اخبار الاردن

وكالة رم للأنباء

سياسة

العرب في المنفى… أحرار لفلسطين أكثر من أوطانهم، واليقين التاريخيّ بزوال الاستعمار،،،

العرب في المنفى… أحرار لفلسطين أكثر من أوطانهم، واليقين التاريخيّ بزوال الاستعمار،،،

klyoum.com

رم - من أعجب ما يمكن أن يرصده المراقب أن العربي حين يغادر وطنه العربي إلى بلاد المهجر، يجد نفسه أكثر حرية في التعبير والدفاع عن قضاياه، وعلى رأسها قضية فلسطين، مقارنة بما كان عليه في وطنه الأم. هناك، في الغرب، يكتشف للمرة الأولى أن الحرية ليست منحة تُعطى وتُسلب، بل حق مكفول بالقانون، وأن الكلمة حين تُقال لا تُصادر ولا تُقابل بالترهيب، بل يُصغى إليها وتجد صدى. أما في ديار العرب اوطاني، فكثيراً ما يُحاصر الإنسان بالخوف، ويُطلب منه الصمت، حتى غدا السكوت عادة، وصارت الكلمة الحرة استثناءً نادراً.

لكن المفارقة أن الغربة لا تذيب الانتماء، بل تشحذه وتزيده صلابة. فالعربي في المهجر حين ينظر من بعيد يرى فلسطين أوضح، ويشعر بها أقرب، ويكتشف أن الرابط الحقيقي الذي يجمعه بجاليته العربية ليس اللهجات ولا الأوطان المتفرقة، بل تلك القضية الجامعة التي لم تضعف ولم تسقط: فلسطين وغزة. ولهذا نرى العرب في شوارع لندن وباريس ونيويورك يتوحدون في مسيرات ضخمة، يهتفون باسم فلسطين، ويضغطون على حكوماتهم الغربية أكثر مما تجرأوا أن يفعلوا في أوطانهم.

ولم يقف الأمر عند حدود الهتاف والشعارات. فحين انطلقت “سفن الصمود” عبر البحار لتشق عباب المياه في طريقها إلى غزة، لم تكن تلك مجرد سفن تحمل طعاماً ودواءً، بل كانت رايات للحرية، ورموزاً لكرامة الشعوب، ورسائل للعالم بأن فلسطين ليست وحدها. لقد اجتمع على متن تلك السفن العرب والأجانب، المسلمون والمسيحيون، أحرار المهجر وأبناء الشعوب الحرة، في مشهد يعكس أن الضمير الإنساني حين يتحرر يصبح أقوى من الأساطيل وأعند من الحصار. لم تكن “سفن الصمود” مجرد وسيلة إغاثة، بل كانت إعلاناً بأن الاحتلال مهما اشتد لن يستطيع أن يحاصر الروح ولا أن يقطع شريان التضامن الإنساني.

وبرغم المآسي التي تتوالى على غزة، ورغم الدماء والدمار،ابوي دائ إلا أن في قلب التاريخ بشارة لا تغيب. فقد قسّم العلماء والمفكرون الاستعمار إلى نوعين: نوع نجح في إبادة السكان الأصليين كما حدث في أمريكا وأستراليا، فاستمر وبقي؛ ونوع فشل في ذلك، فلم يسجل التاريخ حالة واحدة لبقاء هذا النوع من الاستعمار. والأمثلة كثيرة: من الحملات الصليبية التي اندحرت بعد قرنين، إلى الاحتلال الفرنسي في الجزائر الذي قاومه الشعب لأكثر من مئة عام حتى طُرد، إلى الاحتلال الإيطالي في ليبيا الذي انتهى بمقاومة عمر المختار ورفاقه. واليوم، ما يحدث في فلسطين لا يخرج عن هذا السياق، فالاحتلال الإسرائيلي لم ولن يتمكن من إبادة الشعب الفلسطيني، وبالتالي فإن مصيره، كما حكم التاريخ على أمثاله، هو الزوال الحتمي.

التاريخ لا يخطئ، وإن بدا بطيئاً أحياناً. هو يعيد نفسه بطريقته الخاصة، ليؤكد أن الحق لا يموت مهما طال أمد الباطل. لذلك، حين ننظر إلى غزة اليوم، لا نرى فقط الحصار والدمار، بل نرى أيضاً أفق التحرر يقترب. وما دماء الشهداء التي تروّي الأرض إلا بذور الحرية المقبلة، وما صمود الناس في وجه آلة الحرب إلا كتابة متجددة لفصول العزة.

ولعل أعظم ما يعمق هذا اليقين أن العرب في الخارج، في منافيهم ومهاجرهم، وجدوا مساحة للحرية مكّنتهم من أن يكونوا أكثر “عربياً” وأكثر “فلسطينياً” مما كانوا في أوطانهم. هناك يهتفون لفلسطين، وهناك يبحرون بسفن الحرية، وهناك يرفعون الصوت في وجه حكومات الغرب، في حين أن صوتهم في عواصمهم الأصلية كان يُقمع أو يُحاصر. إنها مفارقة مرة، لكنها تحمل في طياتها وعداً: أن الحرية التي يمنحها الغريب تُستثمر للدفاع عن الأرض التي اغتصبها المحتل، وأن صدى الأصوات في شوارع العالم الحر سيعود ليطرق أسوار الظلم حتى تتحطم.

فأبشروا، فقد اقتربت نهاية الظلمة. وما نراه اليوم من مآسٍ ليس إلا المخاض الأخير لانتهاء حقبة سوداء، وبداية فجر جديد. لقد قاوم الجزائريون أكثر من قرن، وقاوم الليبيون، واندحر الصليبيون، ولم يبق مستعمرٌ فشل في اقتلاع شعب أصيل. وغزة، بما فيها من رجال ونساء وأطفال يصمدون كل يوم، ليست استثناء. بل هي الدليل الحي على أن الاحتلال لا يدوم، وأن فلسطين ستبقى ما دام هذا الشعب يقاوم، وما دام العرب في الداخل والخارج يرفعون لها رايات الصمود ويبحرون نحوها بسفن الحرية.

المحامي صهيب أمجد الصبيحات

*المصدر: وكالة رم للأنباء | rumonline.net
اخبار الاردن على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com