رسالة إلى رئيس الوزراء

سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد النواف الصباح، حفظك الله ورعاك.

لا أفضل عادة مخاطبة القيادة السياسية بمقال صحافي، فقد تعودنا في الكويت على أن يكون الخطاب أو النقاش او حتى النصيحة وجهاً لوجه، إلا أن الأوضاع السياسية، وسرعة تداول الأحداث وعلمي بانشغالكم في هذه الفترة، أسباب دفعتني أن أكتب لك هذا المقال من أخ كبير لأخيه الذي يعرف.. من شخص له تجربته السياسية المتواضعة قضى خلالها ما يزيد على أربعين عاماََ في العمل العام.

بداية سمو الرئيس، كلنا يستذكر الخطاب التاريخي لسمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، هذا الخطاب الذي جاء بعد فترة مظلمة من تاريخ الكويت ليضيء لنا طريق الإصلاح بعد أن طغى الفساد وتمكن من مفاصل الدولة.

وقدرك يا سمو الرئيس أن تكون من وقع عليه الاختيار لتنال ثقة القيادة السياسية وشرف خدمة الوطن، وتكون رأس الحربة الذي يترجم مضامين هذا الخطاب الى واقع، فالخطاب كما تعلم عبارة عن خطوط عريضة، تضمن القواعد الاساسية للاصلاح وتطوير الوطن وعلاج للمنحدر الذي آلت إليه البلاد في الفترة الأخيرة من دمار وفساد سياسي وأخلاقي ومالي وأن الحكومة هي المعنية بترجمة هذه المضامين الى أرض الواقع.

لن أتكلم عن جميع مضامين هذا الخطاب، فهو منهج متكامل، وخطة عامة لعمل الحكومة، ولكن سأتناول نقطة رئيسية مرتبطة به، فلقد تمنى سمو ولي العهد من الشعب الكويتي أن يحسنوا الاختيار لأعضاء مجلس الأمة القادم بعبارات واضحة: «أقول للمواطنين المرحلة المقبلة تتطلب منكم حسن اختيار من يمثلكم التمثيل الصحيح الذي يعكس تطلعاتكم ويحقق آمالكم وينفذ رغباتكم، نناشدكم ألا تضيعوا فرصة تصحيح مسار المشاركة الوطنية حتى لا نعود الى ما كنا عليه، الاختيار غير الصحيح سيضر بمصلحة البلاد والعباد... نطلب من الجميع ادراك حجم المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقكم في المشاركة الإيجابية في عملية الانتخاب والحرص كل الحرص على اختيار القوي الأمين».

سمو الرئيس، هذه فقرة من الخطاب التاريخي لسمو ولي العهد ولا ابالغ ان قلت إنها لب الخطاب ومكمن اصلاح الخلل، فقد بينت هذه الفقرة أن على الشعب واجب إن اراد رفعة الوطن، فجوهر عملية الاصلاح وبداية النهضة بيد ابناء الوطن، بتجسيد سيادة الامة بالرقابة والتشريع على اكمل وجه، ولا يخفى ان تمكين الامة من ممارسة صلاحياتها حق اصيل بينه الدستور وصدحت به نصوصه، وأن تنظيم هذا الحق مقيد بتمكين الامة من بيان ارادتها بلا تزييف أو تشويه، فالمعلوم للجميع مدى الخلل في القيود الانتخابية والعوار الذي اصابها، فهي لا تعكس الا تمكيناً لقوى الفساد من العبث بإرادة الناخبين.

سمو الرئيس، ان تعديل قانون الدوائر الانتخابية، قانون الانتخاب وتنظيم التصويت بالبطاقة المدنية وإنشاء المفوضية العليا للانتخابات وقانون المحكمة الدستورية، اولى خطوات الاصلاح وبداية فك القيد عن ارادة الامة واعادة الخلل في ميزان السلطات العامة.

إن الكويت برمتها تعرف نظافة يدك وحسن اخلاقك وتربيتك ببيئة صالحة، ونشهد لك جميعا بالرغبة الحقيقية بإصلاح الوطن، لكن ذلك كله يجب ان يرتبط بعمل جاد وحقيقي ونوايا صافية شفافة، بل وادعوكم لأكبر من ذلك، أن تقود الحكومة عملية الاصلاح وتحمل لواء تطهير الوطن من الفساد، وأن تسعى قبل غيرها لإقرار هذه القوانين على وجه الاستعجال بالتعاون مع المجلس المقبل، فهي كما وصف احد فقهاء القانون، خاصة التصويت بالبطاقة المدنية، ضرورة ملحة قد يستدعي تنظيمها بمراسيم ضرورة.

ان وطننا يا سمو الرئيس، على الرغم من حجم المساحة الصغيرة له، فإنه قادر فاعل متمكن، وأثره واضح داخليا وخارجيا ولا يحتاج الا فك قيد الفساد عنه وجهدا كبيرا وعملا حقيقيا لترجمة ذلك كله الى واقع يحقق الرخاء والتقدم والنهضة للكويت الحبيبة العزيزة.

أخيراً، أتمنى لسموكم النجاح بمهمتكم وأن يجعل الله التوفيق حليفكم.

جاسم العون