رؤساء إلى السجن
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
مدير الأمن العام يزور قيادة الأمن الدبلوماسي«محاكاة ساخرة»، «بارودي»، «هزل» عبارات قد تترامى إلى ذهن كل من يتابع المستجدات عالميا: بريطانيا تعترف بفلسطين ليحكمها رئيس حكومتها السابق، قاتل متسلسل يطالب بجرد جنسيات من رفضوا الاستماع لهرائه في مبنى الأمم المتحدة، حروب تمط هنا وهناك، رؤساء سابقون إلى السجن و»جين زي» يزحف على وجه العالم.
رؤساء ولكن!
لو كان الفرنسيون بحاجة إلى اختراع هذه الأيام – ومنذ أكثر من سنة حتى نكون واقعيين – فهم بحاجة إلى زر ينقلهم نحو سنة 2027 دون انتظار. فشل حركة «لنغلق كل شيء» التي دعا إليها مواطنون قبل أن تتبناها نقابات تقليدية، لا تزال تهدد بشل البلد بإضرابات، في حين تحاول حكومة «لوكرنو» احتواءها بقرارات استعجالية، جعلت البلد يعيش على وقع درجة استقطاب غير مسبوق بين مختلف القوى السياسة وداخل الشارع الفرنسي، بلغ مداه مع إعلام حكم «غير مسبوق» في حق رئيس الجمهورية الأسبق نيكولا ساركوزي.
كان كافيا للقاضية «نتالي غافارينو» النطق بخمس سنوات نافذة، كحكم على «تكوين جماعة أشرار» – بأقمصة وربطات عنق – تهمة الرئيس الأسبق ذي 77 عاما، مع إيداع لاحق، وضرورة التنفيذ حتى تثور الزوابع على بلاتوهات التلافز، ميكروفونات الإذاعات ومواقع التواصل الاجتماعي. البعض وجد في الحكم انتصارا للعدالة، آخرون شددوا على دور الإعلام الحر، إذ كانت «مؤسسة ميديا بارت» أول من نشر مقالات تفيد بعلاقات مشبوهة للرجل مع النظام الليبي السابق، في حين استذكر كثر أقوالا مأثورة له.
«سننظف الضواحي من الحثالة»، قد تكون الجملة الأكثر حضورا للرجل في مخيال أبناء المهاجرين والطبقات الأكثر فقرا، والتي تكون قد اختزلت عنصريته، هو سليل العائلة المجرية المهاجرة، كما هي الجملة الأكثر حضورا في السوشيل ميديا اليوم بين المتشفين: «من هو الحثالة الآن؟»، «سيقبع في السجن تماما كما الحثالة»، «سيجرب السجن الذي جر إليه الآلاف»، كانت شيئا من التعليقات التي تم تداولها على نطاق واسع.
على النقيض وقف مريدو الرجل من الذين يتقاسمون مواقفه السياسية، وممن يحدق بهم وبمرشحيهم خطر المتابعة القضائية بشبهات متنوعة، لرمي كل ما أمكن رميه، فيما بدا تدريبا، أو حصة إحماء بالأحرى استعدادا للرئاسيات المقبلة: «إنها إهانة في حق تاريخ فرنسا»، «لم يسبق أن سجن رئيس دولة سابق»، «إنها العدالة المسيسة»، «قضاة أم مناضلون يساريون؟» كانت شيئا من تعليقات صحافيين وسياسيين على وسائل إعلام كبيرة يسيطر عليها رجال أعمال يمينيون، بل ومتفاعلون على مواقع التواصل الاجتماعي، باتوا يتساءلون حول سبل إلغاء هذا الحكم الرمزي، سائلين «ماكرون» عفوا رئاسيا لأب «يوليا» و»بول» اللذان تصدرا المشهد خلال الأشهر القليلة الماضية، الأولى بسلسلة لايفات غير موفقة على «تيك توك»، أشارت فيها المراهقة التي ولدت خلال فترة حكم والدها أن ارتداءه لسوار إلكتروني (العقوبة التي سبقت الحكم النهائي عليه) مجرد خدعة، ولن يطاله شيء، في حين يقدم أخ من إخوتها على أنه تارة مؤرخ مختص ب»نابليون»، وأحيانا ككاتب وباحث، بل محلل سياسي يجول البلاتوهات ولا يتوانى في استعراض حياته الخاصة على طريقة المشاهير، «لسعة» يكون قد ورثها من أبيه، في بلد غدا «النيبو» (أبناء المشاهير من سياسيين وفنانين) مادة للسخرية، وفي حالة «ساركو» مثارا للغضب.
