اخبار الاردن

سواليف

سياسة

وبالوالدين إحساناً

وبالوالدين إحساناً

klyoum.com

وبالوالدين إحساناً

#ماجد_دودين

من أعظم القيم التي أكّد عليها الإسلام وأولاها مكانة سامية في التشريع والوجدان الإنساني، برُّ الوالدين والإحسان إليهما. فقد قرن الله عز وجل في كتابه الكريم حقَّ الوالدين بعبادته سبحانه، في مشهد مهيب يدلّ على عِظَم قدرهما وعلوّ منزلتهما:

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23].

إنها وصية ربانية تتكرر في مواضع عديدة من القرآن الكريم، مقرونة بالتوحيد، لتؤكد أن الإحسان إلى الوالدين ليس خُلقاً اختيارياً، بل هو عبادة عظيمة تُرضي الله وتفتح أبواب الجنة.

الوالدان… سبب الوجود وعنوان الرحمة

اختار الله تعالى للإنسان والدين يكونان سبباً في وجوده ورعايته، وسخّرهما ليحملاه حباً وتعباً وسهراً دون تذمّر أو ضجر. يقول الله تعالى:

{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14].

فمن ذا الذي يستطيع أن يوفي الأم ضعفها وتعبها؟ أو يجازي الأب على صبره وكدّه وتضحيته؟

إن أقل ما يمكن أن يُقدَّم لهما هو البرّ بالقول والعمل، وهو ما عبّر عنه القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بأبلغ الأساليب.

البر بالقول… كلمة طيبة وخلق كريم

البر بالقول يبدأ بالكلمة الطيبة، والحديث الليّن، وخفض الصوت أمامهما، فلا يُرفع عليهما صوت، ولا يُقال لهما "أفٍّ"، بل يُخاطبان بأدب وتقدير.

{وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23].

ويشمل البر بالقول أيضاً الدعاء الدائم لهما في الحياة وبعد الممات:

} وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {.

ذلك الدعاء الذي لا ينقطع، هو أوفى عربون شكرٍ وامتنان لفضلهما العظيم. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء من برّ الولد الصالح الذي يستمر ثوابه بعد الموت، فقال:

(إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).

البر بالفعل… طاعة ورحمة وصبر

البر ليس كلماتٍ فحسب، بل أفعال تُترجم الحب إلى سلوك عملي، تبدأ بالطاعة لهما في المعروف، والإحسان إليهما في الكِبَر، والرعاية لهما كما رعَيانا صغاراً.

} وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ. {

وفي الحديث الشريف، لما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله، قال:

(الصلاة على وقتها، قيل: ثم أيّ؟ قال: بر الوالدين، قيل: ثم أيّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله)

فجعل بر الوالدين مقدَّماً على الجهاد، لما فيه من فضلٍ عظيم ورضا رباني. كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر عليهما، فبر الوالدين لا يُقابَل بالمنطق والمصلحة، بل يُؤدى بالإحسان والإيمان.

التحذير من العقوق… الخطر الذي يعجّل العقوبة في الدنيا قبل الآخرة

ومن الجانب الآخر، شدّد الإسلام على خطورة عقوق الوالدين، وعدّه من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله، بل جعل عقوبته مُعجَّلة في الدنيا قبل الآخرة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ؟ قالوا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ. [وفي رواية]: وكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فقالَ: ألَا وقَوْلُ الزُّورِ، فَما زالَ يُكَرِّرُها حتَّى قُلْنا: لَيْتَهُ سَكَتَ. ) صحيح البخاري

كل الذنوب يؤخر الله منها إلى يوم القيامة، إلا عقوق الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات.

ويكفي أن نعلم أن رضا الله في رضاهما، وسخطه في سخطهما، وأن دمعةً تسيل من عينيهما بسبب ولدهما، قد تكون سبباً في سلب البركة من عمره وماله وحياته.

عن طيسلة بن مياس قال: كُنتُ مع النَّجِداتِ، فأصَبتُ ذُنوبًا لا أُراها إلَّا مِنَ الكَبائِرِ، فلَقيتُ ابنَ عُمَرَ فقُلتُ له: إنِّي أصَبتُ ذُنوبًا لا أُراها إلَّا مِنَ الكَبائِرِ. قال: ما هي؟ قُلتُ: أصَبتُ كذا وكذا؟ قال: ليس مِنَ الكَبائِرِ. قُلتُ: وأصَبتُ كذا وكذا؟ قال: ليس مِنَ الكَبائِرِ. قال لِشَيءٍ لم يُسَمِّه طَيسَلةُ، قال: هي تِسعٌ، وسأعُدُّهُنَّ عليكَ: الإشراكُ باللهِ، وقَتلُ النَّفسِ بغَيرِ حِلِّها، والفِرارُ مِنَ الزَّحفِ، وقَذفُ المُحصَنةِ، وأكْلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليَتيمِ ظُلمًا، وإلحادٌ في المَسجِدِ الحَرامِ، والذي يَستَسحِرُ، وبُكاءُ الوالِدَيْنِ مِنَ العُقوقِ. قال طَيسَلةُ: لَمَّا رأى ابنُ عُمَرَ فَرَقي قال: أتَخافُ النارَ أنْ تَدخُلَها؟ قُلتُ: نَعَمْ. قال: وتُحِبُّ أنْ تَدخُلَ الجَنَّةَ؟ قُلتُ: نَعَمْ. قال: أحَيٌّ والِداكَ؟ قُلتُ: عِندي أُمِّي. قال: فواللهِ لَئِن أنتَ ألَنتَ لها الكَلامَ، وأطعَمتَها الطَّعامَ، لَتَدخُلَنَّ الجَنَّةَ ما اجتَنَبتَ المُوجِباتِ.

رسالة محبة ودعاء

فلننظر إلى الوالدين بعين الامتنان، ونعدّ وجودهما نعمة تستحق الشكر في كل حين.

ولندعُ الله أن يجعلنا من البارين بهما، المحسنين إليهما، الراضين عنهما والمرضيّين عند الله.

(رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ، وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ).

اللهم ارزقنا برَّ والدينا أحياءً وأمواتاً، ووفّقنا لخدمتهما على الوجه الذي يرضيك، ولا تتوفاهما إلا وهما راضيان عنّا. آمين.

*المصدر: سواليف | sawaleif.com
اخبار الاردن على مدار الساعة