«إعلان الصخير»: أمن دول الخليج كلُّ لا يتجزّأ

انعقدت، في قصر الصخير في البحرين، الدورة السادسة والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (قمة البحرين)، بحضور قادة دول مجلس التعاون، حيث ترأس سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح وفد الكويت إلى القمة التي شكّلت محطّة مهمة في مسار تثبيت وحدة الموقف الخليجي ومناقشة ملفات محورية، أبرزها التكامل الاقتصادي، ودعم المشاريع المشتركة وترسيخ الأمن والاستقرار.

وأكدّ «إعلان الصخير» أن أمن دول الخليج واستقرارها كل لا يتجزأ. وشدّد على أن «أي مساس بسيادة دولة عضو يعد تهديداً مباشراً للأمن الجماعي».

ودعا البيان إلى «الالتزام الكامل ببنود اتفاق إنهاء الحرب في غزة، ودعم تعزيز جهود إقامة دولة فلسطينية».

وأعرب القادة عن دعمهم للبحرين في تمثيلها المجموعة العربية بالعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، وثقتهم في قدرتها على تحقيق تطلعات الدول العربية.

نموذج تنموي متكامل

وكان الملك حمد بن عيسى آل خليفة تراس الجلسة الافتتاحية لأعمال المجلس الأعلى، بحضور أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون وممثليهم، والأمين العام جاسم البديوي.

وقال الملك حمد بن عيسى إن «أمن وازدهار دول الخليج كل لا يتجزأ»، مشيراً إلى أن دول مجلس التعاون تسعى إلى معالجة القضايا الإقليمية. وأوضح أن دول مجلس التعاون صاغت نموذج تنموي متكامل الأركان، يجمع بين القدرة على المنافسة العالمية، وتأمين أعلى درجات الاستقرار والازدهار.

كما اشاد بما أُنجز في مسارات التعاون المشترك، خصوصًا ما يتصل بالمواطنة الخليجية والوحدة الاقتصادية، مبديا تطلعه إلى استكمال مشروع الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة.

وعزا الملك حمد تحقيق المكتسبات الخليجية إلى الرؤية المشتركة والسياسات الموحَّدة، التي جعلت من أولوياتها إرساء الأمن الخليجي، والحفاظ على السيادة الوطنية، واحترام مبادئ حسن الجوار. مؤكداً ضرورة حماية الملاحة البحرية والتجارة الدولية من أي تهديد، والحفاظ على خلوّ المنطقة من أسلحة الدمار.

وشدد ملك البحرين على أن استكمال تنفيذ خطة السلام في غزة، يعد خطوة إيجابية نحو وقف التصعيد وتهيئة الأجواء لتسريع مسار إحلال السلام العادل والمستدام، بما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية.

وأكد صوابية توجهات مجلس التعاون نحو ضرورات التكامل والاندماج، بما يتناسب مع ثقله الاستراتيجي ويُظهر مكانته كقوة مؤثرة.

إعلان الصخير

ولاحقاً أكد القادة في «إعلان الصخير» تمسكهم بتعزيز الروابط والتكامل بين الدول تجسيدًا للتطلعات نحو الاستقرار والازدهار.

وأكد القادة عزمهم على مواصلة مسيرة التنسيق والتكامل الخليجي وصولًا إلى الوحدة، بما يسهم في إرساء السلام في المنطقة والعالم.

وأبدى القادة ارتياحهم لما تحقق خلال مسيرة العمل الخليجي من منجزات تكاملية في ظل منظومة دفاعية وأمنية متماسكة، ومواقف دبلوماسية حكيمة ومتزنة، ومشروعات تنموية واقتصادية مستدامة، عكست تماسكا سياسيا وتوافقا في الرؤى والأهداف والمواقف.

وأكد القادة احترام سيادة دول مجلس التعاون وسائر دول المنطقة، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ورفض استخدام القوة أو التهديد بها، مؤكدين أن أمن واستقرار دول مجلس التعاون كلٌّ لا يتجزأ، وأن أي مساس بسيادة أي دولة عضو يُعد تهديدًا مباشرًا لأمنها الجماعي.

وأكد القادة ترحيبهم بمخرجات قمة شرم الشيخ للسلام، ودعمهم للجهود الرامية إلى ضمان الالتزام الكامل ببنود اتفاق إنهاء الحرب في غزة، وتيسير إيصال المساعدات وإعادة الإعمار وتعزيز الجهود المؤدية إلى إقامة دولة فلسطينية، وفقاً لحل الدولتين.

مواصلة التنمية والتقدُّم

وأكد القادة الحرص على مواصلة تحقيق المزيد من التنمية الاقتصادية والتقدم التكنولوجي والعلمي، وأهمية استكمال متطلبات السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي، وتعزيز التجارة والسياحة، وتشجيع الاستثمار في المشاريع الاستراتيجية، لا سيما البنية التحتية والنقل والطاقة والاتصالات والمياه والغذاء، وتعزيز تكامل البنية التحتية الرقمية، وتيسير التجارة الإلكترونية، ودعم تطوير الأنظمة المشتركة للدفع الرقمي والخدمات السحابية.

