ميدان الدلقموني .. دوار الصناعية : عندما تفشل اللافتة في تغيير الذاكرة
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
الغذاء والدواء : 90 نسبة الرضا العام عن الخدمات المقدمةاربد - السوسنة - كتب : نادر خطاطبة - على هامش تغيير اسم ميدان المرحوم فضل الدلقموني، واستبداله باسم "ميدان الحرمين"، وتبرير بلدية إربد قرارها بمنع تكرار الأسماء على معالم متعددة، تجنُّبًا للُبس في عناوين المواقع، وهو التبرير الذي شهد تباينًا من حيث الرفض والقبول، ائذنوا لي بإشهار موقف شخصي، باعتباري صحفيًا واكب قضايا إربد المدينة لربع قرن وأكثر، وعليه أقول:
"كان الأفضل للبلدية لو تجنبت مثل هذا القرار، لاعتبارات سوء فهم ستحيط به من جهة، وسوء نوايا ستجد فيه مناخًا خصبًا للهجوم على مجلسها ورئيسها، خصوصًا ونحن على أبواب أحاديث انتخابية مبكرة. لكن، أما وقد اتُّخذ القرار، ولاقى تباينًا وحدّةً في وجهات النظر حياله، فلا بد لنا من إضاءات نطرحها بشأن تسمية معالم المدينة، علَّ فيها فائدة لكل معنيٍّ بالأمر، وسبل تنظيمه مستقبلًا. وعليه نتساءل:
هل تأخذ معايير إطلاق الأسماء على الشوارع والميادين والحدائق والقاعات وغيرها، بعين الاعتبار الذاكرة الجمعية، والأبعاد العاطفية والتاريخية، وما استقر في الوجدان من تسميات شعبية تجذرت على أماكن عامة، دون تدخل رسمي؟ بحيث باتت التسميات تشكل هوية المكان وسيرته في الوعي العام، وبصورة لا يمكن خلالها فرض أيِّ مسمّى (رسميًّا) على معلمٍ مسمّى (شعبيًّا). بمعنى أن اللافتات لم تفلح في تغيير الذاكرة الشعبية حيال أسماء كثير من المعالم، مما عكس فشل القرار الإداري في فرض تسميته عليها.
وسياق الخوض في الجدل الدائر حيال قرار بلدية إربد، يقودني للجزم أن الآلاف، وربما مئات الآلاف، لا يعرفون موقع ميدان الرمز الوطني المرحوم فضل الدلقموني، وإن جرت الاستعانة حتى بالرسمي ليرشد العامة حول موقعه الجغرافي، فجوابه سيكون:
هو المتعارف عليه "دوّار المدينة الصناعية". وهذا يعيدنا إلى مربع قصة فشل اللافتة، والقرار الرسمي كإجراء إداري، أمام فعل وجداني شكّل هوية عفوية للمكان، لأنه أصلًا ليس عنوانًا جغرافيًّا، بقدر ما هو مرتبط بزمن وتاريخ وشعور ومصالح يومية عاشها الناس جيلًا بعد جيل.
ونزيد بغرض الإفادة، متكئين على حقيقة خضتُ في معالجتها كصحفي قبل عقدين أو أكثر، حيال الميدان ذاته، حيث التقطت له مجموعة صور، تُبيّن أن اسمه للقادم من شمال المدينة هو "ميدان فضل الدلقموني" وفق لافتة معلّقة، فيما اسمه للقادم من جنوبها هو "ميدان المرحوم حسن التل"، على يافطة معلّقة أيضًا. وكان أن نشرتُ تقريرًا في صحيفة الرأي، أحدث جلبة لدى أصحاب القرار من جهة، وأخرى عشائرية من جهة أخرى، أفضت إلى توافق على اعتماد تسمية المرحوم الدلقموني لدوار (المدينة الصناعية)، وإطلاق اسم المرحوم التل على ميدان يبعد عنه مئات الأمتار شرقًا. للأسف، الذاكرة الشعبية حتى اللحظة تطلق عليه تسمية (دوار المريسي). وما نورده هنا هو حقائق، الغاية منها التوضيح أن الكثير من الأسماء المكتسبة عاطفيًا ووجدانيًا، اللافتات وحدها لا تكفي لتغيير ما استقر في الذاكرة حيالها.
بالمقابل، ثمّة أمثلة مضيئة لمشاريع أو ميادين وشوارع حديثة، أُطلقت تخليدًا لحوادث وطنية مؤثرة، فحملت أسماء شهداء أو رموز بارزة، أُطلقت على مواقع لم تكن قد اكتسبت من قبل تسميات شعبية أو دلالات زمنية، أو حتى تاريخية نسبيًّا، فجاء الاسم ليملأ فراغًا لا ليزيح ذاكرة، فنجح في ترسيخ نفسه بسرعة، وبصمت، في وجدان الناس، كونه كان وليد اللحظة، لا على حساب لحظة سابقة.
ما نود قوله، مع احترامنا لجميع مواقف الحالة الشعبية، وحتى الرسمية، والتباينات التي نشهدها وما نزال في سياق التعقيب على إجراء وقرار البلدية، أن الفرق الذي يصنع كل الحكاية، هو أن تكون التسميات مبادرات رمزية تحمل صدق الفكرة، لا ردَّ فعلٍ سريعًا يسعى إلى إثبات الحضور بلا أثر، وأن نُقرّ بحقيقة أن إطلاق الاسم في فضاء لم تتكوّن له ذاكرة بعد، يصبح هو ذاكرته. أما فرض أسماء على فضاءات مليئة بالتاريخ والدلالة، فلا بد أن يدخلها في صراع معها.
نتفق أن الهدف من مبادرات إطلاق الأسماء هو تكريم الرموز الوطنية، لكن الأجدر أن تكون هذه المبادرات متصالحة مع وجدان الناس، غير متعارضة مع التاريخ الشفهي الذي خطّته الذاكرة الجمعية. وهذا لا يتحقق إلا من خلال مشاريع رمزية جديدة، لا عبر محاولة "استعارة" أمكنة لها دلالاتها المتجذرة. فالناس لا يتبنون الأسماء الرسمية التي قد تولد قطيعة مع ذاكرتهم، حتى وإن حُفرت على لافتة. فيما التسميات التي تولد من المصالحة بين القرار والوجدان، هي التي تعيش، وتصبح عنوانًا حقيقيًّا للمكان، ولمن خُلد فيه.