اخبار الاردن

وكالة جراسا الاخبارية

سياسة

كارثة بيئية وصحية غير مسبوقة تهدد الحياة في قطاع غزة

كارثة بيئية وصحية غير مسبوقة تهدد الحياة في قطاع غزة

klyoum.com

تغرق غزة في كارثة بيئية وصحية غير مسبوقة، مع تواصل العدوان منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وغياب أي أفق لانتهاء العدوان، إذ إن البنية التحتية مدمرة، والمياه ملوثة، والنفايات متراكمة، فيما أن الجثث لا تزال تحت الأنقاض، فيما تقف المؤسسات عاجزة أمام انهيار شامل يهدد الحياة في القطاع المحاصر.

مياه ملوثة وشحّ حاد في الإمدادات

أفادت مصادر طبية، بأن نسبة التلوث البكتيري في مصادر المياه ارتفعت من 4% (2023) إلى 25% خلال العدوان، مما تسبب بتفشي أمراض كالإسهال، لا سيما بين الأطفال، وظهور أمراض جلدية معدية في مراكز النزوح مثل مواصي خان يونس.

وأوضحت أن 119 بئرا فقط من أصل 252 ما زالت تعمل، إذ لا تعمل سوى 39 بئرا من أصل 78 في مدينة غزة، فيما توقفت جميع الآبار في بيت حانون وأم النصر شمالا. أما مياه "ميكروت" الإسرائيلية، التي كانت تمثل مصدرا رئيسيا، فتوقفت في معظم المناطق، ولا يُضخ منها سوى كميات محدودة. كما أن محطات التحلية المتبقية لا تنتج الحد الأدنى من الاحتياج، وتخضع لمشكلات تلوث ناجمة عن ضعف المعالجة وسوء النقل.

أمراض معدية وخطر شلل الأطفال

قال مدير البرامج الصحية في مستشفى جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بشار مراد، إن أخطر الأمراض المنتشرة حاليا هي الأمراض المعدية الناتجة عن تلوث المياه، مثل النزلات المعوية، والإسهال، والتهاب الكبد الوبائي A، الذي ينتقل عبر الطعام أو الشراب الملوث.

وأوضح، أن الاعتماد على شاحنات توزيع المياه التي تسير وسط بيئة ملوثة بمياه الصرف الصحي، يُحوّل مياه الشرب نفسها إلى ناقل رئيسي للعدوى.

وتابع: عادت إلينا أمراض كنا قد طوينا صفحتها، وأبرزها شلل الأطفال، حيث تم العثور على الفيروس المسبب له في مياه الصرف الصحي، وهذا ما يشكل خطرا شديدا قد يؤدي إلى وقوع إصابات فعلية إذا لم تُعطَ الجرعة الرابعة من اللقاح، التي لم تدخل بعد بسبب منع الاحتلال. وحتى الآن، لم تُسجل إصابات سريرية بشلل الأطفال، لكن الوضع ينذر بالخطر.

وأشار إلى أن بعض البلديات تضخ المجاري إلى البحر دون أي معالجة، مما يزيد من تعقيد الوضع الصحي، خاصة بين الأطفال.

كما أشار إلى انتشار الأمراض الجلدية بشكل غير مسبوق بسبب شح المياه الشخصية، إذ لا تتجاوز حصة الفرد اليومية 5 لترات، وهي كمية غير كافية للنظافة الأساسية، في ظل تكدّس النفايات الصلبة وانتشار الحشرات والروائح.

وأكد مراد أن الطواقم الطبية تفتقر لأدوات الحماية وتعمل في بيئة ملوثة دون وقاية، وأن الأدوية الأساسية غير متوافرة، وتتم معالجة المرضى في المنازل بأدوية فموية؛ بسبب ازدحام المستشفيات.

وقال، إن المناشدات أصبحت بلا جدوى، والعالم يشهد على جريمة إبادة جماعية ترتكب في غزة دون أن يحرّك ساكنا.

الصرف الصحي: البحر والشوارع مستنقعات

تسبب العدوان في تدمير شبكات الصرف الصحي وخروجها عن الخدمة، كما أن محطات المعالجة الرئيسية متوقفة تماما. ونحو 70% من شاطئ غزة ملوّث بمياه الصرف، خاصة في مدينتي غزة وخان يونس، إذ تُضخ المجاري مباشرة إلى البحر. كما تسربت المياه العادمة إلى الشوارع والمناطق السكنية، مسببة انتشار الحشرات والبعوض، وروائح خانقة تهدد النازحين.

وتحذر مصادر طبية، من خطر تزايد الأمراض الخطيرة مثل شلل الأطفال والتهاب السحايا، نتيجة التداخل بين شبكات الصرف الصحي والمياه الصالحة للشرب.

