اخبار الاردن

صحيفة السوسنة الأردنية

منوعات

الاستدامة المالية في الأردن 2026

الاستدامة المالية في الأردن 2026

klyoum.com

تُعد الاستدامة المالية إحدى الركائز الأساسية التي تسعى المملكة الأردنية الهاشمية إلى تعزيزها في مسارها الاقتصادي نحو عام 2026، خاصة في ظل التحديات العالمية المتمثلة في تباطؤ النمو العالمي المتوقع عند 3%، واستمرار التوترات الجيوسياسية الإقليمية، وارتفاع كلفة التمويل. وفي الوقت الذي يتجه فيه الأردن إلى الحفاظ على الإنفاق الاجتماعي والاستثماري لدعم برنامج التحديث الاقتصادي، فإنه يواجه في المقابل ضرورة الحفاظ على مستويات آمنة من العجز وخفض الدين العام، وهو ما يجعل معادلة المرونة والانضباط جوهر السياسة المالية للعام المقبل.

لا تزال تقديرات العجز في الأردن تستدعي اليقظة، حيث تسير الجهود بخفضه تدريجياً في إطار برنامج الإصلاح مع صندوق النقد الدولي. يمثل هذا المسار أداة مرنة تسمح للحكومة بمواصلة تمويل المشاريع الرأسمالية والإنفاق على الحماية الاجتماعية، مع القدرة على التكيف في حال حدوث تقلبات في الإيرادات أو تراجع في المساعدات الخارجية التي شهدت انخفاضًا بنسبة 62.8% في الأشهر السبعة الأولى من عام 2025. وتعمل الحكومة على تعويض هذا النقص من خلال زيادة الإيرادات المحلية، والتي شهدت ارتفاعاً بما يقارب 100 إلى 130 مليون دينار وفقًا لبيانات وزارة المالية.

أحد أبرز التحديات يتمثل في إدارة الدين العام، الذي بلغ نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي قرابة 118.5% بنهاية تموز 2025. وتماشياً مع برنامج التعاون مع صندوق النقد الدولي، تسعى المملكة إلى خفض هذه النسبة إلى حوالي 80% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2028. ويعتمد تحقيق هذا الهدف الطموح على مجموعة من الأدوات، أبرزها تحقيق فائض أولي كأحد الأهداف الأساسية لبرنامج الصندوق، مما يعني زيادة الإيرادات عن النفقات باستثناء خدمة الدين، وهو ما يخلق حيزاً مالياً لتخفيض قيمة الدين الأساسي. كما يشمل تنويع أدوات التمويل، حيث تسعى المملكة إلى تمويل العجز عبر مزيج من الأدوات المحلية والدولية، بما في ذلك الإصدارات الإسلامية (الصكوك) التي تمت بفائدة تنافسية بلغت 4.8%، مما يساهم في خفض متوسط كلفة التمويل. كما تشهد إصدارات السندات الدولية إقبالاً قوياً بلغ ستة أضعاف الحجم المطلوب، مما يعكس ثقة المستثمرين الدولية ويعزز تنويع مصادر التمويل لتقليل المخاطر.

يتبع الأردن سياسة مالية مرنة تركز على "الترشيد المالي التدريجي"، يمكن من خلالها تعديل أولويات الإنفاق حسب الظروف. ومع ذلك، يشكل عبء خدمة الدين العام ضغطاً متصاعداً على الحيز المالي، حيث بلغت خدمة الدين 3.15 مليار دينار خلال السبعة أشهر الأولى من 2025. يمثل هذا الرقم حصة كبيرة من الإيرادات العامة، مما يحد من القدرة على توجيه الموارد نحو الإنفاق التنموي والاستثماري ذي الأولوية، كالصحة والتعليم والبنى التحتية. وفي ظل بيئة أسعار الفائدة العالمية المرتفعة، تبرز أهمية استراتيجيات خفض كلفة التمويل، مثل الإصدارات الإسلامية والتمويل الميسر من الشركاء الدوليين، للحفاظ على مساحة للإنفاق الاجتماعي والاستثماري الضروري للنمو طويل الأمد.

يؤكد الأردن أن برنامج التحديث الاقتصادي ليس مجرد خطة هيكلية لتنمية القطاعات، بل هو رافعة أساسية للاستدامة المالية. فكلما نجحت الحكومة في تنمية القطاعات الإنتاجية، زادت الإيرادات المحلية وتراجع الاعتماد على المساعدات. وهذا النهج يتجسد في مشروع "تعزيز إدارة الإصلاح" الذي نفذ 122 إجراءً من أصل 265 مستهدفاً ضمن مصفوفة الإصلاحات الاقتصادية الشاملة.