جين زي 212
و«النيبو» وإن ارتبطوا بظاهرة التوريث الفني والسياسي وغدوا يشكلون ظاهرة لوحدها في الفضاءات الغربية، هم يدفعون اليوم للتساؤل في المغرب. أبناء كادحين، وطبقات متنوعة، بل أبناء حقبة، وسليلو مغاربة يقال إنهم فصموا عراهم مع سابقيهم، ثائرين رمزيا على ما تبقى من أب وقبيلة رمزيتين، أو هكذا يراد أن يسوق لهم في مشهد تصعب قراءته لتطور معطياته السريع. «إسقاط الفساد» و»جين زي» عبارتان تتصدران الاهتمام في المملكة المغربية خلال الأيام الأخيرة، أقرب إلى سؤال وإجابة مؤقتة تحتمي بها أطراف داخل البلد أمام الجموع الغاضبة التي استجابت للدعوة للنزول لشوارع المملكة يومي 27 و28 شتنبر/ أيلول دفاعا عن عدالة اجتماعية ضائعة بحسبهم، خصوصا في ميداني الصحة والتعليم. الدعوات كانت قد سبقتها تجمهرات ومواجهات مع الشرطة المغربية قبل أسبوعين إثر احتجاجات بعض المواطنين أمام عدد من المستشفيات ضد ضعف الخدمات.
تفاعل المغاربة مع الدعوات التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي جاءت متنوعة. سرعان ما انتشرت الفيديوهات عبر السوشيل ميديا، كثير منها ركزت على الشعارات التي رفعها الشباب: «لا نريد كأس العالم، الصحة أولا»، «الشعب يريد إسقاط الفساد»، صدح فتيان وفتيات في شوارع كبرى المدن. فيديوهات أخرى ركزت على العنف الذي تعاملت به الشرطة المغربية مع المتظاهرين: « علينا تسجيل كل هذه التجاوزات»، «لا يحق لهم استخدام كل هذا العنف» علق مغاربة مستنكرين، وسط دعوات لإضرابات عامة خلال الأسبوعين القادمين، تنوع تفاعل الطبقة السياسية معها بين من يستعد لركوب الموج ومن استنكر عبثا داخليا وخارجيا بالبلاد التي تنتظر مواعيد مهمة بحسبهم.
على مختلف المنصات الرقمية كما الشارع ترددت شعارات من صميم قاموس «ثورات» عربية قريبة: «سلمية، سلمية»، «الجمهورية المغربية»، «حرية، كرامة، عدالة اجتماعية»، كانت الأكثر تكرارا، لكن المميز لحركة الاحتجاج المستجدة في المغرب، والتي لا تمثل استثناء في تاريخ البلد بالمناسبة، هي التسمية التي سرعان ما اتخذتها وانتشرت: «جين زي 212»، أو الجيل المولود بين سنتي 1997 و2010 في المملكة، الذين يكونون قد نسقوا ودعوا للنزول إلى شوارع البلاد على موقع «ديسكورد».
في حين يرى الإعلام الرسمي فيما أتوه «دعوات مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي»، على هذه المواقع ذاتها أبدى المغاربة ردود فعل متباينة: «أطفال يتلاعبون بمصير البلد»، «إنها مطالب بأبسط حقوقنا»، وغيرها من التعليقات التي لا تكفي لقراءة توجهات الشارع المغربي، خاصة وقد أريد لها – من خلال التسمية على الأقل – أن ترتبط بحركات احتجاجية في نقاط واسعة من العالم كأندونيسيا، النيبال بل وحتى البيرو التي ثارت جموع غاضبة فيها بمطالب اجتماعية وسياسية وربطت مباشرة بتسمية «جين زي» الجيل الذي ينفخ في صورته منذ فترة باعتباره جيلا يرفض الخضوع وفي قطيعة ثقافية تامة مع الأجيال السابقة، بل تقريبا أول جيل غير المسيس بمفهوم السياسة التقليدي، وجيل العولمة التكنولوجية بامتياز.
٭ كاتبة من الجزائر