الذي وصفه بأنه «تورّط من البداية». قائلاً: «المشكلة لا تكمن فقط في فشل المشاريع، بل في توريط الناس البسطاء الذين لا يدركون أبعاد الخلل. يجب ألا يدفعوا ثمن أخطاء التخطيط». 

«إذن المغادرة».. تناقض صارخ مع الانفتاح

أفاد السعدون: «نحن نقول للوافد لازم تأخذ إذناً عشان تغادر! هذا تناقض مع فكرة الانفتاح، ومثله مشروع ميناء مبارك الكبير. إذا ما عندي علاقات سياسية وتجارية منسقة مع الجيران، المشروع يفقد قيمته».

وتابع: «تبي الناس يجونك، وما ترحب بهم، وتزيد التعقيدات في دخولهم البلاد، محد راح يجيك!. ما لم ينفتح العقل، ويقول إني أنا اللي محتاج الناس. والابتعاد عن عقلية التوقع بأن الناس يبون يبوقوني، يجب أن تتغير العقلية والثقافة في الشعور العام أن الكويت مغلقة وليست مرحبة بالناس».

السياحة العلاجية والتعليمية والتجارية

أكد السعدون أن السياحة يمكن أن تكون رافداً اقتصادياً مهماً، إذا تغيّرت النظرة الرسمية للزوار من الدول الأخرى، قائلاً: «الكويت تمتلك موقعاً إستراتيجياً وسط بيئة تضم أكثر من 130 مليون نسمة في محيطها، من إيران والعراق والشام. لو فعّلنا السياحة العلاجية والتعليمية والتجارية، فسنحصل على فرص عظيمة».

السياحة لا تنهض من دون طيران قوي

شدَّد السعدون على أن القرار السياحي هو قرار دولة، وليس قراراً فردياً أو مؤقتاً، موضحاً: «لا يمكن الحديث عن سياحة من دون طيران قوي، كيف تصبح الخطوط الجوية شركة، وهي كل عامين لديها مجلس إدارة جديد، ورؤية مختلفة وعدم استقرار، ولا ضيافة من دون فنادق كافية، ولا انفتاح من دون إجراءات ميسّرة لدخول الزوار».

*المصدر: جريدة القبس الإلكتروني | alqabas.com
اخبار الكويت على مدار الساعة