اخبار الاردن

وكالة رم للأنباء

سياسة

النووي الباكستاني بات مستهدف هل تفعلها اسرائيل ؟

النووي الباكستاني بات مستهدف هل تفعلها اسرائيل ؟

klyoum.com

رم - مهدي مبارك عبد الله

خلال السنوات الماضية اتبعت إسرائيل سياسة الضربات الوقائية لمنع الدول المعادية لها من تطوير أسلحتها النووية وقد نفذت عدة هجمات صاروخية على منشآت نووية في دول أخرى لهذه الغاية ففي عام 1981 قصفت المفاعل النووي العراقي المعروف باسم أوزيراك أو تموز ورغم أن العراق كان يخوض حينها حربا ضروسا مع إيران ويمتلك دفاعات جوية وطائرات حربية حديثة وجهاز مخابرات قوي الا إنه أخفق في اكتشاف الضربة وحماية المفاعل النووي من التدمير

كما قصفت الطائرات الحربية الاسرائيلية في عام 2007 مفاعل نووي سوري قيد الإنشاء يشتبه في أنه كان يهدف إلى تطوير أسلحة نووية فيما عرف بعملية خارج الصندوق أو البستان التي تمت في منطقة دير الزور حيث اعترفت إسرائيل رسميًا بتدمير المفاعل في عام 2018 بعد أكثر من 10 سنوات من الحادث وفي وقت سابق ايضا استهدفت اسرائيل المفاعل النووي الإيراني أراك المخصص لإنتاج الماء الثقيل واخيرا في منتصف شهر حزيران الماضي اغار الطيران الاسرائيلي ومن بعده الامريكي على مواقع نووية ايرانية في منشئات ( نطنز واصفهان وفوردو )

الهجمات الاسرائيلية غير القانونية في الماضي او الحاضر اثارت مخاوف متزايدة بشأن امكانية توسع الصراع الإقليمي خاصة وأن الدول المستهدفة قد تسعى للانتقام ومع توالي العربدة والبلطجة الاسرائيلية المستمرة والمدعومة امريكيا وقد بات يلوح في الاذهان سؤال يفرض نفسه هل تعيد إسرائيل محاولتها ضرب المفاعلات النووية الباكستانيةس بنسخة جديدة في ظل التحولات الإقليمية الأخيرة والتصعيد الإسرائيلي المتسارع ضد إيران والذي لن تتوقف نواياه الخبيثة عند حدود طهران ففي عام 1979 أعرب مناحيم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق عن قلقه الشديد من ( احتمال امتلاك باكستان لقنبلة ذرية واعتبر ذلك تهديد وجودي لأمن بلاده )

إسرائيل نفسها قوة نووية رغم أنها لا تقر بذلك والمخاوف الاسرائيلية المتنامية تجاه النووي الباكستاني لم تكن مجرد افكار عابرة أو آنية بل هي حسابات استراتيجية قديمة ترسخت في العقل الاستخباراتي الإسرائيلي بشكل اعمق في المرحلة الراهنة رغم انشغال باكستان ًبأزماتها الداخلية ومشكلاتها الحدودية مع الهند وأفغانستان الا ان الدولة العبرية لم تتخل يوماً عن عدائها العميق لفكرة امتلاك دولة إسلامية لسلاح نووي ردعي وهو ما عبر عنه صراحة رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو حين قال إن ( إسرائيل لن تسمح بأن يشكل النووي الباكستاني تهديداً لأمنها ) خاصة بعد مصادقة مجلس الشيوخ الباكستاني بالإجماع على قرار دعم إيران في مواجهة الهجمات الإسرائيلية الاخيرة على منشآتها النووية وبنيتها التحتية

بالإضافة الى اعلان وزير الدفاع الباكستاني ( خواجه آصف ) صراحة أن بلاده ستقف إلى جانب إيران في هذه الأزمة بجميع ( الوسائل الممكنة بما فيها السلاح النووي ) لان الاعتداءات الاسرائيلية تعتبر تهديدا مباشر للأمن الإقليمي في المنطقة ورغم مواجهة باكستان تدقيق دولي وخضوعها لعقوبات اقتصادية وعسكرية الا انها تصر على الاحتفاظ بسلاحها النووي وتطويره حيث تؤمن بضرورة توفير الحد الأدنى من الردع المرحلي والذي تحول الان إلى مبدأ الردع الشامل لمواجهة اي تهديد لسلامة أراضيها من قبل عدوتها وجارتها النووية الهند او حليفتها اسرائيل

