اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ١ تشرين الثاني ٢٠٢٥
في عصر تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتنوع مصادر المعرفة، تبرز المدرسة كمؤسسة تربوية محورية لا تقتصر على التعليم الأكاديمي فقط، بل تتحمل مسؤولية بناء الشخصية الأخلاقية للطلاب. ومع تزايد السلوكيات الغريبة وغير الحضارية في مجتمعنا، أصبح تطوير مناهج المرحلة الابتدائية ضرورة ملحة لبناء جيل متسامح ومتحضر.
تمثل المرحلة الابتدائية اللبنة الأساسية في تشكيل وعي الطالب وانتمائه، حيث يبدأ في تكوين هويته واستقبال المؤثرات المتباينة. وإهمال التوجيه الأخلاقي في هذه المرحلة الحساسة يجعل الأطفال عرضة لاستقبال أفكار متطرفة أو الانغلاق على الذات.
وخير دليل على عمق المشكلة ما واجهه أحد أولياء الأمور في الماضي عند مراجعة منهج ابنته، حيث صادف سؤالاً نصه: «هل يجوز التعامل مع غير المسلم؟» وكانت الإجابة النموذجية: «نعم يجوز، ولكن بحذر شديد!»، هذه الإجابة ليست خطأ أكاديمياً فحسب، بل هي رسالة سلبية تزرع في عقل الطفل الشك والريبة، بدلاً من قيم التعايش والاحترام.
كما ينبغي أن يمتد التطوير إلى أدق التفاصيل اللغوية والسلوكية في المناهج. فالتركيز والتكرار لعبارات مثل «من فضلك» و«شكراً» و«آسف» في النماذج التعليمية، بدلا من أسلوب الأمر المباشر، يساهمان في تشكيل شخصيات مراعية لمشاعر الآخرين.
لقد شاهدنا تدهوراً ملحوظاً في السلوك العام في السابق تجلى في استهتار سائقي السيارات، وانتشار رمي النفايات في الأماكن العامة، بل ووصل الأمر إلى التطاول بالأيدي في جلسات مجلس الأمة. هذه المظاهر تعكس أزمة قيم حقيقية تحتاج إلى معالجة جذرية.
ولا يمكن إغفال الدور المحوري لوزارة الإعلام والمؤسسات الإعلامية في هذا المجال. فالإعلام شريك استراتيجي للتعليم في تشكيل وعي الجمهور، وعليه أن ينتقل من بث الخطاب التلقيني إلى إنتاج محتوى هادف يروج لثقافة الحوار والتسامح، ويقدم نماذج إيجابية للتعايش.
الهدف الأساسي هو بناء «المناعة الفكرية» والوجدان الأخلاقي لدى الطالب، من خلال غرس قيم التسامح والإنصات واحترام كرامة الإنسان والممتلكات العامة. وهذا لن يتحقق بحصص منفصلة، بل بدمج القيم في جميع المواد الدراسية.
إن الاستثمار في هذا النهج التربوي ليس ترفاً، بل هو استثمار في الأمن الفكري والاجتماعي للوطن. وغرس القيم في قلوب وعقول طلاب المرحلة الابتدائية هو اللبنة الأولى لضمان مستقبل يسوده السلام والاحترام المتبادل.
إنها مسؤولية مشتركة بين وزارتي التربية والإعلام ومؤسسات الدولة ككل، لتخريج جيل لا يتقن قراءة الحروف والأرقام فقط، بل يمتلك ميزاناً أخلاقياً يميز بين الصواب والخطأ، ويقدّر قيمة التنوع الإنساني، ويحترم القوانين والممتلكات العامة.
وليد الخبيزي


































