أوروبا غيّرت لهجتها تجاه الكيان
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
نابولي بطلا للدوري الإيطاليغزّةَ، جرحنا المفتوح على عالمٍ من دم، وباب دخولنا إلى إنسانيتنا أو مغادرتها إلى عفن التاريخ، وموتنا الذي لا يموت، بل ينام قليلاً في أكفان الغيم، وبعدما غلبتها لأشهر مبارزات أوكرانيا، وحروب التعرفات الجمركيّة عبر المحيطات، استعادت مكاناً شغلته لأشهر عديدة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كفاتحة لمقدمات نشرات الأخبار على تلفزيونات الكوكب وعناوين صحفه الأولى وبرامجه الحوارية السياسية.
كان من الملفت والمحزن معاً أن هذه العودة الأليمة للمشهد الإعلامي هذا الأسبوع لم تك لتضاعف حجم القتل اليومي الذي تنجزه آلة الحرب الإسرائيلية المتوحشة – حتى فاق المئة شهيد يومياً – ولكن لصخب تعالى في بعض العواصم الأوروبيّة وأروقة صنع القرار احتجاجاً على ما عدّه حتى أخلص حلفاء الكيان الصهيوني التاريخيين بالفعل «القاسي» و»غير المتناسب» إشارة إلى «مركبات جدعون»، أو المرحلة الثانية من الحرب الإسرائيلية على القطاع، والمستمرة منذ 19 شهراً.
العدو كان قد صعد منذ أيام قليلة عملياته البرية وغاراته الجوية، ودفع بخمس فرق من المشاة والمدرعات في مساحة ضيقة من الأرض لا يتجاوز طولها 41 كيلومترا وبعرض يتراوح بين 6 و 12 كيلومترا، واستمر – حتى بداية هذا الأسبوع – في منع عبور أي غذاء أو مساعدات أو دواء أو وقود إلى مليوني فلسطيني، في حصار خانق مستمر لأكثر من شهرين وهو ما قالت لجنة تابعة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي إنه ترك نحو ربع سكان القطاع يواجهون خطر المجاعة ووصفه مسؤول كبير في المنظمة الأممية، توم فليتشر، بـ»إبادة جماعية» بالتجويع تلوح في الأفق بغزة.
وحتى عندما ادعت السلطات الإسرائيلية بأنها ستسمح ببعض المساعدات، قالت الأمم المتحدة بأنها علمت بمرور خمس شاحنات فقط، فيما تراكمت على الحدود أمام معبر «كرم أبي سالم» أكثر من ثلاثين ألف شاحنة!
تحالف الراغبين منزعج
ثلاثي ما صار معروفاً بـ»تحالف الراغبين/العازمين»، بريطانيا وفرنسا وكندا، والذي تلاقى على ضرورة دعم أوكرانيا ومنع توصل الأمريكيين والروس إلى تسوية تأتي على حساب كييف، خرج عن طوره بداية الأسبوع، وأصدر رئيسا وزراء بريطانيا وكندا والرئيس الفرنسي بياناً مشتركاً لهم قالوا فيه إنهم طالما دعموا «حق إسرائيل في الدفاع عن الإسرائيليين ضد الإرهاب، لكن هذا التصعيد فظيع وغير متناسب إطلاقاً»، وطالبوا الحكومة الإسرائيلية بوقف الهجوم العسكري المتجدد أو مواجهة إجراءات.
ونبه البيان إلى أن نهج إسرائيل في إدارة الحرب على غزة، وارتفاع عدد (القتلى) الفلسطينيين، والظروف الإنسانية المزرية هناك، تدفع بعضاً من أقوى الداعمين الدوليين للبلاد إلى أقصى حدود ما يمكنهم تحمله!
بريطانيا: تجميد محادثات وفرض عقوبات
واتخذت بريطانيا في اليوم التالي عدة إجراءات للضغط على إسرائيل، فجمدت محادثات معها بشأن صفقة للتجارة الحرّة، وفرضت عقوبات على 7 جهات لها علاقات بالمستوطنين في الضفة الغربيّة المحتلة، واستدعت سفيرة إسرائيل لإبلاغها بعزم الحكومة البريطانية على إعادة النظر TD خطة طريق معتمدة لتطوير العلاقات الثنائية حتى العام 2030.
وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إن هذه الخطوات جاءت رداً على «الوضع البغيض في غزة» متهماً الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة «بالتخطيط لطرد سكان غزة من منازلهم إلى ركن من أركان القطاع في الجنوب والسماح لهم بجزء بسيط من المساعدات التي يحتاجونها».
