حين يتحول الخبز إلى موت: نساء غزة يفقدن معيلي أسرهن في نقاط توزيع المساعدات
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
طبيب شرعي يكشف شهادات صادمة عن ضحايا الجوع بغزة#سواليف
تقضي #نساء قطاع #غزة لياليهن بين أنياب #القلق و #الخوف من المجهول، ولكن هذه الليالي تكون أشد وطأة على النساء اللواتي ذهب رجالهن للحصول على فتات المساعدات ليسدوا به رمق أطفالهن الجياع. يقضّ #الخوف مضاجعهن على مصير أزواجهن الذين يخاطرون بحياتهم على طرق شاحنات المساعدات القليلة، ومراكز التوزيع الأمريكية، التي فرضتها إسرائيل.
مراكز التوزيع هذه تستمر بالعمل للشهر الثالث على التوالي. مع ذلك، فإن آثار التجويع في قطاع غزة آخذة بالازدياد منذ فرضها، فيما يظهر سوء التغذية كل يوم أكثر وضوحًا على أجساد السكان، خاصة #الأطفال وكبار السن منهم. هذه نتيجة متوقعة لآلية مساعدات صُممت لا لإغاثة السكان، ولكن لتبييض #جريمة #التجويع وإدارتها على نحو يضمن استمرارها مع احتواء الغضب الدولي.
في ليلة يوم الجمعة، 13 يونيو/حزيران الماضي، أخبر "رامز جندية" زوجته بنيّته التوجه للمرة الرابعة أو الخامسة إلى مركز #المساعدات #الأمريكية وسط قطاع غزة، في محاولة للحصول على الغذاء بعد أن نفد طعامهم تمامًا. لم يتبق في بيت "جندية" حتى كسرة خبز واحدة ليقتات عليها مع زوجته وأطفاله الخمسة، والذين أهلكهم النزوح المتكرر على مدار نحو 20 شهرًا، حتى انتهى بهم المطاف في خيمة بملعب "فلسطين" غربي مدينة غزة.
بمجرد أن دخلت المساعدات، تجمع آلاف المُجوَّعين حولها، لتبدأ القوارب الحربية الإسرائيلية بإطلاق النار على الحشود بشكل مباشر وكثيف. عشرات الشبان قُتلوا على الفور
"أحمد جندية"، شقيق زوجة "رامز"
"جندية"، الأب الذي نفدت أمامه كل الحلول، لم يجد خيارًا سوى أن يخاطر بحياته ويذهب لما أصبح معروفًا باسم "مصائد الموت"، في محاولة للحصول على لقمة يسد بها جوع أطفاله.
مساء الجمعة غادر منزله للمرة الأخيرة على أمل العودة ببعض الطعام بعد عدة محاولات سابقة باءت بالفشل. تعلم زوجته أنّه قد يذهب بلا عودة، لكنّها في ذات الوقت لا تستطيع أن تمنعه، فالجوع نخر عظام أطفالهما وأهلك أجسادهم. مرّت ساعات طويلة على ذهاب "جندية" لمركز المساعدات ولم يعد إلى البيت أو يتواصل مع زوجته التي حاولت الوصول إليه عبر التواصل مع بعض أصدقائه الذين تركوا بيوتهم وأطفالهم وزوجاتهم لنفس السبب.
يجافي النوم جفونها ليومين كاملين، لا أحد حولها يستطيع أن يطمئنها عن زوجها الغائب. ومع كل دقيقة تمر، يزداد لديها القلق، وخصوصًا بعد أن علمت بمقتل العشرات من طالبي المساعدات بعدما فتح الجيش الإسرائيلي النار عليهم قرب نقاط التوزيع الأمريكية. تمر الساعات بطيئة، ولا خبر يصل عن "جندية"، ولم يتبق خيار آخر سوى الذهاب للبحث عنه.
توجه عدد من الأقارب للبحث عنه قرب نقطة توزيع المساعدات الأمريكية وسط قطاع غزة في رحلة طويلة شاقة يضطرون فيها للمبيت قرب الموقع خارج مدينة غزة، ليتمكنوا من البحث عنه في صباح اليوم التالي.
توزّع أقاربه قرب الموقع الذي يعتقدون أنّه ذهب إليه، وأخذوا يسألون الجميع هناك عنه، ويعرضون صورته عليهم، علّ أحدهم صادفه أو يتذكّر ملامحه. وبعد رحلة بحث مضنية، صادف أقاربه رجلًا من العارفين بالمنطقة، فأخبرهم أنّه رأى خمس جثث ملقاة على الأرض أسفل جسر "وادي غزة"، ولم يستطع أحد الوصول إليها لشدة خطورة المكان.
