اخبار الاردن

سواليف

سياسة

الإعلام الأردني وقضايا الوطن: صمتُ المنابر ومحنة الحقيقة

الإعلام الأردني وقضايا الوطن: صمتُ المنابر ومحنة الحقيقة

klyoum.com

#سواليف

#الإعلام_الأردني و #قضايا_الوطن: صمتُ #المنابر و #محنة_الحقيقة

بقلم الأستاذ الدكتور محمد تركي بني سلامة

في الوقت الذي يشهد فيه العالم طفرة إعلامية غير مسبوقة، تزداد فيه أهمية الإعلام كسلطة رابعة تسهم في بناء الوعي وصياغة الرأي العام، نجد أن الإعلام الأردني، بكل تنوعه بين المرئي والمسموع والمكتوب، لا يزال متردداً في الاضطلاع بدوره الحقيقي في تناول القضايا الوطنية، بل يغيب عن ساحتها حين يكون الحضور واجباً، والصوت ضرورة لا ترفاً.

فالإعلام الأردني، بكل أسف، يعيش حالة من الانفصال عن نبض الوطن، لا يتعامل مع قضاياه بقدر ما يتعامل مع انعكاسات تلك القضايا على المزاج العام. لا يقترب من الجمر، ولا يفتح نوافذ الحقيقة، بل يكتفي في كثير من الأحيان بمساحة من التهويمات العامة أو الانحيازات المعلبة، تاركاً الساحة فارغة لغير المختصين، في الوقت الذي ينبغي فيه أن تكون المنابر الإعلامية جسراً للتنوير، لا وسيلة للتأزيم أو التضليل أو الإثارة المجانية.

لقد كشفت الأزمة الأخيرة المتعلقة بتصريحات وزير التربية والتعليم والتعليم العالي بشأن تصنيف الجامعات الأردنية عن خلل عميق في البنية الإعلامية، وعن عجز فاضح في كيفية تعاطي الإعلام مع قضايا وطنية مفصلية. فالتقرير الذي استند إليه الوزير، وهو تقرير منشور ومتداول على المواقع الإلكترونية، كان يستحق نقاشاً وطنياً عقلانياً، لا حفلاً من المهاترات والاتهامات المتبادلة.

بغض النظر عن مدى دقة المعايير التي استند إليها التقرير، فإن ما لا يمكن إنكاره أن هناك أزمة حقيقية يعيشها قطاع التعليم العالي في الأردن، كما هو الحال في عدد من الدول العربية الأخرى، وحتى في دول تملك قدرات مالية هائلة مثل السعودية والإمارات. المسألة ليست عيباً ولا فضيحة، بل هي حقيقة تحتاج إلى مواجهة، لا إلى دفن الرؤوس في الرمال.

ظاهرة انعدام النزاهة في بعض مخرجات البحث العلمي، أو التراجع في التصنيفات الأكاديمية، ليست ظواهر أردنية خالصة، بل هي جزء من أزمة بنيوية في النظام التعليمي العربي بشكل عام. والتقرير ذاته أشار إلى جامعات في دول كبرى مثل الصين والهند وتركيا وإيران، التي تعاني هي الأخرى من مشكلات مماثلة. ولكن، وبكل وضوح وسخرية مرة: هل قامت قائمة جامعات هذه الدول واتهمت التقرير بعدم النزاهة وانعدام الموضوعية وسعت إلى شيطنته؟ أم أنها – ببساطة – قرأت التقرير، فتحت النوافذ، واستقبلت الحقيقة بروح المسؤولية، وبدأت بإصلاح أوضاعها ومعالجة الخلل والانحرافات؟ فقط عندنا تصبح الحقيقة مؤامرة، والنقد خيانة، والمرآة عدوة!

والمشكلة ليست في طرح القضية أو الإشارة إلى الخلل، بل في الطريقة التي أدار بها الإعلام المشهد: غياب كامل للخبراء، تغييب للنخب الأكاديمية، فتح الباب على مصراعيه لأصوات غير مختصة، واختزال القضية برمتها في جدل عقيم بعيد عن جوهرها العلمي والوطني.

لقد كان حرياً بالإعلام أن يستضيف أهل الخبرة، أن يفتح منابره لأصحاب الرأي من الأكاديميين والمتخصصين، أن ينظم حوارات شفافة وصريحة بين مختلف وجهات النظر، لا أن يكتفي بإشعال العواطف أو اجتزاء الحقائق. لكن المؤسف أن الإعلام في هذه القضية – كما في غيرها – اختار الطريق السهل: الانفعال لا التحليل، الإقصاء لا الحوار، الاستقطاب لا الموضوعية.

إن غياب الحوار العقلاني والتعامل مع القضايا الوطنية الحساسة بأسلوب المكاشفة والاستماع للرأي المتخصص هو ما يجعل المجتمع أكثر عرضة للارتباك والانقسام. وعندما يغيب الإعلام المهني، تحضر الفوضى، وتعلو الأصوات التي لا تقدم حلولاً، بل تعمق الجراح، وتزيد من الشكوك، وتدفع بالرأي العام نحو مزيد من التيه والقلق.

نحن بحاجة إلى إعلام وطني شجاع، لا يخشى الحقيقة، ولا يجامل على حساب المصلحة العامة. إعلام يدرك أن النقد الموضوعي هو الخطوة الأولى في طريق الإصلاح، وأن الشفافية لا تهدد أحداً، بل تصنع الثقة وتعزز الانتماء.

الجامعات الأردنية، مثل غيرها من مؤسسات الوطن، تستحق أن تُنتقد بحب، وأن تُصلح بجرأة، وأن تُدار حواراتها برصانة. لكن قبل كل ذلك، لا بد أن يكون الإعلام حاضراً، لا غائباً، مشاركاً، لا متفرجاً. فالوطن لا يبنى بالصمت، ولا يُحمى بالإخفاء، بل بالحقيقة التي لا تخشى النور، وبالوعي الذي لا يخشى المكاشفة.

إن المرحلة تتطلب وقفة جادة، لا من صانعي القرار فقط، بل من الإعلام أولاً، ليعود إلى موقعه الطبيعي: منبرًا للوطن، لا صدًى للصراعات.

*المصدر: سواليف | sawaleif.com
اخبار الاردن على مدار الساعة