كما أكد القادة أهمية مواصلة التنويع الاقتصادي وتعزيز الاقتصاد القائم على الابتكار والاستدامة.

إستراتيجية للذكاء الاصطناعي

وشدد القادة على أهمية تعزيز التعاون في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، في إطار استراتيجية خليجية مشتركة تُسهم في تعزيز التكامل المعرفي، وتبادل الخبرات في مجال التحول الرقمي، والتصدي للجرائم الإلكترونية، وتوفير بيئة رقمية آمنة للمجتمعات، وتعزيز المشاركة الفاعلة للشباب والمرأة في المسيرة التنموية.

كما تم التأكيد على المسؤولية البيئية وتشجيع المبادرات المستدامة، وتجديد الالتزام بحماية البيئة ومواجهة تحديات التغير المناخي، وتعزيز مشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة.

الأمن الإقليمي

وشدد القادة على تعزيز التعاون الدولي لصون الأمن الإقليمي، وتوطيد أواصر الشراكة والتعاون السياسي والأمني والاقتصادي مع الدول الصديقة والمنظمات الدولية والتكتلات الاقتصادية، وتعزيزها في مجالات التنمية المستدامة، ومكافحة جميع أشكال التطرف والإرهاب، وخطابات الكراهية والتحريض، والتصدي للجرائم العابرة للحدود، ودعم جهود القوات البحرية المشتركة، ومقرها البحرين، بما يعزز أمن الطاقة وحماية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، والعمل على جعل الشرق الأوسط خال من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، ودرء سباقات التسلح.

كما أعرب القادة عن تقديرهم لمشاركة رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، في جلسة المباحثات بين الجانبين، التي ركزت على تعزيز علاقات الصداقة التاريخية الراسخة، وتم الاتفاق خلالها على وضع خطة عمل مشترك للارتقاء بالعلاقات إلى شراكة استراتيجية شاملة.

وأكد أصحاب الجلالة والسمو ضرورة تطوير آليات التعاون المؤسسي لتوسيع آفاق التضامن الأخوي والتكامل الاستراتيجي.

البيان الختامي

وصدر عن الدورة الـ46 للمجلس الأعلى بيان ختامي من 161 بنداً تناول الشأن الخليجي والعربي والاقليمي والدولي، وابرز ما جاء فيه:

• تقدير الجهود التي بذلها سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد خلال فترة رئاسة الكويت للدورة الـ45، وما تحقق من إنجازات.

• الاطلاع على التقدم في تنفيذ رؤية الملك سلمان بن عبدالعزيز لتعزيز العمل الخليجي لعام 2015، والتأكيد على التنفيذ الكامل والدقيق لها.

• الاطلاع على ما وصلت إليه المشاورات بشأن مقترح الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد.

• اعتماد إنشاء هيئة الطيران المدني لدول المجلس، ومقرها الإمارات، واتفاقية ربط دول المجلس بمشروع سكة الحديد.

• اعتماد القواعد الموحدة لملاك العقارات المشتركة بدول مجلس التعاون.

• أهمية دعم استقرار أسواق الطاقة عالمياً، وتبني نهج متوازن وابتكار تقنيات لإدارة الانبعاثات والاستفادة من جميع مصادر الطاقة.

• تهنئة الكويت بمناسبة اختيارها عاصمة الثقافة والإعلام العربي لعام 2025، والترحيب باستضافتها للقمة العربية الصينية في 2030، وباستضافة كأس آسيا لكرة اليد 2026.

التأكيد على أن حقل الدرة يقع بأكمله في المناطق البحرية لدولة الكويت، وأن ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المقسومة المحاذية للمنطقة المقسومة السعودية – الكويتية، بما فيها حقل الدرة بكامله، هي ملكية مشتركة بين السعودية ودولة الكويت فقط، والرفض القاطع لأي ادعاءات بوجود حقوق لأي طرف آخر في هذا الحقل أو المنطقة المغمورة.

• كما أكد المجلس مواقفه وقراراته الثابتة تجاه العراق، ودعم الجهود القائمة لتحقيق الأمن والاستقرار فيه، ومساندته في مكافحة الإرهاب. كما أكد مواقفه الثابتة وقراراته بشأن أهمية تنظيم الملاحة في خور عبدالله، واحترام العراق لسيادة الكويت ووحدة أراضيها وكامل مناطقها البحرية، ودعا بغداد إلى الالتزام باتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبدالله.

ورحب المجلس باعتماد مجلس الأمن بالإجماع قراراً بشأن استمرار متابعة مجلس الأمن لملفي الأسرى والمفقودين الكويتيين، والممتلكات الكويتية، من خلال تعيين ممثل للأمين العام، لدعم الجهود ذات الصلة.

• تأكيد المواقف الثابتة بشأن إدانة استمرار احتلال إيران للجزر الاماراتية الثلاث ‌ودعم حق سيادة الإمارات عليها واعتبار أي ممارسات تقوم بها إيران باطلة وملغاة.

• دعم كامل لمجلس القيادة الرئاسي والكيانات المساندة له لتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن، وادانة استمرار الاحتجاز التعسفي من قبل ميليشيات الحوثي، لعدد من موظفي الأمم المتحدة والبعثات الدبلوماسية.