الدعم الباكستاني لإيران يجب ان لا يفهم في سياق الاخوة الدينية وحسن الجوار الجغرافي فقط بل ايضا في إطار أوسع يرتبط بتاريخ العلاقات المتوترة بين إسلام آباد وتل أبيب ونظرة الاخيرة العدائية المطلقة لأي قوة نووية تعمل خارج دائرة حلفائها فمنذ خمسينيات القرن الماضي انطلق البرنامج النووي الباكستاني لأغراض سلمية ثم تحول تدريجياً إلى مشروع عسكري سري مدفوع بهاجس التهديد النووي الهندي وهو ما أكده الرئيس الباكستاني الراحل ذو الفقار علي بوتو حين قال في ستينات القرن الماضي إذا بنت الهند قنبلها النووية فإننا ( سنقتات الأعشاب وأوراق الشجر وسوف نجوع ) ولكننا في النهاية سنصنع قنبلتنا النووية وقد كان دائما يردد ( هناك قنبلة نووية مسيحية وقنبلة يهودية وقنبلة هندوسية فلماذا لا يكون هناك قنبلة نووية إسلامية )

الخطط السرية المحكمة والابحاث العلمية الطموحة التي أدارها عراب برنامج باكستان النووي الأسطورة والبطل الوطني الذي أنقذ بلاده من المخاطر الخارجية وبشكل خاص من تهديدات الهند البلد المجاور والمسلح نووياً العالم الباكستاني عبد القدير خان الذي ولد في عام 1936 وتوفي في عام 2021 عن خمسة وثمانين عام كان المسؤول الاول عن تطوير القنبلة النووية الباكستانية كما ساهم رحمه الله في أدارت شبكة دولية معقدة وسرية لمساعدة إيران وليبيا وكوريا الشمالية في الوصول الى برامجها النووية

وصول باكستان اليوم للسلاح النووي لا يعود فقط إلى جهودها الذاتية بل يرتبط أيضاً بسياسات الولايات المتحدة خلال أواخر حقبة سبعينيات القرن الماضي حين اقتربت واشنطن من إسلام آباد وقدّمت لها دعماً عسكرياً واقتصادياً ورفعت العقوبات المفروضة عليها بل وتجاهلت عمداً ما كان يُعرف حينها بالبرنامج النووي الباكستاني السري حتى بلغ هذا الدعم حد أن الرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريغان حذّر الهند وإسرائيل من أي محاولة لاستهداف المنشآت النووية الباكستانية حيث كانت إسرائيل حينها على وشك تنفيذ ضربة جوية ضد منشأة كاهوتا النووية قبل أن تتراجع تحت وطأة الضغوط الامريكية

باكستان تعد أول دولة إسلامية تمتلك سلاح نووي وقد وصفت ترسانتها ( بالقنبلة الإسلامية ) وبعد سلسلة طويلة من التجارب الناجحة انضمت رسميا إلى نادي الدول النووية عام 1998 واليوم في عام 2025 يقدر عدد الرؤوس النووية التي تملكها بحوالي 170 رأس مدعومة بمنظومة إطلاق متطورة وقدرة على تخصيب اليورانيوم وإنتاج البلوتونيوم ولهذا ترى إسرائيل ان هذه اللحظة تشكل فرصة استراتيجية مناسبة لضرب باكستان وتحجيم قواها الردعية لكنها في ذات الوقت تخشى من المخاطرة بإشعال مواجهة إقليمية كبرى قد تعصف بالمنطقة وتأخذها الى حافة الحرب الكونية المدمرة

منذ عقود تشن إسرائيل حرباً دبلوماسية واستخباراتية منظمة على باكستان عبر سلسلة من محاولات الاغتيال للقادة العسكريين والعلماء التي يقف خلفها جهاز المخابرات الإسرائيل الموساد للقضاء على تقدم باكستان النووي والمخططات الاسرائيلية رغم اخفاقاتها المتكررة لم تتوقف عن السعي بمختلف الوسائل لتعطيل النووي الباكستاني حيث خططت في ثمانينات القرن الماضي بالتنسيق المباشر مع نيودلهي لتوجيه ضربة عسكرية مشتركة إلى منشأة ( كاهوتا ) النووية لكن تراجع الهند وتدخل إدارة الرئيس الأميركي الاسبق رونالد ريغان بشكل حاسم اوقف العملية حينها والان ومع وجود إدارة أميركية متهورة بقيادة الرئيس ترامب توفّر غطاء سياسي كثيف لإسرائيل وتبارك وتشارك في ضرباتها الجوية على طهران فإن السؤال المطروح بالحاح هل ستعطي واشنطن تل ابيب هامش من التحرك المطلوب لضرب باكستان لتجد دول كثيرة نفسها أمام خيار الانخراط في مواجهات متقابلة ليصبح الميدان القتالي وليست منابر الخطابات السياسية هي من يحدد مصير الشرق الأوسط المظلم