ألحّ أقارب "جندية" على الرجل، وعرضوا عليه مبلغًا من المال لإقناعه بالذهاب لتفقد الجثث على أمل أن تكون جثته بينهم. نجحت أخيرًا محاولات الإقناع، ووافق الرجل على المخاطرة بحياته وتفقد الجثث. قبل أن يذهب، عرض أقارب "جندية" صورته على الرجل للتعرف على ملامحه وهيئته في حال وصل إلى جثته.
خلع الرجل ملابسه عدا الداخلية، ورفع يديه لأعلى خشية الاستهداف من مسيّرات "كوادكابتر" الإسرائيلية التي لا تفارق المكان. بعد وقت قصير، وجد الرجل جثة "جندية"، وتمكن من سحبها وتسليمها لأقاربه، حيث بدا أنّ الجانب الأيسر من وجهه اختفى تمامًا نتيجة طلق متفجر، وكانت هناك ثغرة كبيرة في رأسه من الخلف.
في اليوم الذي قُتل فيه "جندية" السبت 14 يونيو/ حزيران، كان قد قُتل معه 66 مجُوّعًا آخرين قرب نقاط توزيع المساعدات في قطاع غزة.
في إفادرة للمرصد الأورومتوسطي، يتحدث "أحمد جندية"، شقيق زوجة "رامز" عن أسباب رفضه للتوجه لمراكز التوزيع الأمريكية للحصول على المساعدات الغذائية، قائلاً: "لا أذهب لتلك النقاط أبدًا، لانها أولًا بعيدة جدًا، أحتاج لمشي مسافة تزيد على 10 كيلومترات حتى أصل إلى هناك، وليست لدي القوة أو الطاقة لذلك بفعل الجوع. وثانيًا، لأن من يذهب إلى هناك يُحتمل بشكل كبير ألا يعود أبدًا."
ويضيف: "إنها مراكز إعدام جماعي وليست نقاط توزيع مساعدات".
يتحدث "أحمد" عن محاولاته انتظار شاحنات المساعدات التي تسمح السلطات الإسرائيلية بدخولها بشكل محدود إلى قطاع غزة عبر معبر "زيكيم" شمالي غربي غزة، فيقول: "في اليوم الذي سبق مقتل زوج أختي في الوسطى، ذهبت لانتظار شاحنات المساعدات التي تدخل عبر معبر زكيم بأمل الحصول على الطحين لعائلتي. ولكن لا أستطيع أن أصف المشهد، بمجرد أن دخلت المساعدات، تجمع آلاف المُجوَّعين حولها، لتبدأ القوارب الحربية الإسرائيلية بإطلاق النار على الحشود بشكل مباشر وكثيف. عشرات الشبان قُتلوا على الفور، أما أنا، فلم أستطع التحرك من الخوف. تجمدت ساقيّ في مكانهما."
ويضيف: "لا أعلم كيف استطعت الفرار والخروج حيًّا من ذلك المكان. وصلت إلى مدرسة الإيواء التي أنزح فيها مع عائلتي حيًّا وأقسمت أني لن أعود إلى ذلك المكان حتى لو تضورت جوعًا، كنت على وشك ان أفقد حياتي مقابل كيس من طحين يُقدر هذه الأيام بما يقارب 500 دولار".
يحارب الفلسطيني في قطاع غزة بكل ما أوتي من قوة للهرب من براثن الموت الذي يترصده من كل الجهات، فإن لم يُقتل قصفًا، فجوعًا. وإن حاول الحصول على الغذاء، يدفع كذلك حياته أو حياة أحد أبنائه ثمنًا لقطعة خبز معجونة بالدم والفزع.
خلفية: في مايو/أيار الماضي، فرض الجيش الإسرائيلي آلية مساعدات قاتلة عبر مؤسسة "غزة الإنسانية" المدعومة أمريكيًا. ومنذ ذلك الحين، قُتل نحو 1,516 فلسطيني، بينهم أكثر من 800 قرب مراكز المساعدات الأمريكية، ونحو 250 آخرين بالقرب من قوافل المساعدات. ورغم أن هذه المراكز تستمر بالعمل للشهر الثالث على التوالي، فإنها لم تُفلح في التخفيف من حدّة الأزمة الإنسانية، بل أصبحت مصدر تهديد إضافي لحياة المدنيين.
وفي الوقت الذي حذّرت فيه منظمات أممية وحقوقية من أنّ هذه الآلية لا تفي بالحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية لأكثر من مليوني إنسان محاصرين، فإنها تستمر بالعمل على نحو يضمن إدارة التجويع لا إنهائه، بهدف تبييض صورة الجرائم الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي بدل إنقاذ الأرواح التي تُزهق يوميًا جوعًا أو برصاص الجيش الإسرائيلي عند نقاط توزيع المساعدات.