الاتحاد الأوروبي لإعادة النظر في «الشراكة»
واجتمع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم الثلاثاء الماضي لمناقشة ما إذا كانت إسرائيل قد انتهكت اتفاقية الشراكة مع الاتحاد بشأن انتهاكات حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين. وأيدت أغلبيّة من الدول الـ 27 الأعضاء إجراء مراجعة للاتفاقية بموجب مادة فيها تدعو إسرائيل إلى احترام حقوق الإنسان ما يمكن أن يؤدي – حال إجماع كافة الأعضاء – إلى تعليق العمل بها كليّة.
وحسب كاجا كالاس، المكلفة بالشؤون الخارجية للاتحاد فإن «أغلبية قوية» دعمت الخطوة في محاولة منها للضغط على إسرائيل، إذ ترى العديد من الدّول أن «الأوضاع في غزة لا يمكن تقبلها»، وأن على الاتحاد مساعدة الناس في غزة وحث السلطات الإسرائيلية على السماح بتدفق المساعدات الإنسانية إليهم.
ويبدو أن تلك الأغلبية التي يقودها وزير الخارجية الهولندي، كاسبر فيلدكامب، قد تلقت تأييداً حاسماً من فرنسا التي قال وزير خارجيتها، جان نويل بارو، علناً إنه يدعم إعادة النظر في اتفاقية الشراكة (مع إسرائيل) رداً على أفعال حكومتها المروعة في قطاع غزة.
وكان الوزير الفرنسي قد جدد التزام بلاده بالاعتراف بدولة فلسطينية، «كي لا نترك إرثاً من الكراهية والعنف في القطاع» – على حد تعبيره.
برلمان إسبانيا يقترح حظراً على تصدير السلاح
دعت أيون بيلارا، زعيمة حزب بوديموس الإسباني المعارض، عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء الإسباني لإصدار مرسوم يحظر جميع مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، وذلك بعد أن وافق البرلمان الإسباني بالأغلبية على اقتراح، غير ملزم، يدعو حكومة مدريد إلى ذلك بسبب الهجوم العسكري المستمر في غزة. ووصفت السيدة بيلارا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه «هتلر معاصر ينفّذ أكبر عملية تطهير عرقي في القرن الحادي والعشرين».
ومن شأن قبول هذا الاقتراح من قبل الحكومة منع تصدير أي مواد يمكن أن تعزز من قدرات الجيش الإسرائيلي على ممارسة القتل.
نسمع جعجعة ولا نرى طحنا
ولكيلا يقع أحدنا في فخ التعلّق بأمل إنهاء المذبحة من خلال هذه الجعجعة الأوروبيّة المتصاعدة فإنه من الضروري وضع الأمور في حجمها وسياقها الطبيعيّ. فانتفاضة النخب الأوروبية الحاكمة لا تعدو كونها امتصاصاً لغضب شعبي ضد المذبحة ما برح يتصاعد، وقد لا يبتعد عن محاولة شغب ضد الإدارة الأمريكية التي همشتهم في ملف أوكرانيا، وهددت أمانهم المديد تحت مظلة واشنطن وفرضت على صادراتهم رسوماً باهظة ستفقرهم بعد غنى، والواقع أن كل ما بدر عن القيادات الأوروبيّة حتى الآن من إدانات، وتحذيرات، ودعوات وتغيير لهجات لا يتجاوز فضاء الإزعاج الصوتي، إذ يتعلق أساساً بالتهديد بإعادة النظر (بريطانيا) أو مبرمجة سابقاً (سبق أن هددت فرنسا بالاعتراف بدولة فلسطينية نتيجة احتكاك مع الحكومة الإسرائيلية) أو يستحيل إقرارها (بسبب شرط إجماع القرارات في الاتحاد الأوروبي)، أو هي مجرد توصيات غير ملزمة للحكومة (إسبانيا).
والأهم من ذلك كله أن تلك الضغوط المتراكمة على الكيان الصهيوني لم تزد الإسرائيليين إلا صلفاً وعنجهيّة وتجبراً على الناس، لا سيّما في ظل استمرار الولايات المتحدة، الحليف الأهم للكيان في تجنب اتخاذ موقف صارم مما يجري. وهكذا يستمر التهجير، وتمضي الإبادة، ويكتمل الحصار.
لقد جاوز الظالم الإسرائيلي في عدوانه المستمر على غزّة المدى حتى في نسخته الأوروبيّة الملطفة، لكّن ما حقّ من ردود فعل الغربيين إلى الآن لا يزال غير كاف، ومتأخر للغاية، ولا أظنه سيتطور إلى أبعد من ذلك دون غضب عربي واسع لا يبدو أن بارقه قد أزف.
إعلامية وكاتبة لبنانية – لندن