مساعي الكيانين الهندوسي والاسرائيلي للقضاء على السلاح النووي الباكستاني بضربة مشتركة ليست وليدة اللحظة بل هي رغبة قديمة متجددة تعود بداياتها إلى ما قبل عدة عقود وقد أشارت تقارير امنية متداولة إلى أن إسرائيل اقترحت مرارا تنفيذ ضربة ثنائية ضد المنشآت النووية الباكستانية سيما وأنها حاولت 3 مرات في ثمانينيات القرن الماضي إثارة اهتمام الهند بضرورة تنفيذ هجوم مفاجئ على موقع كاهوتا النووي في شمال شرق باكستان بالقرب من الحدود مع الهند وذلك بالرغم من عدم وجود أي تهديد باكستاني حقيقي لإسرائيل فإن تل أبيب لا زالت ترى في قدرات باكستان الصاروخية ذات الرؤوس النووية ( كابوس وشبح لنظام إسلامي نووي متقدم ) هذا بالإضافة إلى خوف اسرائيل المزمن من استهداف اسلام اباد لمفاعل ديمونا النووي في صحراء النقب وخشيتها الاكبر من نقل خبرات الإنتاج النووي الباكستاني إلى دول أخرى تناصب تل ابيب العداء وتقودها الى النجاح في تصنيع قنابلها النووية

بالنظر المتفحص الى الظروف الاقليمية المتوترة وتزايد الرفض الدولي للهجمات الاسرائيلية على ايران وفي ضوء ذلك الواقع يبدو أن إسرائيل لن تكرر حرفياً سيناريو قصف إيران مع باكستان لكنها مع وجود قيادة يمينية متطرفة بزعامة نتنياهو ماضية في خيار القوة مهما كلّف الثمن قد تستفيد اسرائيل في هذه المرحلة من هشاشة الهدنة بين نيودلهي وإسلام آباد لتشجيع الهند على إشعال فتيل الحرب من جديد وبينما تنشغل باكستان في التصدي والمواجهة تتقدم الطائرات الإسرائيلية خلسة لتنفيذ ضربات خاطفة ضد المنشآت النووية في كاهوتا ومراكز الابحاث وتخزين اجهزة الطرد المركزي الحساسة والحقيقة ان هذا مثل السيناريو على جراءته وخطورته ليس مستبعداً خاصة في ظل الحالة الإقليمية المشتعلة في الاقليم

منذ الهجمات الإسرائيلية على إيران يتداول باكستانيون ونشطاء اخرون على مواقع التواصل الاجتماعي مقابلة مع نتنياهو تعود لعام 2011 يقول فيها إن ( إيران وباكستان تشكلان تهديدًا وجوديا لآمن اسرائيل وإن إسلام أباد ستكون الهدف التالي بعد طهران وإن مهمته الكبرى هي منع الأنظمة الإسلامية من الحصول على الأسلحة النووية بكل الطرق والوسائل ) وهذا التصريح المريب من الناحية العملية ( يضع باكستان إلى جانب إيران في دائرة الاستهداف الإسرائيلي ) رغم فشل تل أبيب في تحقيق هذا الهدف خلال ثمانينيات القرن الماضي حين سعت لعرقلة برنامج إسلام آباد النووي وفي ذات السياق لم تخف الأوساط المحلية في باكستان قلقها الواضح بشأن مشروعها النووي وانها قد تكون الهدف التالي لإسرائيل والولايات المتحدة التي شهدت علاقاتها مع إسلام آباد خلال السنوات الأخيرة توترات متصاعدة إثر اتهامات أمريكية لها بإيواء إرهابيين وهو ما شجع الباكستانيين على استباق المشهد والتهديد بالتدخل الى جانب طهران للحفاظ على مشروعها النووي وعدم السماح بسقوط نظامها وتغيير معادلات وموازين القوى التقليدية

الملاحظ جليا للمراقبين انه خلال العدوان الاسرائيلي الهمجي على ايران كان رد فعل باكستان اعاجل ولافت للانتباه ومتقدم على مواقف بقية دول المنطقة بما فيها تركيا فهل يعود هذا التوجه إلى مخاوف حقيقية لدى النخب الباكستانية من امكانية استدارة إسرائيلية إلى بلادهم واستهدافها مباشرة او بسؤال اخر هل تستغل الهند عدو اسلام اباد اللدود الواقع الاقليمي لما بعد الهجمات الإسرائيلية على ايران لصالحها وتحشد الرأي العام العالمي ضد مشاريع الأسلحة الباكستانية النووية خاصة بعد تصريح وزير الدفاع الهندي ( راجنات سينغ ) بانه يتعين على الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تبدأ الاشراف على مراقبة الأسلحة النووية الباكستانية لكن في الحقيقة ان ما يثير قلق ومخاوف المسؤولين الباكستانيين اكثر هو تنامي العلاقات العسكرية بين الهند وإسرائيل منذ انتخاب ناريندرا مودي رئيسا للوزراء وانعكاس ذلك على ميزان القوى مع جارتها نيودلهي وتزويد نيودلهي بأسلحة وصواريخ وبطاريات دفاعية وقدرات قتالية وتكنولوجية متطورة جدا

