الباب الدوار.. لعبة المال والسياسة

روبرت شريمسلي – «فايننشال تايمز»

ترجمة: إيمان عطية

«كلنا نعرف كيف تجري الأمور هنا. وجبات الغداء وكرم الضيافة وهمس كلمة في الأذن وتعيينات الوزراء والمستشارين السابقين ومساعدة الشركات الكبرى على إيجاد الطريق الصحيح لشق طريقها إلى حيث تريد»، هكذا قال ديفد كاميرون في عام 2010، في خطاب حول ممارسات جماعات الضغط قبل فترة قصيرة من توليه منصب رئيس الوزراء.

بعد عقد من الزمان أصبح من الواضح بشكل مؤلم أن الزعيم السابق كان يعرف بالفعل كيف تجري الأمور. ففي الأسابيع الأخيرة، تعرضت سمعة كاميرون لهجوم شديد عقب كشف تفاصيل عن جهود بذلها في الضغط نيابة عن الملياردير الأسترالي ليكس غرينسيل، الذي استطاع أن يخترق دوائر الحكم البريطانية واستقطاب رئيس الوزراء السابق ليعمل مستشارا لديه وإقامة روابط وثيقة مع كبار موظفي الدولة.

في التفاصيل الجديدة التي تتكشف كل يوم حول العلاقة بين الحكومة وشركة غرينسل كابيتال، شركة تمويل سلسلة التوريد التي انهارت الشهر الماضي، تبين أن كاميرون بوصفه رئيسا للوزراء، سمح لغرينسيل بالعمل من داونينغ ستريت، مقر إقامة وعمل رئيس الوزراء البريطاني حيث نصَّب نفسه مستشارا كبيرا، في مخطط ليس له قيمة واضحة للحكومة. ثم، بعد أن ترك السياسة، انضم إلى غرينسيل كمستشار بأجر، وفي هذا الدور ضغط على الوزراء لمصلحة الشركة المنهارة الآن.

كانت الرسائل النصية الخاصة التي أرسلها إلى وزير الخزانة ريشي سوناك على رقمه الشخصي سيكون لها وقع أسوأ لو لم يرفض مسؤولو وزارة الخزانة طلبات المساعدة التي سعى إليها كاميرون بشأن برامج الحكومة المتعلقة بفيروس كورونا والمخصصة لمساعدة المؤسسات التجارية. وقد صعق المسؤولون السابقون عندما سمعوا أن موظفا حكوميا كبيرا مسؤولا عن المشتريات الحكومية سمح له بالعمل لدى شركة غرينسيل أثناء وجوده في الحكومة. وفي مواجهة ضغوط متزايدة قالت الحكومة هذا الأسبوع إنها ستبدأ تحقيقا في القضية.

ولعل الجانب الأكثر إثارة للقلق في هذه القضية، وكما هو الحال مع الفضائح السابقة، ماكشفت عنه من ثغرات في اللوائح والقواعد التي تحكم العلاقة بين القطاعين الخاص والعام وجماعات الضغط. ورغم التفاصيل الصادمة، فإن هذا السلوك الأساسي على مرأى من الجميع. والهدف الرئيس من وضع سياسي كبير أو مسؤول رفيع المستوى في كشوف المرتبات الخاصة لأي شركة هو الأبواب التي يمكنهم فتحها.

قضية مثيرة

القضية الأكثر إلحاحاً وإثارة للجدل الآن هي ما يعرف بالباب الدوار بين الحكومة والقطاع الخاص، وهي قضية ابتليت بها العديد من الدول، ولكنها أصبحت أكثر تعقيدا بسبب الطبيعة المتغيرة للخدمة العامة. إذ تقوم الحكومات بتوظيف متخصصين في الصناعة لخبراتهم في القطاع الخاص وتأثيرهم داخل الشركات التي تحاول الحكومة تنظيمها أو التعامل معها، ومن أجل الحصول على الدعم السياسي (التبرعات والتأييد) من الشركات الخاصة.

في حين تقوم شركات القطاع الخاص، بدورها، بتعيين كبار الموظفين والوزراء السابقين (الذين تنتهي حياتهم المهنية قبل سن التقاعد بوقت طويل ما يدفعهم للبحث عن عمل ثان أكثر ربحا) في مناصب ريادية في الصناعات التي كانوا يعملون على تنظيمها، للوصول شخصيا إلى المسؤولين الحكوميين والسعي للحصول على تشريعات ولوائح مواتية وعقود حكومية مقابل عروض عمل عالية الأجر، والحصول على معلومات داخلية حول ما يجري في الحكومة.

إذاً ما مدى عمق العلة؟ يرغب معظم القادة البريطانيين في تهنئة أنفسهم على النظافة العامة لسياسات البلاد، خاصة عند إلقاء نظرة عبر القناة على القائمة اللامعة للساسة الفرنسيين الذين صدرت بحقهم إدانات جنائية أو حين ينظرون الى المبالغ الهائلة من الأموال التي تنفق في الحملات الانتخابية الأميركية.

ومع ذلك، فإن سجل المملكة المتحدة جيد وليس رائعا. في تصنيفات الفساد العالمية الصادرة عن منظمة الشفافية الدولية، تقع المملكة المتحدة خارج أفضل 10 دول، وتحتل المرتبة 11 من أصل 180، خلف نيوزيلندا وسنغافورة وعدد من الدول الأوروبية بما في ذلك ألمانيا وهولندا والدول الإسكندنافية.

التبرعات السياسية نقطة ضعف

منذ فضيحة المال مقابل الأسئلة في عام 1994، عندما دفع أحد أعضاء جماعة ضغط لنواب في البرلمان لطرح أسئلة برلمانية، وساهم في إغراق حكومة جون ميجور، قامت المملكة المتحدة بتحديث القواعد غير الرسمية سابقا بشكل تدريجي، لكن التقدم كان متعثرا. وقد أدى هذا الأمر إلى إنشاء لجنة معايير الحياة العامة ووضع أنظمة أكثر صرامة بشأن لوبيات الضغط. لكن لا تزال التبرعات السياسية نقطة ضعف.

وتم تشديد القواعد المتعلقة بالنفقات الشخصية للنواب بعد فضيحة عام 2009 التي كشفت عن انتهاكات واسعة النطاق، ومرة أخرى لم يتم التشكيك فيها في وستمنستر حيث كان ينظر إلى النفقات على أنها تعويض لأعضاء البرلمان عن رواتبهم الراكدة إلى حد كبير.

كما جرى تشديد اللوائح المتعلقة بالتبرعات السياسية والإنفاق الانتخابي مرات عدة، لا سيما بعد ما يسمى بقضية بيرني إيكلستون التي شهدت إعفاء حزب العمال بزعامة توني بلير فجأة سباق السيارات الفورمولا 1 من حظر إعلانات التبغ في عام 1997، بعد أشهر فقط على تلقي حزب العمال تبرعاً بقيمة مليون جنيه إسترليني من قطب رياضة السيارات وبعد وقت قصير من اجتماع عقد بين الرجلين.

كما واجه بلير وفريقه المقرب تحقيقا من الشرطة في عام 2007، رغم أنه انتهى دون توجيه اتهامات، بشأن قضية «المال مقابل التكريم» التي اكتشف فيها أن العديد من الرجال الذين رشحوا لنيل ألقاب النبالة قدموا أموالا لحزب العمال. ورغم أن بيع الأوسمة يعد جريمة، يستمر ارتقاء المانحين والحلفاء إلى مجلس اللوردات (حيث الإفادات المالية أقل صرامة).