ؤ العالمي: رسالة للجامعة والوطن
klyoum.com
اليرموك تتصدر المشهد العلمي العالمي: رسالة للجامعة والوطن
بقلم: أ.د محمد تركي بني سلامة
يشهد #البحث_العلمي في #جامعة_اليرموك إنجازًا تاريخيًا غير مسبوق، يتمثل في إدراج ثمانية عشر من أساتذتها ضمن قائمة العلماء الأكثر تأثيرًا على مستوى العالم، وفق قاعدة بيانات #جامعة_ستانفورد_الأمريكية ودار النشر العالمية "إلسيفير". هذا الإنجاز الكبير ليس مجرد رقم في تصنيف دولي، بل هو شهادة عملية على أن الجامعة قادرة على المنافسة عالميًا، وأن الكفاءات الأردنية قادرة على أن ترفع اسم الوطن عاليًا إذا ما وُضعت في بيئة عادلة ومحفزة، بعيدة عن الواسطة والمحسوبية.
إن إدراج هؤلاء العلماء الأفذاذ ضمن أعلى 2% من الباحثين على مستوى العالم، هو دليل دامغ على أن جامعتنا تملك من الثروات البشرية ما يضعها في مصاف الجامعات العريقة. فقد ضمت القائمة كوكبة مشرّفة من أبناء اليرموك: موفق العموش، إدريس المومني، علاء الجبالي، يوسف درادكة، بلال عبدالغني، محمد الرفاعي، معاوية خطاطبة، يوسف وردات، اياد ابو دوش، حازم الشخاترة، رسمية الأعمر، محمد حابس ، عبدالكريم العمري، محمد العياصرة، زياد الطعاني، أمجد الفاهوم، محمود القضاة، وهاشم المطارنة. هؤلاء الباحثون يمثلون واجهة حضارية للأردن، وسفراء علميين يرفعون اسم جامعتهم ووطنهم في المحافل الدولية.
لكن ما يثير الأسى أن هذه النخبة المضيئة لم تنل – في كثير من الأحيان – ما تستحقه من تقدير حقيقي داخل مؤسساتنا الأكاديمية، إذ عانينا في السنوات الماضية من عبث مؤسف في معايير التكريم والتقدير، حيث ضاعت قيمة الإنجاز وسط هيمنة المحسوبية وتغليب الاعتبارات الشخصية على الكفاءة والجدارة. إن تكريم العلماء المتميزين ليس منّة ولا ترفًا، بل هو استحقاق وطني وأخلاقي، وركيزة أساسية لبناء الثقة في منظومة التعليم العالي. لقد آن الأوان أن يتوقف هذا العبث وأن يُكرّم المبدعون بموضوعية وشفافية بعيدًا عن أي مصالح ضيقة.
من هنا، فإن تطبيق النظام الجديد في الجامعة، والمتعلق بتسمية "الأستاذ المتميز" و"أستاذ الشرف"، يشكل خطوة نوعية إذا ما طُبّق وفق تعليمات واضحة وشفافة ومهنية. فهذا النظام ليس مجرد لقب، بل هو إطار يعزز العدالة، ويحفّز الباحثين على مزيد من العطاء، ويعيد الاعتبار لمكانة الأستاذ الجامعي الذي يبدع ويضيف معرفة جديدة للإنسانية. إن هذه الخطوة ستعيد الثقة إلى المؤسسة الأكاديمية، وستمنح الباحثين حافزًا لمواصلة التميز دون خوف من التهميش أو الإقصاء.
وفي السياق ذاته، لا بد من إعادة النظر في تعليمات البحث العلمي وحوافز النشر العلمي، بحيث يجري تبسيط الإجراءات، وحذف الشروط التعجيزية، وإلغاء النصوص الغامضة والاستثناءات غير المبررة، التي لا تؤدي إلا إلى إحباط الباحثين وإعاقة مسيرة الإبداع. المطلوب اليوم هو بيئة محفزة، تفتح الآفاق أمام العلماء، وتمنحهم الحرية والموارد اللازمة لينجزوا أبحاثًا تسهم في حل مشكلات المجتمع، وتضع الجامعة في مكانتها التي تليق بها.
إن إدراج 18 باحثًا من جامعة اليرموك في قائمة الأكثر تأثيرًا عالميًا يجب أن يكون بداية جديدة لمرحلة أكثر نضجًا وشفافية، مرحلة تُكرّم فيها الجدارة ويُحتفى فيها بالإنجاز الحقيقي. هذا النجاح يضع الجامعة أمام مسؤولية مضاعفة للاستثمار في البحث العلمي، ودعم الباحثين، وتبني سياسات عادلة وموضوعية، تضمن استدامة هذا التميز.
ولعل من المفارقات المؤلمة أن الإدارات السابقة كثيرًا ما تعاملت مع ملف البحث العلمي بعقلية لا تختلف عن "منح الأوسمة في المناسبات"، فتكريم المتميزين كان خاضعًا لمزاجية، ومكافآت النشر كانت تتأرجح بين الشحّ والحرمان، بينما يُغدق العطاء على من هم أقل إنجازًا. كانت القاعدة غير المعلنة أن "الواسطة قبل الكفاءة"، حتى صار الباحث المنتج يُنظر إليه باعتباره مصدر إزعاج لا مصدر فخر! واليوم، ومع كل الأمل بالإدارة الجديدة القادمة، لا بد أن يقال بوضوح: آن أوان أن يكون البحث العلمي في صدارة أولويات الجامعة، وأن يكون معيار الجدارة هو الأساس في اختيار القيادات الأكاديمية، بعيدًا عن أي اعتبارات ضيقة.
وما ينبغي التأكيد عليه أن ما يتقاضاه العاملون في جامعة اليرموك من امتيازات، سواء أكانت حوافز الموازي أو مكافآت النشر العلمي أو فرص المشاركة في المؤتمرات العلمية، هو أقل بكثير مما يحصل عليه نظراؤهم في بقية الجامعات الأردنية، الأمر الذي يفرض على الإدارة مراجعة جادة ومنصفة لهذه السياسات، حتى لا يشعر المبدعون بالغبن، ولتبقى اليرموك منارة علم وفكر وريادة.
ختامًا، أجدّد الأمل بأن يكون هذا الإنجاز منطلقًا نحو نهضة علمية جديدة في جامعة اليرموك، تكرّس رسالتها الوطنية والقومية في خدمة الوطن والأمة. وباسم كل من يعتز بالعلم والعلماء، نتمنى للجامعة وطاقمها الأكاديمي دوام التقدم والنجاح .