اما بخصوص القلق الإسرائيلي من باكستان فيعود اولا الى أنها قوة نووية عظمى كما يعتبر الباكستانيون من الشعوب الأكثر معاداة لإسرائيل بسبب القضية الفلسطينية وان محاربة السلاح النووي الباكستاني الفعلية بدأت قبل إنتاجه من خلال ممارسات جهاز الموساد عدة تفجيرات استهدفت بعض الشركات التي كانت توفر لباكستان موارد اساسية لإنجاز مشروعها النووي وكذلك قيام جهاز الموساد الإسرائيلي بتهديد ومضايقة الفنيين والمهندسين المتعاونين مع باكستان فضلا عن تفجير بعض الشركات الألمانية والسويسرية خلال الثمانينيات من القرن الماضي لانخراطها في مساعدة باكستان في برنامجها النووي كأجراء وقائي للحيلولة دون تمكينها من إنتاج أسلحة نووية وقد تضاعف حرص اسرائيل على التخلص من النووي الباكستاني بعد أن أنتج رغما عنها بقوة التصميم والعلم والتحدي

بقراءة متأنية لتسلسل الأحداث بعد العدوان الصهيو امريكي على ايران نجد ان اسرائيل ربما تكون وضعت في حسبانها خاصة بعد اعتقادها بالقضاء التام على التهديد النووي الايراني انه بإمكانها الان شن هجوم استباقي خاطف لتدمير المنشآت النووية والمخزون التسليحي النووي الذي تمتلكه باكستان وربما بات تفكير نتنياهو بتنفيذ هذه الخطوة الرعناء يحظى بالاهتمام والجديةً أكثر من أي وقتٍ مضى وعليه قد تكون باكستان فعلا اصبحت الهدف التالي لإسرائيل

على ارض الواقع التقديرات والحقائق مختلفة حيث ان مهاجمة اسرائيل لباكستان ليست بالمهمة السهلة او الرحلة الجميلة بل ربما تكون غير ممكنة او حتى مستحيلة وان أي مغامرة غير محسوبة المخاطر ستكون كارثة مدمرة على وجود الكيان ومستقبله حيث تمتلك اسلام اباد جهاز مخابرات نوعي يحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث فاعلية وقوة وكفاءة عناصره في الداخل وفي شتى بقاع الارض وهو يمتلك قاعدة بيانات تفصيلية عن كل كبيرة وصغيرة عسكرية ومدنية مهمة وحيوية في اسرائيل وتاريخه حافل بالعديد من الإنجازات وفي مقدمتها التخفي والاختراق واصطياد الجواسيس والعملاء على قلتهم في باكستان على الرغم أنه الأقل تمويلاً بين أجهزة الاستخبارات العالمية

كما عل تل ابيب ان تأخذ بالحسبان الجاد جدا ان الحيش الباكستاني يتصدر المركز التاسع عالميا ويقدر مخزون ترسانته بحوالي 170 رأس نووي ومنذ زمن بعيد انتقل إلى مصاف الدول التي تصنع مختلف الأسلحة من دبابات هجومية وطائرات مقاتلة بالتنسيق مع الصين وقد أنتج ترسانة كبيرة من الصواريخ البالستية المرعبة منها حتف 5 و غوري 2 الذي يحمل رؤوس تقليدية ويمكن أن يحمل رؤوس نووية كما يملك الجيش الباكستاني صواريخ من طراز غوري 3 عابرة للقارات ويبلغ مداها أربعة آلاف كيلومتر وهي قادرة على الوصول لواشنطن ناخيك عن صواريخ شاهين 1 و 2 و 3 وصواريخ باير وبحسب خبراء عسكريين وامنيين قان الحيش الباكستاني قادر على تحمل مسؤولية حماية السلاح النووي والتصدي لأي استهداف اسرائيلي واحباط أي عدوان غادر برد منظم وساحق

اخيرا يبقى السؤال الأهم كيف سيكون موقف واشنطن إذا نشب صراع عسكري مباشر بين إسرائيل وباكستان وهل ستنحاز للدولة المارقة كعادتها أم أن حسابات الردع النووي هنا ستفرض على الجميع التفكير العقلاني واستشعار الخطر والتزام الحذر

كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية

[email protected]

*المصدر: وكالة رم للأنباء | rumonline.net
اخبار الاردن على مدار الساعة