اخبار الاردن

وكالة جراسا الاخبارية

سياسة

«فرقة جلعاد» والدلالات السياسية

«فرقة جلعاد» والدلالات السياسية

klyoum.com

لم يكن إعلان الجيش الإسرائيلي مؤخرًا عن تشكيل «فرقة جلعاد»، ونشرها قرب الحدود مع الأردن، مجرّد خطوة تنظيمية في بنية المؤسسة العسكرية، بل هو ناقوس خطر استراتيجي يستدعي الانتباه الأردني الكامل. هذا التطور يعكس تحوّلًا عميقًا في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، يعيد الجبهة الشرقية إلى صدارة أولوياتها بعد أن كانت، لعقود، خارج الحسابات بفعل معاهدة السلام والضمانات الأمنية.

من الضروري عدم عزل هذا التحول عن السياقات الداخلية في إسرائيل منذ أن باتت القوى اليمينية – القومية- الدينية تسيطر بالكامل على القرار السياسي والعسكري، وهي توجهات أيديولوجية وسياسية لا تؤمن أصلًا بفكرة السلام أو التسوية، ولا ترى في الضفة الغربية أرضًا قابلة للتفاوض، بل تعتبرها قلب الدولة اليهودية، ووادي الأردن «حدها الشرقي الطبيعي». من هنا، لم يعد مستغربًا أن تعود مصطلحات مثل «الخيار الأردني» و»الوطن البديل» لتطفو مجددًا في النقاشات السياسية- الإعلامية داخل إسرائيل، وهذه ليست مجرّد فزّاعات بل إشارات على ما يُطبخ بهدوء خلف الكواليس.

تاريخيًا، مثلت الجبهة الشرقية، الممتدة من جنوب سورية إلى وادي الأردن، واحدة من أكثر الجبهات حساسية في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، قبل أن تتراجع أهميتها مع معاهدة السلام واتفاق أوسلو، لكن عودة الحديث عنها اليوم تكشف تآكل الثقة الإسرائيلية بمستقبل السلطة الفلسطينية، وتنامي فرضيات الانهيار الداخلي في الضفة، بما قد يدفع إسرائيل إلى خيارات أحادية، في ظل انسداد الأفق السياسي وتراجع الضبط الأميركي.

تصريحات قادة اليمين الإسرائيلي تعزز هذا القلق، وتترافق هذه التصريحات مع دعوات متكررة لبناء جدار أمني على طول الحدود الأردنية، على غرار الجدار الفاصل في الضفة وغزة. هذه الدعوات لم تعد محصورة في هوامش التطرف، بل أُدرجت ضمن ما تسميه المؤسسة الأمنية بـ»خطط التحوّط الاستراتيجي» تحسبًا لحرب شاملة على أكثر من جبهة.

في هذا المشهد، لم يعد الأردن حاضرًا في العقل الاستراتيجي الإسرائيلي من منظور الضمانات الأمنية الإقليمية، بل يُعاد تعريفه كمتغيّر أمني غير مضمون. بل أكثر من ذلك، يبدو أن بعض دوائر صنع القرار في إسرائيل تعيد إحياء أطروحات قديمة وخطيرة حول «الهندسة الإقليمية البديلة»، أي إعادة رسم خرائط الكيانات السياسية والديمغرافية في المنطقة، ومن ضمنها السيناريوهات التي تجعل من الأردن جزءًا من الحل الإسرائيلي للقضية الفلسطينية، على حساب سيادته ودوره وهويته.

هذا التصوّر الإسرائيلي يستدعي المراقبة والتحليل الاستراتيجي والتفكير الوطني الأردني العميق، بخاصة إذ أخذنا بعين الاعتبار أنّ مستوى التغييرات وحجمه داخل إسرائيل لم يعد مقتصراً على المستوى السياسي، بل أصبح يطاول – أيضاً- المستوى العسكري والأمني، الذي كان – تاريخياً- أكثر قدرة على تفهم أهمية الأردن الاستراتيجية وإمكانياته.

لا يمكن الاكتفاء ببيانات دبلوماسية أو اتصالات روتينية. ما يجري يتطلب إعادة تقييم شاملة وصريحة للعلاقة مع إسرائيل، ليس من منطق المواجهة أو القطيعة، بل من منطق الكرامة والسيادة والمصلحة الوطنية العليا. الأردن ليس هامشًا، ولا تابعًا، ولا ساحة مفتوحة للسيناريوهات الإسرائيلية.

اللحظة تستدعي بلورة مقاربة وطنية متكاملة للأمن القومي، تستند إلى خطوات واضحة وملموسة تقوم على: تثبيت الدور المركزي للأردن في مستقبل القضية الفلسطينية، ورفض أي محاولات لعزل الضفة أو تفكيكها من دون شراكة أردنية واضحة، تفعيل الجبهة الداخلية سياسيًا وشعبيًا، وفتح حوار وطني حول شكل العلاقة مع إسرائيل في المرحلة المقبلة، تنشيط الدبلوماسية الأردنية إقليميًا ودوليًا، بما يعيد التموضع الأردني في مواجهة هذه التحولات، ويفرض حضوره على كل طاولة تتشكل للمنطقة.

«فرقة جلعاد» ليست مجرد كتيبة على الحدود، بل هي رسالة سياسية بامتياز. وإذا كانت إسرائيل تعيد ترتيب أولوياتها الأمنية على وقع انهيارات إقليمية، فإنّ الرد الأردني يجب أن يكون بحجم التهديد: يقظة استراتيجية، ووضوح في الخطاب، وحزم في الدفاع عن سيادة الدولة، وعن معنى أن تكون أردنيًا في زمن التحولات العاصفة.

"

*المصدر: وكالة جراسا الاخبارية | gerasanews.com
اخبار الاردن على مدار الساعة