اخبار الاردن

صحيفة السوسنة الأردنية

سياسة

من ذاكرة الثورة الجزائرية تُقرأ حرب غزة

من ذاكرة الثورة الجزائرية تُقرأ حرب غزة

klyoum.com

يبدو ما يحدث في قطاع غزة الفلسطينيّ اليوم لا يعدو أن يكون صورة مصغّرةً لما جرى قبل أكثر من سبعين عاماً في الجزائر، ذلك البلد العربي الذي يعد نموذجاً حياً في تاريخ التحرّر والنضال الإنساني من وحشية المستعمر وجرائمه البشعة، ولنعود بالذاكرة إلى ثورة التحرير الجزائرية، ونستحضر تلك التجربة الخالدة في الوجدان العربي والضمير الإنساني الحيّ إلى الواقع الفلسطينيّ المتردي والمفجع سواء في غزة أو الضفة الغربية، خاصّة مع مرور ذكرى استقلال الجزائر قبل أيام.

في عام 1830 احتلت فرنسا الجزائر، وضمّتها إليها، واعتبرتها جزءاً منها، وسعت طيلة مدة الاستعمار إلى طمس الهوية العربية الإسلامية للبلاد، بتعميم اللغة الفرنسية والثقافة الغربية، إذ نشأ جيل كامل ولد ومات تحت نير الاستعمار. لم يكن الاستعمار نافعاً للبلاد كما زعم الفرنسيون، بل كان احتلالاً قمعياً دموياً مارس القتل والنهب والتذويب الثقافي، وظهرت عبر تلك السنوات الطويلة حركات تحرّر كثيرة نذكر منها؛ المقاومة التي قادها الأمير عبد القادر الجزائري سنة 1832 إلى سنة 1847، ومقاومة أحمد باي من سنة 1837 إلى سنة 1848، ومقاومة واحة الزعاطشة بضواحي بسكرة من سنة 1848 إلى سنة 1849، ومقاومات عديدة أخرى على امتداد الجزائر، منها لالة فاطمة نسومر والشريف بوبغلة والشيخ المقراني والشيخ بوعمامة وكلّها في القرن الثامن عشر.

في الثامن من أيار عام 1945 ارتكبت القوات الفرنسية مجازر مروعة بحقّ الشعب الجزائرية ممن طالبوا بالحرية والاستقلال إبّان الحرب العالمية الثانية والانتصار على النازية، فسقط في تلك المجازر أكثر من 45 ألف شهيد، ما ترك جرحاً غائراً في الذاكرة الجزائرية وأشعل غريزة الانتقام الجمعي لدماء الشهداء.

وفي 23 حزيران 1954 عقد 22 شاباً اجتماعاً مهماً في العاصمة الجزائر، وتداولوا فيه مجريات الأحداث والمجازر التي ارتكبها المستعمر الفرنسي بحقّ ذويهم، وقرّروا التخلي عن المقاومة السلمية بعد ثبوت فشلها أمام حرب الإبادة، لصالح النضال المسلّح، كما خلص الاجتماع لتشكيل لجنة مصغرة ضمت القادة الأبطال "مصطفى بولعيد، العربي بن مهيدي، محمد بوضياف، مراد ديدوش، كريم بلقاسم ورابح بيطاط "؛ للتحضير لإطلاق الثورة، وعُقد الاجتماع الأول يوم 23 تشرين أول/أكتوبر 1954، وجرى فيه تأسيس منظمة تحرّرية مسلحة تحت اسم جبهة التحرير الوطني، واختاروا أن يكون الأول من تشرين الثاني 1954 ساعة الصفر لإعلان الثورة ضد المستعمر الفرنسي.

اندلعت ثورة التحرير الجزائرية في ذلك اليوم، ولم يكن باعتقاد قادتها أنها ستنجح بعد 132 سنة من الذل والهوان، واستشهد أغلب قادتها في الأشهر أو السنوات الأولى للثورة، فقد استشهد مصطفى بولعيد في 22 آذار 1956، واغتيل كريم بلقاسم بعد الاستقلال بظروف غامضة في ألمانيا عام 1970، واغتيل محمد بوضياف بعد أن عيّن رئيساً للجزائر في اجتماع عام بمدينة عنابة في 29 حزيران 1992، فيما استشهد مراد ديدوش سريعاً في 18 كانون الأول 1955، وتوفي رابح بيطاط عام 2000 بالجزائر العاصمة، فيما كان استشهاد العربي بن مهيدي علامة فارقة في النضال الجزائري، فمع بداية سنة 1957 قاد معركة الجزائر إلى أن وقع أسيراً واستشهد تحت تعذيب المحتل في آذار/ مارس 1957، وقال الجنرال الفرنسي مارسيل بيجار جملته الشهيرة "لو أنّ لي ثلاثة من أمثال العربي بن مهيدي لغزوت العالم".

وبحسبة رقمية سريعة لعدد الشهداء اليومي في حرب التحرير، فقد كانت القوات الفرنسية ترتكب مجازر إبادة بحق الشعب الجزائري بمعدل 535 شهيداً يومياً، على مدار سبع سنوات دامية، انتهت باستشهاد مليون ونصف مليون مواطن جزائري، وإعلان استقلال البلاد في الخامس من يوليو/تموز 1962. وقبل أيام ولأول مرة كشف قائد أركان الجيش الفريق أول، السعيد شنقريحة عن حصيلة نهائية وكبيرة لعدد شهداء الاستعمار الفرنسي من تاريخ 1830 الى الاستقلال، حوالي 5 ملايين و630 ألف شهيد .

نعيش اليوم لحظة بلحظة ما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية وعموم فلسطين المحتلة، من ظلم وقهر وحرب إبادة لم تستثنِ الأطفال ولا المرافق المدنية، ونعلم كيف استشهد قادة حرب 7 أكتوبر، ونتابع يومياً العمليات البطولية للمقاومة الفلسطينية في القطاع.

إنّ ما يجري اليوم في فلسطين، ثورة تحرير وطني، ضدّ محتل لا يقل بشاعة عن المحتل الفرنسي الذي أباد الجزائريين، واتبع سياسة قطع الرؤوس وقذف الجزائريين أحياء بعد ربط أيديهم وأرجلهم في نهر السين، فقد سبقوا عصابات الإرهاب أمثال داعش وأخواتها بعشرات السنين.

وإن نجح الاحتلال في القضاء على حماس، فالمقاومة الفلسطينية ليست مرتبطة بحركات، وإنما بوطن، فشعب فلسطين في غزة اليوم طفح غضباً ورغبة في الانتقام من جلاده، ما سيولد حركات مقاومة لن تقبل بأقل من فلسطين من البحر إلى النهر وسنسمع عن حركات تحرّر جديدة في المستقبل القريب. واستذكر هنا جملة قالتها سيدة فلسطينية، وهي تبكي أبناءها الشهداء في غزة، لعلّها تختصر ما أودّ قوله: "مهر فلسطين غالٍ...".

*المصدر: صحيفة السوسنة الأردنية | assawsana.com
اخبار الاردن على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com