الموسيقى التصويرية (٢)

لم تقتصر الموسيقى التصويرية على أفلام هوليوود، وإنما أصبحت أيضاً جزءاً من الأفلام العربية، وبرزت فيها أسماء لامعة، مثل عمر إسماعيل مؤلف الموسيقى التصويرية لأفلام «واحد من الناس»، و«آسف على الإزعاج»، و«أعز أصحاب». وكذلك راجح داود الذي وضع الموسيقى التصويرية لأفلام: «الصعاليك» و«أرض الخوف» و«رسائل البحر»، وأيضاً ياسر عبدالرحمن واضع موسيقى فيلمي «ناصر 56» و«أيام السادات». ولا يمكن في الوقت نفسه، إغفال أسماء بارزة في هذا المجال، مثل: حلمي بكر، وعمار الشريعي، وهاني شنودة، وعمر خيرت. فهؤلاء لعبوا دوراً مهماً في التأليف الموسيقي، وقدموا موسيقى تصويرية رائعة، لا تزال تعيش بيننا حتى اليوم.

والى جانب الموسيقى التصويرية، ازدهرت الأفلام الغنائية كثيراً على يد محمد عبدالوهاب وأم كلثوم، قطبي الغناء العربي منذ الثلاثينات في القرن الـ20، وتواصلت بعد ذلك، على يد عدد من المطربين والمطربات، منهم: فريد الأطرش ومحمد فوزي وعبدالحليم حافظ، وأسمهان، وهدى سلطان، وشادية، ووردة، ونجاة الصغيرة، وصباح، وفيروز، وفايزة أحمد، وكارم محمود، ومحرم فؤاد، واشترك في تلحين أغنيات تلك الأفلام عشرات الملحنين، أبرزهم: محمد القصبجي، وزكريا أحمد، ومحمد عبدالوهاب، ورياض السنباطي، وفريد الأطرش، ومحمد الموجي، وكمال الطويل، ومحمد فوزي، ومنير مراد، وبليغ حمدي. إلا أن ظهور الأفلام الغنائية أدى إلى انحسار نشاط المسرح الغنائي بطريقة غير مباشرة، وذلك نتيجة اتجاه المنتجين إلى استثمار أموالهم في السينما التي كانت تدر لهم ربحاً أكبر، إلى جانب أنها تؤدي الدور نفسه الذي يقوم به المسرح الغنائي.

وقد أدى هذا كله إلى تطوير الموسيقى الى جانب تطوير الحركة، فقد بدأ ظهور الأفلام الاستعراضية التي اهتمت بتقديم الغناء في قالب حركي راقص، غالباً تشترك في أدائه مجموعات صوتية وحركية، إلى جانب المطرب الفرد، ونظراً لموقع الاستعراض المبهر من الفيلم حاول ملحنوه تقديم ألحان تناسب الحركة المطلوبة لتشارك في عملية جذب الجمهور، وهذا النوع من الأفلام ساعد على ظهور ألحان موزعة بشكل أوركسترالي، بالإضافة إلى التخفيف من قيود الألحان التقليدية باتجاه أكثر انفتاحاً على الموسيقى الغربية وتحديداً الإيقاعات الخفيفة، وقد برز في التلحين الاستعراضي: محمد القصبجي ورياض السنباطي ومحمد عبدالوهاب، وأيضاً منير مراد وفريد الأطرش. وإلى جانب هذا النوع من الأفلام، ظهرت أفلام أفردت مساحة كبيرة للموسيقى الراقصة، وتم التركيز فيها على الطبلة والرقص الشرقي، وبدت هذه الموسيقى كصناعة ترويجية للفيلم، أكثر من اللمسة الفنية التي يحتاجها.

غير أن نجاح الأفلام الاستعراضية، بعد أن أصبحت تحقق أعلى الايرادات، كما أصبح نجومها يتقاضون أعلى الأجور - لم يقلل من الاهتمام بالموسيقى التصويرية في الأعمال الدرامية الأخرى، وانما على العكس من ذلك زاد من الاهتمام بها ودفع الموسيقيين الى تطويرها حتى تتمكن من منافسة الأفلام الاستعراضية.

