المستهلكون يواجهون ارتفاع الأسعار

جون غابر- فايننشال تايمز

ترجمة: إيمان عطية

هناك مغزى أخلاقي للأنباء التي تقول إن برومبتون، الشركة البريطانية للدراجات الهوائية القابلة للطي الباهظة الثمن، من المرجح أن ترفع أسعارها بنسبة %10 هذا العام، في حين ستتوقف شركة إل جي، مجموعة الإلكترونيات الكورية الجنوبية، عن إنتاج الهواتف المحمولة. والشركات التي تستطيع فرض رسوم أكبر تفعل ذلك، وتلك التي لا تستطيع هي في مأزق.

تعد برومبتون من بين العديد من الشركات التي تأمل الآن في تمرير ارتفاع أسعار المواد الخام، مثل الألمنيوم والصلب، بالإضافة إلى أسعار أعلى بكثير لنقلها في مختلف أنحاء العالم. هذه التكاليف يجب أن يتحملها شخص ما، وهذا الشخص هو نحن.

لقد اعتدنا على دفع أسعار منخفضة لأجهزة التلفزيون والألعاب والأثاث المصنعة في الصين ومختلف بلدان آسيا للمستهلكين العالميين، لدرجة أن العناوين الرئيسية شكلت مفاجأة. أصبحت أجهزة التكييف أغلى في الهند، والأخشاب الشحيحة تزيد من تكلفة البناء في الولايات المتحدة، وحتى ورق الحمام ترتفع أسعاره.

ستكون الأسعار المرتفعة جزءاً من حياتنا لفترة من الوقت، ليس فقط للعقارات والتعليم الجامعي والعلاج الطبي، بل وللسلع الاستهلاكية المعمرة. فالعديد من السلع التي تدفقت بسهولة لعقود من سلاسل التوريد والإمدادات العالمية إلى المتاجر والمستودعات التي تديرها «أمازون» وغيرها ستصبح أكثر تكلفة.

ربما هذا جيد، إذ لا يمكن أن أكون الشخص الوحيد الذي يشعر بالذنب لأنني أشتري الكثير من الأشياء بدافع خفي، لأنه من الأسهل الضغط على زر لطلب منتج جديد يصل إلى باب منزلي بدلاً من إصلاح المنتج القديم أو حتى العثور عليه. الأسعار المرتفعة هي إحدى الطرق لإدخال بعض التغييرات اللازمة لعادات المستهلكين.

الخدمات الباهظةلكن الخدمات الباهظة الثمن لن تصبح أرخص للتعويض عن السلع الرخيصة التي ستصبح باهظة الثمن. وارتفعت تكلفة التعليم الجامعي في الولايات المتحدة بنسبة %170 في 20 عاماً حتى ديسمبر الماضي (أكثر من ثلاثة أضعاف الارتفاع في مؤشر أسعار المستهلك بنسبة %55) بينما ارتفعت رسوم رعاية الأطفال ودور الحضانة بنسبة 106%، وفقا للبيانات التي جمعها مارك بيري من معهد أميركان إنتربرايز.

في الوقت نفسه، انخفضت أسعار أجهزة التلفزيون بنسبة %97 وأسعار الألعاب بنسبة %73 وبرامج الكمبيوتر بنسبة %70. والأمر ليس لغزاً، فشركات الإلكترونيات الاستهلاكية تتعرض للقوة الكاملة للمنافسة العالمية وسلاسل التوريد في حين أن هارفارد وبرينستون ومدرسة الحضانة المحلية ليست كذلك. والآباء مستعدون تماماً لدفع مبالغ كبيرة مقابل مستقبل أفضل لأطفالهم.

وهناك قصة مماثلة عن العولمة والأسعار ظهرت في أماكن أخرى. إذ وجدت دراسة للاقتصاد القياسي من جامعة كامبريدج أن هناك انخفاضاً حاداً ومستمراً في أسعار الملابس والأحذية المعدلة حسب التضخم في فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بين السبعينيات و2015، وذلك بفضل زيادة التجارة والاستثمار عبر الحدود.

