بغال طروادة
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
الاستراتيجيات : مؤشر الثقة في النشاط الاقتصادي الأردني يرتفع 34.9ينقل في الأساطير القديمة، وفي قصة حرب الإغريق ضد مدينة طروادة، أنهم حين فشلوا في إختراق أسوارها، عمدوا لخطة ذكية مخادعة، فلم يرسلوا جيوشًا ولا ضربوها بأسلحة، بل تركوا لهم حصانًا خشبيًا ضخمًا بدا كهدية، لكنه حمل في جوفه الخدعة الحربية الأذكى في حينها..
الحصان في سرديات التاريخ وثقافات الأمم ومنهم العرب، كان رمزًا للنبل والذكاء والكرامة، وما وصف بالغدر، فهو مخلوق له تقدير لصفاته الجميلة وقوته، فهو يركض بعزة ويقف شامخًا حتى في الهزيمة، لكنه وفي تلك الحادثة، صار رمزا للحيل والمكر العسكري..
يبدو أن بعض "مستحدثي" الزعامة والرياسة، في بلدنا اليوم قرروا أن يسرقوا القصة، ويعيدوا تمثيلها متقمصين دور "بغل" بدل أن ينتحلوا صفات الخيل الكريمة.. نسي هؤلاء أن مجتمعنا ذكي لماح، ولا يحتاج لحصان طروادة ليكتشف الخيانة.. فالبغال تمشي بيننا علنًا، تتحدث باسم الوطنية وتصرخ بأسمها، بل وتدعو لمحاربة الفساد والإصلاح، وتبكي على أطلال الوطن وهي تمسك المعول بيدها.. وهؤلاء ليسوا واحدا أو أثنين، فقد تكاثروا حتى ضيعوا علينا بضجيجهم، صورة الزعامة الحقيقية..
البغل هذا الكائن المسكين الذي لا يعرف هو نفسه من هو، فلا هو حمار فيرضى بواقعه، ولا هو حصان فيحلم بالمجد.. هو عقيم لا ينتج إلا الضجيج ولا يورث إلا الخراب، تمامًا كأولئك الذين يعتلون المنصات ويعدوننا بالفجر وصلاح قادم، بينما يسرقون الليل والخير.
كثير منهم يدّعي أنه جاء ليبني العراق، وفيهم من يزعم أنه وحده يحمل مفاتيح الحق، كلهم خونة أمويون عباسيون وكفرة حتى، وحين تتكشف لك ما خلف أبوابهم، تجد في الداخل بغالًا تتصارع على التبن، لا على الأفكار ومشاريع الوطن.. ويتحدثون عن السيادة وهم غارقون في تبعية حمقاء مخزية، ويرفعون شعارات الكرامة التي باعوها في مزادات المصالح..
قد تجد فيهم أحيانا بغلا متقدما، لا يدري أنه صار بعلم أو بدونه "بغل طروادة" لأنه لا يملك هوية، ولا يدري من أين جاء، وإلى أين هو يمضي.. وجل همه المصالح والمناصب، وكأنها كومة تبن أصفر في صحراء الخراب.
قد تتفاجأ حين تسائل أحدهم: لماذا تفعل هذا؟ سيجيبك بحماسة لأنه يحب العراق ويريد الخير والصلاح له، ويحمل همّ الوطن والمواطن.. لكن هذا الأخير يشكو منه ومن سوء أفعاله ووعوده الكاذبة الخيالية، فكم هو مسكين هذا "البغل" الجاهل، فهو لا يفهم ولا يشعر، بكم الإحتقار والكره الذي يكنه المجتمع له، لأنه يعرف أنه لا يحب العراق، بل يحب الحديث عنه، كأن الوطن مجرد خلفية لخطابه فقط، وليس غاية لعمله.
حتى بعض قنوات الإعلام، وفي مرات كثيرة منه حاولوا جعلها مربطا لهم، تزين وتلمّع حوافرهم، وتصفهم بالفرسان.. بل ولهم قنوات بجمهور يصفق، لا لأنه مقتنع، بل لأنه تعب من التفكير، وطمع بحفنة من الشعير.. ورغم أن البغل لا يهمه التصفيق لأنه لا يسمع صوت الجمهور، ولا يروى وجع الناس، فقط أعتاد على وجهه هو وحده، كبغل عظيم وله دور كبير.
حين يتضرر العراق، لن يكون ذلك بسبب خدعة كحصان طروادة، بل بسبب بغال طروادة الذين دخلوا العملية السياسية لا ليبنوا بل ليهدموا.. ولا ليخدعوا العدو، بل ليخدعوا الشعب. ..
هذه البغال وأمثالها لا يملكون مشروعا أو خطة، فقط يمشون حيث يُقادون، وهدف الأهم هو رغبتهم في البقاء، ولو على أنقاض وطن.