وفي هذا يقول المؤلف الموسيقي البريطاني والهندي الأصل (نيتين ساوهني) إن التأليف الموسيقى للأفلام ليس بالأمر الهين، كما قد يظن البعض، «فالأصوات والأنماط المستخدمة في الموسيقى التصويرية تختلف باختلاف سيناريو الفيلم، وتعتمد على المشاعر والمواقف والشخصيات والتوجه العام للفيلم» ويضيف انه أثناء تأليفه موسيقى لعمل ما، سينمائي أو تلفزيوني، يحاول الدخول في أفكار المخرج وآرائه، وهو ما قد يكون صعباً أحياناً، لأنه من الضروري أن تكون الموسيقى التصويرية متوافقة مع نمط توجه الفيلم نفسه بشكل كامل.

ويرى الموسيقار عمر خيرت أن الموسيقى التصويرية تمثل قيمة مهمة جداً للفيلم وقيمة خاصة، فيقوم الموسيقي أو عازف البيانو بعزف المقطوعات التي تتناسب مع المشاهد المعروضة، وعادة يتم اقتباس الموسيقى التصويرية الناجحة في صناعة الإعلان، فيعمل نجاح الفيلم وموسيقاه التصويرية على ربط السلعة المعلن عنها بالفيلم، فيثبت في أذهان الجمهور المستهدف بالاعلان.

وفي هذا الإطار قال خيرت في أحد اللقاءات الصحافية «عادة تقسم موسيقى الفيلم السينمائي إلى عدد من المقطوعات تبعاً لأحداثها ومجرياتها، أهمها: مقطع (التيمة) أو الموضوع وهو المقطع الرئيسي الذي يمثل موسيقى بداية الفيلم ويقدم الرؤية والفكرة الأساسية لموسيقى الفيلم، وهو عادة يتكرر داخل مشاهد الفيلم سواء بصورته نفسها، أو كتنويعة بآلات أخرى قد تظهر أحياناً، كعزف منفرد (صولو) أو كونشرتو، وهناك مقطع النهاية ويخصص هذا المقطع عند عرض طاقم العمل أو مع اقتراب نهاية الفيلم، كما تعد مقاطع موسيقية خاصة للأحداث أو المشاهد الرئيسية داخل الفيلم، كمشاهد المعارك أو مشاهد التحولات في أفلام الرعب تحديداً، أو تغير سير الأحداث، وهي كلها عادة متفرعة من مقطوعة التيمة. أما عن استخدام الموسيقى كخلفية حيادية فقال خيرت «إنها ذلك النوع الذي يساعد على ملء المواضع الفارغة كفترة توقف أثناء محادثة مثلًا، إن أكثر ما يحرص عليه مؤلف الموسيقى هو تحويل موسيقى ذات قيمة ضئيلة إلى أخرى غنية بالإحساس، ولكنه مع ذلك، يشعر برضا خاص عن نفسه.. حينما تعطي للمشهد بعداً إنسانياً، وهذا هو الجزء الأصعب في العمل والذي سينال عليه الإعجاب».

أما الفنان اللبناني الشهير رامي عياش، الموسيقي والملحن والمطرب، فقد ابتكر شكلاً خاصاً للموسيقى التصويرية، لم أره في عمل آخر من قبل، ففي مسلسل «أمير الليل» اختار رامي لحناً مميزاً للعمل ككل وهذا هو المعتاد، ولكنه أضاف إليه لحناً مميزاً آخر لكل حبيبين couple من أبطال المسلسل، فهناك لحن مميز له هو وحبيبته (فرح) نسمعه كلما ظهرا معا، وأحياناً قبل أن يظهرا ليكون إيذاناً بظهورهما، ولحن آخر مميز أيضاً لصديقه فارس مع حبيبته ناريمان، ولحن ثالث لشقيق زوجته مع عروسه، وهكذا.. وقد أضفى هذا سحراً خاصاً على أحداث المسلسل، فهو يذكرك بالعلاقة بين الأبطال ويتابع تطورها وينبهك الى قرب ظهورهما. وللحديث بقية

المستشار عادل بطرسa.botrosfarag@alqabas.com.kw