العالم على أعتاب ثورة التوصيل

تيم برادشو وديف لي - «فايننشال تايمز»

ترجمة: إيمان عطية

أدرك دومينيك لوشر، رجل الأعمال المخضرم في خدمات البقالة عبر الإنترنت في أوروبا، إمكانات تطبيق التوصيل السريع أثناء اجتماع لمجلس إدارة سلسلة سوبر ماركت تركية في عام 2018.

أثناء اجتماع المديرين، طلب بعض المشاركين القهوة، في حين أخرج لوشر هاتفه الذكي وطلب علبة كوكا كولا وبعض الفستق من تطبيق جديد لتوصيل البقالة. بعد سبع دقائق، يتذكر لوشر، كانت علبة الكولا على طاولة الاجتماع، بينما كان زملاؤه لا يزالون ينتظرون قهوتهم.

استناداً إلى مفهوم أن خدمات التوصيل الفائقة السرعة ستحدث ثورة في التسوق اليومي، ذهب لوشر للاستثمار في سوبر ماركت على الإنترنت مع توصيل فائق السرعة للطلبات أطلق في لندن في أوائل أبريل، ويخطط لفتح 20 مستودعاً في جميع أنحاء المملكة المتحدة هذا العام.

ويقول في هذا الصدد: «جميع المتاجر في أركان المدينة وزواياها الصغيرة وكل سوبر ماركت صغير، كان مستثنى من التواجد ضمن محلات السوبر ماركت على الإنترنت، لأن خدمات سوق البقالة عبر الإنترنت مصممة حول متجر كبير، لكن القلعة المحمية جيداً تم اختراقها الآن».

التطبيق الجديد ليس سوى واحد من بين مجموعة متزايدة من تطبيقات التوصيل السريع، التي استفادت من ثروة التمويل التي يغذيها الإغلاق بسبب الجائحة، إذ ضخ المستثمرون ما يقرب من 14 مليار دولار في خدمات توصيل البقالة عند الطلب على مستوى العالم منذ بداية الجائحة، وفقاً لبيانات صادرة عن «بيتشبوك»، مع وصول المزيد من التمويل خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021 مقارنة بالعام الماضي بأكمله.

فوائد كبيرة

إن المفهوم المألوف منذ فترة طويلة عن خدمة التوصيل عند عتبة الباب، الذي قد تعود أصوله إلى عملية توصيل الحليب المتواضعة، انطلقت بقوة بدافع من مزيج يجمع بين الجائحة وآلة الضجيج لوادي السيليكون.

يقول أليكس فريدريك من بيتشبوك: «إحدى الفوائد الكبيرة خلال العام الماضي هي كل هذا التبني القسري بسبب عمليات الإغلاق، لقد منحتهم شركات خدمات التوصيل الكثير من بيانات المستهلكين لتحسين منتجاتهم، ولذا نرى هذه الشركات تجمع كل هذه الرساميل لخدمة ما يريده زبائنها بشكل أفضل».

وأظهرت التطبيقات، التي تركز على المطاعم والوجبات الغذائية، شهية المستهلك لعمليات التوصيل التي يتم طلبها عبر الإنترنت، والتي تصل في أقل من 30 دقيقة. لكن الجيل الجديد من الشركات الناشئة التي تتطلع إلى سوق البقالة الأكبر، والتي تقدر بنحو تريليون دولار في الولايات المتحدة، وأكثر من تريليوني يورو في أوروبا، تعد بتقديم سلة من الضروريات في غضون 10 دقائق فقط.

رسوم التوصيل

على سبيل المثال، تفرض شركة غوريلا Gorillas، ومقرها برلين، رسوماً على سكان لندن بقيمة 1.80 جنيه إسترليني لتسليم أي شيء من تفاحة سعرها 30 بنساً، إلى علبة عصير التفاح بقيمة 10 جنيهات إسترلينية، ومن البيتزا المجمدة إلى شرائح لحم الضلع النيئة، من دون وضع حد أدنى لقيمة الطلب.

وتفتخر شركة غيتير Getir، التي يعني اسمها بالتركية «أحضرها»، بقدرتها على تقديم أكثر من ألف منتج من المنظفات إلى طعام الكلاب ورقائق البطاطس، وفي الوقت الحالي لا تفرض رسوم توصيل على الطلبات التي تزيد على 10 جنيهات إسترلينية.

ويتراوح زبائن هذا النوع من الخدمات بين الآباء المرهقين الذين يحتاجون إلى حفاضات طارئة، إلى المهنيين الشباب المشغولين الذين لا يرغبون في التخطيط لأيام التسوق مسبقاً. ثم هناك ببساطة الذين لا يتحركون عن الأرائك مع وجباتهم الخفيفة في وقت متأخر من الليل، مثل الطالبين الجامعيين اللذين أسسا غوبوف GoPuff في عام 2013، الرائدة في مفهوم التوصيل للمتاجر الصغيرة في الولايات المتحدة.

ويتم إنجاز التسليم السريع لهذه التطبيقات من خلال مجموعة من المستودعات المحلية الصغيرة وجيش من السعاة، ومجموعة محدودة من السلع الأساسية المنزلية ودلو النقود.

تمويلات قياسية في الجائحة

في مارس وحده، جمعت شركة غيتير 300 مليون دولار، أي بعد شهرين فقط من إغلاق تمويل بقيمة 128 مليون دولار. وتلقت شركة غوريلا 290 مليون دولار بعد تسعة أشهر من إطلاقها، وضاعفت غوبوف، ومقرها فيلادلفيا، تقييمها إلى 8.9 مليارات دولار في غضون ستة أشهر، بعد أن جمعت 1.15 مليار دولار وجمع تطبيق التوصيل الأسباني «غلوفو» Glovo 450 مليون يورو.

ويقول أوسكار بيير، الرئيس التنفيذي لشركة غلوفو Glovo، الذي شارك في تأسيس الشركة في برشلونة عام 2015 «خلال كوفيد، تغيّر كل شيء، الطلب المتزايد من جانب المستهلكين المحبوسين في منازلهم عزز من إمكانية التسليم الفوري عبر الإنترنت لكل من المستثمرين وتجار التجزئة على حد سواء، هناك الآن شهية كبيرة جداً لمشتريات محلات البقالة».

أوقات غير مسبوقة

تقول أوفيليا براون، المستثمرة في شركة بلوسوم كابيتال Blossom Capital، التي تتخذ من لندن مقراً لها: إن هذه أوقات غير مسبوقة لمقدار رأس المال الذي يذهب إلى الشركات في المراحل المبكرة، والبقالة واحدة من أبرز الأمثلة على ذلك. وتضيف: «بعض الشركات الناشئة في مجال التوصيل كانت تتلقى تمويلاً كبيراً من الصعب تحديد التأثير الذي سيحدثه هذا القدر من رأس المال، الذي يذهب إلى هذا المجال دفعة واحدة، لأنني لا أعتقد أننا رأينا شيئاً مثل ذلك».

وأضافت براون: «من المضلل أن يتجنّب المستثمرون تطبيقات البقالة بسبب الطرح العام الأولي لشركة ديليفرو، الذي ألقت باللوم عليه بسبب أوجه القصور في سوق الاكتتاب العام في المملكة المتحدة بدلاً من جاذبية خدمات توصيل الطعام، سيكون الأمر أشبه بعدم الاستثمار في المواد الغذائية بعد الاكتتاب العام الأولي الفاشل لـ(أوكادو)».