النفايات: مكبات عشوائية ومخاطر صحية مضاعفة

ومع تعذر الوصول إلى المكبات المركزية، أُنشئ 141 مكبا مؤقتا في أماكن متفرقة، في وقت دُمرت فيه 80% من مركبات جمع النفايات، وخرجت 82% من الحاويات عن الخدمة. أما وحدات الردم، فتعرضت لدمار واسع.

وتُجمع النفايات الطبية وتُخلط مع النفايات المنزلية وتُلقى في المكبات نفسها، بعد أن دُمرت مركباتها وأجهزة التعقيم الخاصة بها. وتحوّلت هذه المكبات إلى بؤر لتكاثر البراغيث والقوارض، في ظل عدم وجود فرق رقابة أو تطهير. كما ينقل الباحثون بين النفايات الأمراض إلى مراكز الإيواء المكتظة.

وقود سام: البلاستيك يحترق والسرطان ينتشر

كما حذرت المصادر الطبية، من ظاهرة خطيرة تتمثل في تصنيع وقود صناعي من حرق المخلفات البلاستيكية، وهي عملية تُنتج مركبات شديدة السُمية مثل الديوكسينات والفورمالديهايد، وتسبب أمراضا قاتلة، منها السرطان، والتهابات الجهاز التنفسي، وتلف الكبد والكلى. كما يتسرب الرماد السام إلى التربة، ملوثا البيئة الزراعية والحياة البرية.

قنابل تحت الركام: ذخائر غير منفجرة ومواد مشعة

وحذر أستاذ البيئة بالجامعة الإسلامية عبد الفتاح عبد ربه، من وجود نسبة تتراوح بين 10% إلى 20% من القذائف الإسرائيلية التي لم تنفجر بعد. وأوضح أنها منتشرة في الأراضي الزراعية وتحت أنقاض المباني، مما يجعلها قنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، خاصة أثناء إزالة الركام.

وأضاف أن هذه الذخائر قد تحتوي على مواد مشعة أو معادن ثقيلة أو سامة، تؤدي إلى تلوث التربة والمياه الجوفية، ودخول ملوثات خطيرة إلى السلاسل الغذائية. وقد وقعت بالفعل انفجارات أودت بحياة أطفال ومدنيين، وسط غياب تام للخبرات المحلية المؤهلة للتعامل مع هذه المخلفات.

البحر والتربة: تلوث متواصل وخطر غذائي

وأشار عبد ربه، إلى أن محطات معالجة الصرف الصحي أصبحت غير فعالة، مما أدى إلى ضخ كميات كبيرة من المجاري إلى البحر، وهو ما ينعكس بوضوح في تغير لون المياه ورائحتها قرب المصبات.

أما في الأراضي الزراعية، فبات تسرب المياه العادمة يهدد بتدمير التربة وتسميم المحاصيل. وقد أصبحت بعض الأسماك المصطادة من المناطق القريبة من مصبات الصرف ملوثة وغير صالحة للاستهلاك، مما يشكل تهديدًا إضافيًا للأمن الغذائي في غزة.

الجثث تحت الركام: أرواح تتحلل وتسمّم الحياة

وتشير التقديرات إلى تدمير نحو 280 ألف وحدة سكنية، بين بيوت وشقق، خلال العدوان، من بينها آلاف المباني المدمرة كليا. وتُقدّر الجثث العالقة تحت الأنقاض بأكثر من 10 آلاف جثة، في ظل استحالة الوصول إليها؛ بسبب القصف المستمر وغياب المعدات.

ويؤدي تحلل هذا العدد الهائل من الجثامين، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، إلى تلوث بيولوجي وكيميائي بالغ الخطورة، يُسهم في انتشار الأمراض، ويجذب الكلاب الضالة والحشرات والقوارض. كما يتسرب التلوث إلى المياه الجوفية، مهددًا أجيالًا كاملة من سكان القطاع.

نداء أخير: غزة تلفظ أنفاسها البيئية

وقال عبد ربه، إن الوضع البيئي والصحي على وشك الانهيار الكامل، موجها نداء استغاثة إلى المجتمع الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، والمؤسسات البيئية، للتدخل الفوري قبل وقوع ما وصفه بـ"الانفجار الصحي القادم".

وشدد على أن غزة لا تحتاج فقط إلى وقف العدوان، بل إلى عملية إنقاذ بيئي وإنساني شاملة وعاجلة، تبدأ بفتح المعابر أمام المعدات الطبية وفرق الإنقاذ، ولا تنتهي إلا بإعادة الحياة إلى ما تبقى من حياة.

وفا

*المصدر: وكالة جراسا الاخبارية | gerasanews.com
اخبار الاردن على مدار الساعة