أمريكا تعقم يديها القذرتين بانتقاد سايسبيكو على لسان مندوبها إلى سوريا
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
محمد رمضان يرد على السقا بعد تصريحاته عن (نمبر 1)هل هو تَحَوُّلٌ في الرؤية الأمريكية أم جرعةُ مورفين لتخدير الوعي العربيِّ المسلوب!
وأسئلة أخرى
ربما هو اعتراف أمريكي بما اقترفه الاستعمار الأوروبي من جرائم وكوارث بحق الوطن العربي مطلع القرن الماضي!
أو هي حقنة مورفين يفرغها مستشارو ترامب في الجسد العربي المنهك؛ لتسهيل عملية استئصال ما تبقى من وعيٍ تاريخيٍّ إزاء مجريات الأحداث في الشرق الأوسط الذي يعربد في تفاصيله الشيطان!
فقد ينخدع البعض للوهلة الأولى بالكلام الصادر عن أحد أهم المقربين المتصهينين من الرئيس الأمريكي دوناند ترامب، على اعتبار أن ما قاله مجرد صليةِ رصاصٍ يطلقها ترامب ضد الموروث الاستعماري للمنطقة، الناتج عن "سايسبيكو" من خلال المبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس بارك، أثناء لقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع في مدينة إسطنبول التركية، لمناقشة عدد من الملفات الحيوية وسُبل دعم الاستثمارات الأجنبية في سوريا (الإخبارية السورية).
فقد انتقد بارك اتفاقية "سايكس بيكو" وهو في تركيا ممجداً الحكم العثماني على اعتبار أنه تمكن من خلق حالة من الوئام والسلم المجتمعي رسّخت العلاقة بين فسيفساء المنطقة القومية والطائفية على مدى قرون خلت، متأملاً في أنْ تتمكنَ أمريكا من تحقيق ذلك في وقتنا الراهن، اعتماداً على تفاهمات محلية بين دول المنطقة دون تدخل من الدول الغربية الاستعمارية كما كان دأبها، متجاهلاً حقيقة دامغة فحواها أن وحدة وجوهر الدين الإسلامي وسماحته إزاء الطوائف المنضوية تحت جناحيه، كان الأساس في ذلك، إلى جانب اللغة العربية وتشابه العادات والتقاليد، فيما لم يكن لليهود وجود يذكر بين العرب المنفتحين على بعضهم دون قيود أو حدود.
ولكن بعد هزيمة الدولة العثمانية، والتغلغل الاستخباراتي الإنجليزي الفرنسي في الهلال الخصيب، تقاسم الاستعماران الفرنسي والبريطاني تركة رجل أوروبا المريض، فرسِّمت الحدودُ عشوائياً وكأنه "سدر كنافة" على مائدة اللئام.. فيما تم غرس الكيان الإسرائيلي "اللقيط" في القلب كمحراك للشر في الشرق الأوسط إلى وقتنا الراهن حتى لا يستعيد العرب وعيهم التاريخي ووحدتهم المفقودة على أساس اللغة والدين.
و"سايسبيكو" هي معاهدة سرية أبرمت بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية وإيطاليا على اقتسام منطقة الهلال الخصيب (بلاد الشام والعراق) بين فرنسا وبريطانيا بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الثانية باستثناء فلسطين التي كانت خاضعة للانتداب البريطاني.
ويبدو أن بارك بأوهامه يريد التشكيك بالحدود البينيّة بين الدول العربية، التي أصبحت قانونية ومقدسة، وعُمِّدَتْ بالدماء التي نزفت ذوداً عنها.. وخاصة ما يتعلق بسوريا المعنية باللقاء، حيث تجاهل بارك التلميح إلى الشعب الفلسطيني الذي سلبت منه أرضه عام 1948 خارج سياق "ساكسبيكو"من قبل العصابات الصهيونية تحت غطاء الانتداب البريطاني، بمنح اليهود وعد بلفور ، الصادر "ممن لا يملك الأرض، لمن لا يستحقّها" في سابقة غير مشهودة عبر التاريخ المعاصر.