وما يميز مسيرة الأردن هو النمو المتزايد في الإيرادات المحلية والقائم على تحفيز القطاعات الإنتاجية. فقد نما الاقتصاد الأردني بنسبة 2.8% في الربع الثاني من 2025، مدعوماً بأداء قوي لقطاعات مثل الزراعة (8.6%) والصناعات التحويلية (5%). كما ارتفعت الصادرات الوطنية بنسبة 8.5% والدخل السياحي بنسبة 7.5%. هذا التحول في هيكل النمو، من خلال تعزيز القطاعات غير الحكومية، يعزز الاستدامة المالية لأنه يقلل من هشاشة المالية العامة أمام التقلبات الخارجية. ومع التوسع في استقطاب الاستثمارات، التي بلغت الأجنبية منها نحو 6 مليارات دولار منذ بداية 2025، سيزداد الاعتماد على مصادر دخل متنوعة ومستدامة.

كأحد أدوات تحقيق الاستدامة المالية، تعمل الحكومة على تحسين آليات استهداف المستحقين للدعم. يهدف هذا الإصلاح إلى ضمان وصول الدعم إلى الفئات التي تستحقه فعلياً، مما يخفف العبء عن الموازنة العامة ويوفر موارد إضافية يمكن توجيهها نحو برامج الحماية الاجتماعية الفعالة والاستثمارات المنتجة. يمثل هذا النهج جزءاً من سياسة "الترشيد المالي التدريجي" التي تهدف إلى تحقيق كفاءة أكبر في الإنفاق العام مع حماية الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.

يشير السيناريو المتفائل إلى أنه إذا استمرت الإيرادات المحلية في النمو، وارتفع الدخل السياحي والصادرات، مع تحسن مستوى المساعدات الخارجية، فقد ينخفض العجز بشكل أسرع من المتوقع، ويبدأ الدين العام في التراجع كنسبة من الناتج المحلي بحلول 2027. أما السيناريو الحذر، ففي حال استمرت المساعدات بالانخفاض وتزايدت أعباء خدمة الدين نتيجة أسعار الفائدة العالمية المرتفعة، فإن المالية العامة ستواجه ضغوطًا إضافية، وقد تضطر الحكومة إلى إعادة هيكلة أولوياتها بشكل أكثر صرامة، مع التركيز على تقليص الدعم تدريجيًا وزيادة الجباية المحلية.

ورغم التقدم، هناك مخاطر قائمة مثل التوترات الجيوسياسية الإقليمية وتراجع المساعدات الخارجية. إلا أن دعم الشركاء الدوليين يظل ركيزة مهمة. فقد وقع الاتحاد الأوروبي والأردن مذكرة تفاهم لإطلاق مساعدات مالية كلية بقيمة 500 مليون يورو، مع اقتراح بقرض إضافي يرفع إجمالي الدعم إلى مليار يورو، وذلك لدعم الاستقرار المالي الكلي وجدول أعمال الإصلاح. هذا الدعم المالي، المشروط بتحقيق تقدم في الإصلاحات، يعزز المصداقية الدولية لمسيرة الأردن ويساعده في تغطية جزء من احتياجاته التمويلية الخارجية. وما يخفف من حدة المخاطر أيضاً هو امتلاك الأردن لاحتياطيات أجنبية تجاوزت 20 مليار دولار، واستقرار القطاع المالي.

مسيرة الأردن المالية نحو 2026 تعكس مزيجًا من المرونة والانضباط: مرونة في الحفاظ على الإنفاق الاجتماعي والاستثماري لتحقيق أهداف برنامج التحديث الاقتصادي، وانضباط في إدارة الدين العام والعجز من خلال خطة واضحة وطموحة لخفضه إلى 80% من الناتج بحلول 2028. هذه المعادلة الدقيقة، المدعومة بإصلاحات هيكلية في القطاعات وإصلاح نظام الدعم، تجعل من المملكة نموذجاً في كيفية مواجهة الضغوط العالمية والإقليمية دون التضحية بالاستقرار الاجتماعي أو أهداف التنمية الوطنية.

إن الاستدامة المالية في الأردن، في ظل السيناريو المتفائل أو الحذر، ليست مجرد التزام محاسبي، بل هي خيار استراتيجي يضمن استمرار الإصلاحات الاقتصادية والتحولات الكبرى بوتيرة آمنة مهما كانت التقلبات التي يشهدها العالم. والأهم أنها ترسل إشارة إيجابية للمستثمرين الأجانب، إذ تؤكد أن الأردن يسير بخطى واثقة نحو بيئة مالية مستقرة وجاذبة لرؤوس الأموال طويلة الأمد.

*المصدر: صحيفة السوسنة الأردنية | assawsana.com
اخبار الاردن على مدار الساعة