من نور القلم إلى قوة الاقتصاد..الجامعات تصنع المستقبل
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
ماذا يحدث لجسمك إذا تناولت تفاحة يوميا لمدة أسبوع؟#سواليف
من #نور_القلم إلى #قوة_الاقتصاد.. #الجامعات تصنع #المستقبل
الأستاذ الدكتور #أمجد_الفاهوم
لم تصل جامعة هارفارد إلى مكانتها العالمية صدفة، بل سارت على طريق طويل بدأ برؤية واضحة وانتهى بأن تصبح أشبه بمصنع للأفكار ومختبراً لتغيير الاقتصادات. فمنذ بداياتها لم تكتفِ بأن تكون مؤسسة تمنح الشهادات، بل وضعت نصب عينيها أن تكون حاضنة للمعرفة التي تفتح آفاقاً جديدة وتخلق صناعات من العدم. ولذلك، لم يكن غريباً أن تكون وراء قصص نجاح كبرى مثل شركات التكنولوجيا والطب والقانون التي غيرت وجه العالم. لقد صنعت نموذجاً فريداً يقوم على الجمع بين التعليم المتفوق، والبحث العلمي التطبيقي، والقدرة على الاستثمار الذكي في العقول والموارد.
إن ما ميّز هارفارد ليس مبانيها العريقة وحدها، بل استقلاليتها المالية التي بنيت على صناديق استثمارية وهبات خريجيها، مما أتاح لها حرية الحركة والابتكار بعيداً عن قيود التمويل التقليدي. ومع هذا الاستقلال جاء التركيز على البحث العلمي المرتبط بمشكلات الواقع، فكل فكرة في مختبر يمكن أن تصبح شركة ناشئة أو سياسة عامة تؤثر في ملايين البشر. ولعلنا نجد مثالاً قريباً في قصة “فيسبوك” الذي انطلق من غرفة طلابية ليصبح منصة عالمية؛ وهو ليس سوى واحد من ثمار بيئة جامعية تؤمن بأن الطالب قد يكون مشروع اقتصاد كامل. كذلك الحال مع شركات مثل “أرامكس” في السياق الأردني، التي بدأت كفكرة محلية صغيرة لكنها تحولت إلى لاعب عالمي في اللوجستيات، وهو دليل على أن البيئة الصحيحة يمكن أن تحوّل شرارة الفكرة إلى نار تضيء قارات.
ومن هنا يمكن القول إن الجامعات الأردنية قادرة، إذا ما استلهمت هذه الروح، على أن تصبح قاطرة اقتصادية حقيقية. فبدلاً من أن تبقى مجرد أماكن للتلقين، تستطيع أن تتحول إلى منصات للإبداع، تبدأ بتأسيس صناديق استثمارية صغيرة بتمويل من خريجيها ورجال الأعمال المحليين، ثم تكبر هذه الصناديق لتمنح الجامعات استقلالاً يحميها من قيود الموازنات الضيقة. ومع الاستقلالية، يمكن أن يأتي التوجه نحو الأبحاث التي تلامس نبض الأردن: طاقة شمسية ورياح، زراعة حديثة تتحدى ندرة المياه، وصحة رقمية تخفف العبء على المستشفيات. وحين ترتبط هذه الأبحاث بحاجات السوق، فإنها تتحول إلى شركات ناشئة تخلق فرص عمل وتفتح أسواقاً جديدة.
ولكي تكتمل الحلقة، لا بد أن ينخرط الطلبة أنفسهم في هذه المنظومة، فلا يُنظر إليهم كمتلقين بل كشركاء في إنتاج الحلول. مشاريع التخرج يمكن أن تصبح نماذج أولية لشركات ناشئة، وحاضنات الأعمال داخل الجامعات يمكن أن تربطهم مباشرة بالمستثمرين، لتتحول قاعات المحاضرات إلى ورش عمل اقتصادية. وفي الوقت نفسه، تستطيع الجامعات الأردنية أن تستفيد من كفاءاتها في الخارج عبر شبكات خريجين فاعلة تعيد الخبرة والمعرفة إلى الداخل، كما تفعل الجامعات الكبرى التي لا تعرف حدوداً جغرافية لرسالتها.
إن الحكمة المستفادة هنا، بأننا لسنا مطالبين بأن نكرر نموذج هارفارد بحذافيره، بل أن نصنع نموذجنا الأردني الذي يحمل روحها، ولكن يعكس واقعنا واحتياجاتنا. فإذا ما جمعنا بين الاستقلالية، والبحث التطبيقي، والطالب الريادي، والأستاذ الشريك في التنمية، عندها فقط تتحول الجامعة من مؤسسة أكاديمية تقليدية إلى قاطرة تجر خلفها اقتصاد الأمة. وعندها يصبح الحلم ممكناً بأن تكون جامعاتنا منارات لا تضيء عقول الشباب فحسب، بل تحرك عجلة الاقتصاد، وتكتب مع الوطن قصة جديدة عنوانها الإبداع والقدرة على تحويل الفكرة إلى صناعة والمعلومة إلى ثروة.