هذا الانخفاض الطويل اصطدم بحاجز الآن. قد يكون ذلك مؤقتاً، فعلى الرغم من تراجع «إل جي» عن صناعة الهواتف المحمولة، بعد أن خسرت ما يقرب من 4.5 مليارات دولار على مدى السنوات الخمس الماضية، تتوقع منافستها سامسونغ للإلكترونيات زيادة بنسبة %45 في أرباح الربع الأول من المبيعات القوية للهواتف. سلاسل التوريد لا تزال تعمل، كما أن الطلب المرتفع، الذي تغذيه برامج التحفيز الأميركية البالغة قيمتها 1.9 تريليون دولار، يمكن أن يجعلها تعمل بشكل أسرع.

صدمات العرضوأشار جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي، إلى أن صدمات العرض مؤقتة، وأن تعافي النشاط الاقتصادي مع خروج الولايات المتحدة من الوباء لن يكون له سوى تأثير تضخمي عابر. فالمزيد من البلاستيك والألمنيوم ورقائق الكمبيوتر سيخفف الألم.

لكن الأسعار قد لا تنخفض مرة أخرى بسهولة، فالعقبات الأخرى تكمن في طريق العودة للسلع التي تصبح أسعارها أرخص باستمرار. وأحد أسباب النمو في تكاليف بناء المنازل في الولايات المتحدة هو أن العديد من المواد الخام، بما في ذلك الصلب والألمنيوم والأخشاب، تواجه رسوم استيراد وتعريفات جمركية، فرض بعضها دونالد ترامب عندما كان رئيساً لأسباب تتعلق بالأمن القومي.

وعانت التجارة العالمية من العديد من الضغوط، من توتر الولايات المتحدة مع الصين بشأن الأمن وحقوق الإنسان، إلى قومية اللقاحات وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وأشارت دراسة كامبريدج إلى أن عضوية المملكة المتحدة في السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي شجعت إنتاج السيارات وساعدتها على مواكبة وتيرة التخفيضات الحقيقية في الأسعار، التي لوحظت في أماكن أخرى من العالم. أصبح ذلك تاريخاً الآن.

تقييد سلاسل التوريدكان لدى الناخبين أسبابهم في الرغبة في تقييد سلاسل التوريد العالمية، التي لم تخفض أسعار السلع الاستهلاكية المعمرة فحسب، بل سمحت أيضاً للعديد من الوظائف بالانتقال إلى الخارج. لكنهم يتعرضون للتأثير عند التسوق في المنزل: فهو يكلف أكثر، وقد يستمر في ذلك.

قد يعتقد البعض أن هذا الأمر له ما يبرره، لكنه سيجهد أولئك الذين لا يستطيعون تحمله. كانت أسرع زيادة في الأسعار خلال العقدين الماضيين في السلع الفاخرة أو الخدمات التي تستهدف الأثرياء، مثل التعليم الخاص والرعاية الصحية. من الجيد بالنسبة لهم أن تكون أجهزة التلفزيون رخيصة الثمن، ولكنها ليست ضرورية.

وسيؤدي التضخم في السلع الاستهلاكية المعمرة والسلع المتداولة إلى التهام المزيد من ميزانيات الأشخاص ذوي الدخل المنخفض، الذين يفتقرون إلى الحماية التي توفرها الثروة. لم يحدث ذلك لفترة طويلة لدرجة أنه سيكون بمنزلة صدمة، فالأجهزة التي جرى تحديثها باستمرار يجب الاحتفاظ بها الآن لفترة أطول. وأولئك القادرون على دفع 3 آلاف جنيه إسترليني مقابل دراجة برومبتون قد لا يمانعون إذا ارتفع السعر. بالنسبة للآخرين سيكون التضخم أكثر صعوبة.