• أكد المجلس الأعلى على أهمية احترام سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، ورفض التدخلات الأجنبية في شؤونها، والترحيب بإعلان دمشق التوصل إلى خريطة طريق لحل الأزمة في محافظة السويداء وبالاتفاق الذي يقضي باندماج كل المؤسسات في شمال شرق سوريا ضمن مؤسسات الدولة، وادانة الهجمات والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة. واشاد المجلس بجهود السعودية في المساهمة برفع العقوبات عن سوريا، مثمناً استجابة الرئيس الامريكي لطلب المملكة. وأشاد ايضاً بجهود الإمارات باستثماراتها في ميناء طرطوس، وبالجهود القطرية.

• تأكيد المواقف الثابتة مع لبنان ودعم سيادته واستقراره، وقرارات الرئيس والحكومة، وأهمية تنفيذ إصلاحات، وعدم تحوله إلى نقطة انطلاق للإرهاب أو تهريب المخدرات، وضرورة تطبيق قرارات مجلس الأمن، واتفاق الطائف، والترحيب بقرار حصر السلاح.

• دعم جهود تحقيق السلام في السودان، والاشادة بجهود الأمير محمد بن سلمان في هذا الاطار.

• تأكيد المواقف والقرارات الثابتة بشأن العلاقات مع إيران، وضرورة حل الخلافات بالطرق السلمية، ونبذ الإرهاب والتطرف والطائفية. والاشادة بالجهود التي تبذلها سلطنة عمان في سبيل تيسير الحوار بين إيران والولايات المتحدة بشأن الملف النووي.

والتشديد على أهمية التعاون البناء بين إيران والوكالة الذرية، وعبر عن إدانته للهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية.

قمة خليجية – إيطالية

عُقدت القمة الخليجية – الإيطالية في المنامة، بحضور رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني التي تشارك إيطاليا كضيف شرف في القمة الخليجية الـ46.

وقالت ميلوني: «نسعى للعمل مع دول الخليج لإرساء الأمن العالمي».

وأوضحت أن إيطاليا ستكون بوابة لدخول دول الخليج إلى السوق الأوروبي. وأبرزت فرص التعاون في مجال الطاقة، مشيرة إلى استعداد روما لاستضافة قمة بين دول البحر المتوسط ودول الخليج.

من جانبه، أكد أمين مجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، أن العلاقات الخليجية – الإيطالية ممتدة وراسخة. وأشار إلى أن التبادل التجاري مع إيطاليا في عام 2024 تجاوز 35 مليار دولار.

انعقاد المجلس التنسيقي السعودي – البحريني

ترأس ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وولي العهد البحريني الأمير سلمان بن حمد، الاجتماع الرابع لمجلس التنسيق السعودي – البحريني في العاصمة البحرينية المنامة.

كما بحث ولي العهد السعودي، مع رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، على هامش أعمال الدورة الـ46، سبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين في مجالات عدة. كما تطرق اللقاء إلى آخر المستجدات الإقليمية والدولية والجهود المبذولة بشأنها.

البديوي: السياسات الحكيمة أثمرت نموذجاً ناجحاً للعمل الإقليمي

من جانبه، شدد الأمين العام لدول مجلس التعاون، جاسم البديوي، أن مصير دول الخليج مصير واحد، وأن أمن قطر جزء لا يتجزأ من الأمن الخليجي، إذ إن أي تهديد تتعرض له دولة خليجية، يعد تهديدا مباشرا لكل دول المجلس. وقال إن حادثتين برهنتا أن ما يجمع دولنا ليس فقط الجوار، بل القرار والدار والذِّمار، الحادثة الأولى هي الهجمات الصاروخية الإيرانية التي طالت قطر، في عدوانٍ مرفوضٍ وانتهاكٍ صريح لسيادتها ومجالها الجوي ومبادئ حسن الجوار، والحادثة الثانية العدوان الإسرائيلي الغاشم على دولة قطر، خلال جهود الوساطة، في اعتداءٍ صارخ على الجهود الدولية الرامية لوقف الحرب.

في المقابل، أشار البديوي إلى أن «قضية فلسطين» كانت وستبقى مواقف دول مجلس التعاون تجاهها «صامدةً وثابتةً ثبات القيم، لا تنحرف ولا تتبدل، ولا تزال دول المجلس تؤكد مركزية هذه القضية، وضرورة إنهاء الاحتلال، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية».

واشاد البديوي بدور المملكة العربية السعودية في قيادة الجهود الدولية لتنفيذ حل الدولتين، ورحب بنتائج المؤتمر الدولي للتسوية السلمية بالقضية الفلسطينية في نيويورك، وبمخرجات قمة شرم الشيخ للسلام، منوهاً بأن السياسات الحكيمة لدول مجلس التعاون أثمرت نموذجًا ناجحًا للعمل الإقليمي المشترك، جمع بين الاستقرار السياسي، والازدهار الاقتصادي، والتعاون الأمني، حتى أصبح مجلس التعاون منارةً مضيئة تُقصد للشراكات الإقليمية والدولية.