إلا إذا وجد باركُ البديلَ الروحيَّ للإسلام الذي وحّدَ الأمةَ العربيةَ في الحقبةِ العثمانية، بالديانة الإبراهيميةِ التي يأمل ترامب أن توحِّدَ فسيفساءَ إقليم الشرق الأوسط بعد طمس معالم القضية الفلسطينية التي تشكل جوهرياً العقبةَ الكأداءَ لمشروعه المُغَلَّفُ بورقِ الهدايا والمُزَيَّنُ بابتسامةِ الذئبِ في وجوه الحملان، بغية مسح أيِّ أثرٍ للدم الفلسطيني المُراق في زمن تعددت مكاييله!
فماذا قال بارك بالتفصيل في انتقاده ل"سايكسبيكو":
اتهم الاتفاقية بالجور، قائلاً: بأنها"خطأ تاريخي" لمطامع استعمارية، ودفعت ثمنه أجيالٌ بكاملها!؟ "عجبي!"
وكأن أمريكا مُنَزّهَةٌ عن مثل هذه الخطايا، ما يعني أن إعادة رسم الحدود نية ترامبية مبيتة، وقد فعلها من قبل، على نحو الاعتراف بضم الجولان السوري للكيان الإسرائيلي المحتل، ومحاولة تفريغ القضية الفلسطينية من عنصريّ الأرض والإنسان توطئة لضم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى ما يسمى ب"إسرائيل".
إذن هل بوسع بارك مخاطبة الفلسطينيين بنفس المنطق لو تجرأ على ذلك! بينما هم يقاومون الاحتلال في أجزاء من فلسطين المحتلة التي منحها اللورد بلفور للعصابات الصهيونية عام 1917 ليأتي الرئيس الأمريكي ترامب فيدافع عن الوجود الاستعماري الإسرائيلي بالحديد والنار، مخالفاً القانون الدولي بدعمه حرب الإبادة على قطاع غزة واضعاً العراقيل أمام تنفيذ قراري محكمة العدل والجنايات الدوليتين.
ففي التفاصيل ستجد ما يثير الحيرة والاتباس، حينما ينتقد بارك معاهدة "سايكس بيكو" قائلاً بأنها "خطأ".
وهي المرة الثانية التي يستهدف فيها المفكرون الأمريكيون هذه المعاهدة، بغية تفتيت المجزأ، حينما أعاد المفكر البريطانيّ الأصل برناند لويس رسم خرائط للشرق الأوسط على أساس طائفي ليشرعن ليهودية "إسرائيل"، وأقرها الكونغريس الأمريكي عام 1983 في عهد الرئيس ريغان الذي لم يكن متحمساً كثيراً لها.
وفي تقديري أن خرائط لويس كانت تنتظر رئيساً مقامراً مثل ترامب، حتى ينفذ هذا المشروع مع شريكه المتطرف، نتنياهو.
ورغم أن تلك الخرائط حفظت في خزائن البيت الأبيض؛ إلا أنه جاء من يبشر بالبديل من خلال شرق أوسط جديد يلبي حاجة "إسرائيل" الاستراتيجية والأمنية، من بوابة الاتفاقيات الإبراهيمية وإعادة رسم الحدود "غير المقدسة" وكأن القضية الفلسطينية طويت إلى الأبد، وسوريا ستكون موحدة ومنسجمةً فسيفسائياً دون الالتفات إلى ما سوف يُقْضَمُ من أراضيها شمالاً، لصالح تركيا إلى جانب ضم هضبة الجولان إلى "إسرائيل" وفق ما ينادي به نتنياهو كشرط للسلام مع سوريا خلافاً لشعارات وحدة سوريا، وهي بمثابة السم في الدسم.
ولكم أن تستذكروا في سياق ذلك ما قاله ترامب في مناسبات عديدة بأن "إسرائيل" ضيقة المساحة وتحتاج للتوسع باتجاه الضفة الغربية، ولولا صمود المقاومة في غزة لنفذت هذه الأجندة كأمر واقع في ظل صمت دولي مطبق.
وبكل غرور، وفي نشوة السوبرمان الأمريكي القادر على اجتراح المعجزات وتغيير العالم وفق المصالح الأمريكية، آخذاً في حساباته أن"إسرائيل" مصلحة أمريكية، قال بارك: إن الغرب ارتكب قبل قرن من الزمن "خطأ تاريخياً" بتقسيم المنطقة عبر خرائط وقرارات استعمارية، مؤكداً أن واشنطن لن تكرر ذلك المسار، وأن الوقت قد حان لتمكين السوريين وشعوب المنطقة من رسم مستقبلهم بأنفسهم.
