اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٣٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
في عالم السيارات، لا يُنظر غالبًا إلى الأطفال كركاب مستقلين، بل كامتداد للبالغين. لكن فولفو، منذ ستينيات القرن الماضي، قررت أن تعيد صياغة هذا المفهوم، وتمنح الطفل مكانًا خاصًا، آمنًا، ومدروسًا داخل السيارة. هكذا وُلد أول مقعد خلفي للأطفال، ليس كإكسسوار، بل كابتكار ثوري يضع حياة الطفل في المقدمة.
بدأت القصة عام 1964، حين تعاونت فولفو مع البروفيسور بيرتل ألدمان من جامعة تشالمرز للتكنولوجيا في غوتنبرغ، لتطوير أول نموذج لمقعد أطفال مخصص للسيارات. استُلهم التصميم من مقاعد رواد الفضاء، حيث يجلس الطفل بعكس اتجاه السير، لتوزيع قوة الاصطدام على الظهر والرقبة، وتقليل خطر الإصابة في الحوادث الأمامية.
لكن القصة لم تتوقف هنا. ففي عام 1978، أطلقت فولفو أول مقعد أمان مدمج للأطفال ضمن تصميم السيارة نفسه، ما أتاح للعائلات استخدامه بسهولة ودون الحاجة إلى تركيب مقاعد إضافية. كان هذا ابتكارًا عمليًا وغير مسبوق في عالم السيارات، وعزز مكانة فولفو كالشركة التي لا تفكر فقط في السائق، بل في أصغر ركّاب السيارة أيضًا. لم يكن مجرد كرسي صغير، بل نظام حماية متكامل، يشمل وسادة داعمة، حزام أمان خاص، وتصميم هندسي يراعي بنية الطفل الجسدية. هذا الابتكار غيّر قواعد السلامة، وأصبح لاحقًا معيارًا عالميًا.
ما يميز فلسفة فولفو في هذا المجال هو أنها لا ترى الطفل كراكب صغير، بل ككائن مستقل يحتاج إلى حماية مصممة خصيصًا له. ولهذا، استمرت الشركة في تطوير المقاعد الخلفية عبر السنوات، لتشمل:
• مقاعد قابلة للرفع المدمج داخل السيارة، دون الحاجة لإكسسوارات خارجية
• أنظمة تثبيت ISOFIX لتسهيل تركيب المقاعد بأمان
• مواد خالية من المواد الكيميائية الضارة
• اختبارات تصادم خاصة بالأطفال، تُجرى في مختبرات فولفو باستخدام دُمى محاكاة دقيقة
في الكويت، حيث تزداد أهمية السلامة العائلية، يُعد وجود مقعد أطفال خلفي آمن ضرورة لا رفاهية. وفولفو، من خلال هذا الابتكار، لا تمنح الأهل راحة البال فقط، بل تمنح الطفل فرصة للنمو في بيئة تحترم جسده، وتفكر فيه قبل أن يُدرك الخطر.
واليوم، تواصل فولفو تطوير أنظمة الأمان الخاصة بالأطفال، سواء من خلال تحسين تصميم المقاعد الخلفية، أو عبر تقنيات استشعار متقدمة ترصد وجود طفل نائم في المقعد الخلفي لتفادي نسيانه في السيارة، وهي خطوة أخرى تُظهر كيف أن الأمان عند فولفو لا يتوقف عند حدود الطريق، بل يمتد إلى تفاصيل الحياة اليومية.
ولأن فلسفة فولفو كانت دائمًا «الأرواح قبل الأرباح»، فقد أتاحت الشركة أبحاثها وتصاميمها الخاصة بمقاعد الأطفال مجانًا لبقية الشركات حول العالم، تمامًا كما فعلت سابقًا مع حزام الأمان الثلاثي.
منذ أكثر من ستين عامًا، لم يكن المقعد الخلفي في سيارات فولفو مجرد مكان للجلوس، بل حصن صغير للأمان والحب. وبينما يواصل العالم الحديث سباق السرعة والذكاء الاصطناعي، تذكّر فولفو الجميع أن أهم ابتكار على الإطلاق... هو الذي يحمي حياة طفل. إن فلسفة فولفو في تصميم المقاعد الخلفية للأطفال تُجسّد رسالتها الأعمق: أن الأمان لا يبدأ عند الحادث، بل يبدأ من التصميم، ومن فهم احتياجات كل راكب، مهما كان صغيرًا.
وفي المقال القادم، نستكمل حديثنا عن أمان صغارنا، ونتناول ابتكارًا آخر من فولفو: نظام وسادة الرفع المدمجة للأطفال، الذي يمنحهم وضعية جلوس مثالية، ويجعل الحماية تنمو معهم خطوة بخطوة.
مشعل يوسف الصفران


































