قرار ضم الضفة وغور الأردن: الاحتلال يتمدد وفلسطين تُفرَّغ والأردن أمام لحظة تاريخية!
klyoum.com
الحقيقة الدولية - المحرر السياسي
في تطور يمثّل تصعيدًا خطيرًا ضمن المشروع الاستيطاني الصهيوني، أقرّ كنيست الاحتلال قانونًا يقضي بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وغور الأردن، وهي خطوة تُجسّد الانتقال من احتلال الأمر الواقع إلى ضم قانوني ممنهج، الأمر الذي لا يشكّل فيه القرار تهديدًا وجوديًا للفلسطينيين فحسب، بل يُعدّ أيضًا بمثابة إعلان حرب زاحفة على الأردن، تمس كيانه، وسيادته، وتركيبته السكانية، وأمنه الوطني.
قرار كنيست الاحتلال، ليس مجرد مشروع قانون عابر، بل خطوة تتويجية لمسار استيطاني طويل بدأ منذ سنوات، يقوم على تقنين السيطرة على أزيد من 60% من مساحة الضفة الغربية (المنطقة C)، ونزع أي صفة وطنية أو سياسية عن الفلسطينيين، ليجهز بهذه الخطوة فعليًا على "حل الدولتين"، الذي طالما تبناه الأردن والمجتمع الدولي، فيما يصبح البديل -إسرائيليًا - دولة أبارتهايد، و"كانتونات" سكانية بلا سيادة، ولا جغرافيا متصلة، أو تنفيذ مخططهم التلمودي الأزلي وتهجير سكان الضفة.
الأردن ليس مُراقبًا عن بُعد، بل هو الهدف المباشر التالي في هذا المشروع الصهيوني الخطير، بحكم الجغرافيا والديموغرافيا، ويُدرك صانع القرار الأردني أن أي تهجير للفلسطينيين من الضفة لن يجد منفذًا إلا عبر الأراضي الأردنية، لذا، جاء تحذير المملكة في وقت سابق جلياً وواضحًا: إن "أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني هي بمثابة إعلان حرب على الأردن".
إن أي موجة تهجير يفكر فيها الإحتلال، ستكون قنبلة ديموغرافية تهدد التوازن الحساس داخل المملكة، فالأردن، استقبل سابقًا ملايين اللاجئين من فلسطين والعراق وسوريا، وبات على شفا انهيار في بنيته التحتية والخدماتية، والآن، قد تفرض الوقائع القادمة الخطيرة، نشوء موجات جديدة من النازحين، ما يهدد وحدة الهوية، والنسيج الوطني، ويُعرّض الدولة لهزات غير مسبوقة.
يجب أن ندرك تماماً، بأن قرار الاحتلال ليس معزولًا، بل هو تتويج لمشروع "إسرائيل الكبرى" الذي بدأ منذ عقود، من مشاريع ألون وشارون وصولًا إلى "صفقة القرن"، جوهر هذا المشروع يهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها الفلسطينيين، وتوسيع حدود الاحتلال حتى نهر الأردن، ومع تجاوز عدد الفلسطينيين داخل فلسطين التاريخية عدد اليهود، تُدرك النخبة الصهيونية أن السبيل الوحيد لـ"ضمان الهيمنة" هو الترحيل القسري أو الصامت، ما يضع الأردن أمام عاصفة من التهديد الوجودي.
فالتقديرات تشير إلى إمكانية نزوح مئات الاف الفلسطينيين حال أقدم الكيان الاسرائيلي على تنفيذ مخططه، كثير منهم يحملون الجنسية الأردنية أو بطاقات إقامة رسمية، ما يفتح الباب أمام ضغط سياسي واقتصادي، وابتزاز قانوني لاحقًا، ويعيد إلى الواجهة كابوس "الوطن البديل".
أما خطورة ضم غور الأردن، فهو يُلغي عمليًا الحدود التاريخية الطبيعية بين الأردن وفلسطين، ويضع قوات الاحتلال مباشرة على حدود المملكة الشرقية، هذا التطور يعرّي الأردن استراتيجيًا، ويحوّله من جار لقضية، إلى جار لكيان استعماري متوحّش، لا يعترف لا بالعهود ولا بالحدود، فيما سيطرة الاحتلال على الضفة الغربية، والمعابر، تعني خنقًا تدريجيًا للاقتصاد الأردني، سواء عبر تقليص التبادل التجاري مع الفلسطينيين، أو تقييد حركة الأفراد، وفقدان الأردن شريكًا اقتصاديًا طبيعيًا كان يمكن أن يتجسد في الدولة الفلسطينية المستقلة.
وعليه، فان الأردن اليوم، يقف على أعتاب لحظة تاريخية، تتطلب تحركًا استراتيجيًا متعدد المسارات:
دبلوماسيًا، عبر التصعيد في المحافل الدولية، وفضح المشروع الصهيوني كاحتلال إحلالي، ونظام فصل عنصري، لا كصراع حدودي.
واقتصاديًا: اعادة حساباته حول اتفاقية الغاز الموقعة مع الكيان الاسرائيلي مثلا، والماء، والبحث عن بدائل لسد ثغراتها فيما لو ارتفعت وتيرة الاحداث لاحقا، اضافة الى تنويع الشراكات والتقليل من الاعتماد على المساعدات الغربية المشروطة، خصوصًا الأمريكية، وبناء تحالف اقتصادي عربي رافض للتطبيع والتهجير، وهو أمر ليس بالسهل بتاتاً، في ظل صمت عربي مخز على حرب ابادة الشعب الفلسطيني في غزة، وهرولة عدد من الدول العربية رغم شلالات الدم التي تراق، لفتح بوابات التطبيع مع الكيان المجرم.
داخليًا، والأهم، يتوجب تحصين الجبهة الوطنية وتمتينها نحو الذروة، وتعزيز بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، والنأي عن التجاذبات الداخلية، وتهيئة الشعب لتحمل كلفة المواجهة.
استراتيجيًا، على صانع القرار في الدولة، ومؤسساتها، الاستعداد الكامل لسيناريوهات التهجير، دون التفريط بالسيادة أو القبول بفكرة الوطن البديل تحت أي ظرف، فالتهجير يحمل في طياته كلفاً سياسية وأمنية واقتصادية وجودية كارثية، نكون بعده أو لا نكون!
إن قرار كنيست الاحتلال، وان كانت تروج له الماكينة الاعلامية الصهيونية بأنه "غير ملزم"، فهو بالمعنى الحرفي للوصف، بمثابة زلزال سياسي يمهد تدريجياً لاعادة رسم خريطة الإقليم، وهو أيضاً بمثابة حرب غير معلنة على الأردن، تشتغل أدواتها بالتهجير والاستيطان، وتستهدف هوية الدولة الأردنية قبل أرضها.
في لحظة كهذه، لا مجال مطلقاً للحياد أو التردد، فالمعركة لم تعد حول فلسطين فقط، بل حول سيادة الأردن، وهويته المستقلة، وأمام الأردن الرسمي والشعبي اليوم، اختبار تاريخي غير مسبوق، يفرض عليه أن يكون رأس حربة في مواجهة المشروع الصهيوني، مهما بلغت الكلفة والثمن، دون أن يتحوّل إلى ساحة عبور للنكبة القادمة لا قدر الله، وعلى حسابه!