وقال في تغريدة على حساب أنشأه مؤخراً ووثقته منصة "إكس" باعتباره جهة حكومية، إن فرضَ الغرب قبل قرنٍ من الزمان خرائط وانتداباتٍ ورسمَ حدوداً بأقلام الرصاص و(نصّب نفسه عليها) حاكماً أجنبياً. فقسّمت اتفاقية سايكس-بيكو سوريا وعموم المنطقة لأجل المطامع الإمبريالية لا لأجل السلام. وقد كلّف ذلك الخطأ أجيالاً بأكملها. ولن نُكرّرهُ مرة أخرى".
متناسياً بارك دور أمريكا بفرض أجندتها التقسيمية في جنوب شرق أسيا، ولولا هزيمة أمريكا النكراء في حرب فيتنام عام 1959 لتغير شكل قارة آسيا وفق المصالح الأمريكية الاستعمارية.
وأضاف بارك: "عصرُ التدخل الغربي قد ولّى إلى غير رجعة. أما المستقبلُ فهو للحلول التي تضعها المنطقة بنفسها، وللشراكات، وللدبلوماسية القائمة على الاحترام (المتبادل)".
وهذا إيحاء مبطن بأن "إسرائيل" جزء من الإقليم، وقادرة على ضبط ساعته وفق الاتفاقيات الإبراهيمية؛ لبناء شرق أوسطي جديد يقوم شكلاً على مبادئ السلام والتعاون الاقتصادي بينما مضمونه يقوم على تحقيق نبوءة إسرائيل الكبرى وفق ما بشر به جابوتسكي ووريثه نتنياهو الذي يجر الشرق الأوسط من حرب إلى أخرى بدعم أمريكي مفتوح على كافة الصعد؛ لتحقيق هذا الحلم على حساب القضية الفلسطينية، دون أن يدركَ بارك استحالة ذلك لأنه لا يتعلم من التاريخ.
إن "إسرائيل" التي فشلت في هزيمة المقاومة في قطاع غزة، ولم تحقق أهدافها في إيران، وعجزت عن لجم الخطر الحوثي عند باب المندب؛ لن يكون بوسعها التمدد في الشرق الأوسط لمجرد أنها حجمت حزب الله شمالاً، واحتوت سوريا لتقوم بدورها الوظيفي: بالتنازل عن الجولان- وهذا لم يحصل بعد- وقطع خط الإمدادات عن حزب الله، وربما مشاغلة حزب الله إذا نفذت "إسرائيل" خطتها بخلط الأوراق في وجهه، وإحراجه بتسليم مزارع شبعا لحكومة الشرع والاعتراف بسوريتها، والوضع مهيأ لذلك.
والغريب أن بارك أشار إلى خطاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في الرياض عام 2017 قائلاً: "فإنّ الأيّام التي كان فيها المتدخّلون الغربيون يطيرون إلى الشرق الأوسط ليحاضروا فيكم عن الطريقة التي يجب أن تعيشوا حياتكم فيها وتديروا بها شأنكم قد ولّت".
وكأن ترامب منزه عن ذلك! وهو يتدخل حتى في القضاء الإسرائيلي المستقل لصرفه عن محاكمة نياهو وهذا تدخل سافر في شؤون الدول، لا بل يحاول تخليصة من ملاحقة محكمة الجنايات الدولية بتهمة جرائم حرب! وكيف أنه يدعم حرب الإبادة على غزة وتهجير الفلسطينيين قسرياً منها! فماذا لو أضفنا إلى ذلك مطالبته بضم كندا إلى الولايات المتحدة دون موافقتها! ومحاولته الاستحواذ على قناة بنما.. وغيرها من التدخلات غير المشروعة في شؤون الغير.
سأكتفي بهذا القدر من حديث بارك الذي جاء ليكسب ودّ تركيا من خلال مدحه للعثمانيين، وقد وضع السم في الدسم لجذب السوريين إلى هذا المنطق الذي يخفي شكله البراق جوهره المسموم، وفي المحصلة ليُسَوِّقَ ترامبَ بطريقة غير مباشرة كرجل سلام وبناء، معني بحل الأزمات الجيوسياسية في المنطقة.