التداعيات الخطيرة لتحالف «أكوس»

يمكن القول إنه في سبتمبر 2021 نشأ تحالف أمني ثلاثي بين الولايات المتحدة وإنكلترا وأستراليا. يضاف إلى مجموعة التحالفات الأمنية التي ينوي الرئيس «جو بايدن» تأسيسها، والتي بدأها بالفعل بتحالف كواد الأمني الرباعي، لتحقيق غرض واحد رئيسي، وهو ردع الصعود الصيني وطموحاته خاصة في منطقة الباسفيك وبحر الصين الجنوبي.

ويتميز «أكواس» بأنه تحالف «نووي». والتداعيات الخطيرة لهذا الأمر متعددة، والأخطر منها هو تأجيج السباق والانتشار النووي بين واشنطن وبكين في الباسفيك في إطار الحرب الباردة الدائرة بينهما حالياً. فبكين لم تقف مكتوفة اليد إزاء انتشار نووي بحرى في الباسفيك يعمل على تقويضها، ومن شأن «أكواس» أيضا، تأجيج سباق نووي في آسيا، واتخاذ كوريا الشمالية مواقف أكثر تصلباً في برنامجها النووي. وربما تحذو موسكو حذو كوريا الشمالية إزاء الحد من ترسانتها النووية.

وأثار «أكوس» شقاقاً حاداً بين فرنسا من جهة، وثلاثي أكواس من جهة أخرى. ومكمن هذا الخلاف يتمحور حول غضب فرنسا الشديد من إلغاء أستراليا لصفقة «الغواصات الكبرى، التي توصف في فرنسا بصفقة «القرن». مقابل شراء أستراليا غواصات أميركية تعمل بالطاقة النووية، وقادرة على حمل رؤوس نووية. ووصفت فرنسا إلغاء الصفقة بـ»الخيانة المتعمدة» من قبل ثلاثي «أكواس»، كما استدعت سفيرها من كل من أستراليا والولايات المتحدة احتجاجاً على ذلك، في سابقة نادرا ما تحدث بين شركاء الأطلسي التاريخيين.

وحقيقة الأمر، أن إلغاء أستراليا للصفقة الفرنسية، لم يأت فقط بسبب أفضلية الغواصات الأميركية على الغواصات الفرنسية، بل أيضا من التغيير الاستراتيجي لأستراليا بشأن التهديد الصيني، وضرورة مشاركة الولايات المتحدة في تحالفاتها الأمنية لردع هذا التهديد، حيث إن أستراليا شريك أيضا في تحالف «كواد الرباعي». وتمتعت العلاقات الأسترالية- الصينية على مدار عقد تقريبا بعلاقات متميزة، وتعد الصين أكبر شريك تجاري لأستراليا. لكن رغم ذلك، بدأت هناك مخاوف كبيرة من أستراليا من الصين على خلفية توسع نفوذ الصين داخل أستراليا، والسياسات التوسعية والعنيفة العسكرية للصين في المحيط الهادئ، والتي رويدا رويدا ستشكل تهديدا أمنيا خطيرا لأستراليا ذاتها التي تبعد عن بكين بآلاف الأميال.

ويمكن القول، إن الشقاق الحاد بين فرنسا ودول «أكوس» يعد مقدمة لمزيد من شقاق حاد أوروبي- أميركي حول التعاطي مع الصين، إذ أن هناك تباينا كبيرا في الرؤى بين أوروبا وخاصة فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة حول التهديد الصيني. فالصراع الأميركي مع الصين يندرج في المقام الأول والأخير في إطار حرب باردة للصراع على زعامة النظام الدولي، بينما ترفض معظم الدول الأوروبية بما فيها فرنسا وألمانيا الانخراط في صراع مع الصين من منطلق صراع استراتيجي أو تأجيج حرب باردة معها، ولا ترى بالتالي أوروبا الصين تهديدا استراتيجيا للنظام الدولي فيما عدا إنكلترا، ففرنسا الطرف الرئيسي في صراع أكواس، يتمحور خلافها مع الصين حول ملف حقوق الإنسان وخاصة ملف «مسلمي الإيغور». بينما ترى ألمانيا في توسع النفوذ الاقتصادي للصين تهديدا لاستقلال أوروبا الاقتصادي، وليس الاستراتيجي أو الأمني.

وختاما نقول، أن لأكوس تداعيات خطيرة جدا على مستوى السباق النووي في آسيا، وعلى التحالف الاستراتيجي بين أوروبا والولايات المتحدة ومضامين هذا التحالف خاصة حلف «الناتو».