نحو استراتيجية وطنية للتوعية القانونية: مفتاح تعزيز سيادة القانون والعدالة لمواجهة التحديات المعاصرة
klyoum.com
أخر اخبار الاردن:
جنبلاط: أي دعوة لحماية دولية أو إسرائيلية مس بسيادة سوريازاد الاردن الاخباري -
د . زيد مُعين المراشده- في وقت تتداخل فيه القضايا القانونية مع التحديات الاجتماعية، تزداد الحاجة إلى التوعية القانونية كأداة أساسية لتحسين حياة المواطنين وتمكينهم من فهم حقوقهم والدفاع عنها، و هي تعد بمثابة استراتيجية شاملة تهدف إلى بناء مجتمع واعٍ ومؤهل للمشاركة الفعّالة في صنع القرار.
و تكمن أهمية التوعية القانونية في تعزيز سيادة القانون وتحقيق الإصلاحات، وتمكين المواطن الأردني من بناء مجتمع قادر على المشاركة في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فكلما ازداد وعي المواطن بحقوقه، زادت قدرته على التأثير في القرارات التي تؤثر عليه بشكل مباشر، سواء في قضايا حقوق الإنسان أو الحقوق السياسية أو الاقتصادية.
ويعد الجهل بالقانون من أكبر التحديات التي تواجه المجتمع الأردني، حيث نجد أن العديد من المواطنين، وخاصة في المناطق الأقل تمكينًا، يفتقرون إلى المعرفة بحقوقهم القانونية وكيفية الدفاع عنها. لذلك، يجب أن يكون الوعي بالقانون جزءًا لا يتجزأ من ثقافة المجتمع الأردني، لتمكين كل فرد من المشاركة في تعزيز العدالة وحماية حقوقه.
ومع ذلك، فإن التوعية القانونية في الأردن تواجه العديد من التحديات، ولا يزال هناك فجوة معرفية كبيرة بين المواطن الأردني وحقوقه القانونية، ويُظهر الواقع أن العديد من الأشخاص، خاصة في المناطق الأقل حظا، لا يعرفون كيفية المطالبة بحقوقهم أو التصرف في مواقف قانونية، وهذه الفجوة تتطلب تكثيف الجهود من قبل الحكومة، القطاع الخاص، والمنظمات المدنية لتوفير الأدوات والمصادر التي تساهم في تمكين المواطن من فهم حقوقه القانونية.
إضافة إلى ذلك، يُعتبر التعقيد اللغوي في النصوص القانونية من أبرز العوائق التي تمنع المواطنين من فهم حقوقهم، فاللغة القانونية غالبًا ما تكون بعيدة عن الواقع اليومي، مما يجعلها صعبة الفهم على العديد من الناس، ولذا، فإن تبسيط هذه النصوص يمثل خطوة أساسية نحو تمكين المواطن من فهم القوانين المطبقة عليه.
وفي رأيي، نحن في أمس الحاجة إلى استراتيجية حكومية واضحة وفاعلة لتعزيز التوعية القانونية في الأردن، تستند على محاور منها الإعلام الذي يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في هذه العملية، فالإعلام يعد من أقوى الأدوات التي يمكن استخدامها لنشر الوعي القانوني، من خلال برامج إعلامية تساهم في تقديم المعلومات القانونية بطريقة مبسطة.
كما وبات من الضروري أن يتكامل التعليم مع الحياة العملية، وينبغي أن تركز المناهج التعليمية، بدءًا من المدارس وصولًا إلى الجامعات، على تقديم مفاهيم قانونية عملية ترتبط بحياة المواطن اليومية، مما يسهم في تعزيز فهمه وتطبيقه للقوانين بشكل فعّال في حياته العملية.
من دون شك، فإن التوعية القانونية تمثل أساسًا لبناء أجيال جديدة من القادة السياسيين والقانونيين القادرين على تحقيق الإصلاحات، فكلما ازداد الوعي القانوني، زاد عدد القادة الفاعلين الذين يتسمون بالكفاءة والالتزام بالقانون، ويستطيعون تحقيق التغيير الإيجابي والهادف في المجتمع الأردني.
في عصرنا الحالي، أصبحت التكنولوجيا عنصرًا محوريًا في تسهيل الوصول إلى المعلومات، بما في ذلك المعلومات القانونية ويمكن للتطبيقات الإلكترونية والمنصات الرقمية أن تلعب دورًا رئيسيًا في تعزيز التوعية القانونية، حيث تتيح للمواطنين الوصول إلى نصوص قانونية وتفسيرات قانونية بسهولة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن تطوير منصات تعليمية تفاعلية تقدم دروسًا قانونية مبسطة للمواطنين من جميع الأعمار، مما يساهم في رفع مستوى الوعي وتسهيل فهم القوانين.
كذلك، من المهم أن تعمل الحكومة بشكل أكبر على تعزيز التعاون مع الهيئات والمنظمات الدولية المعنية بالقانون وحقوق الإنسان ، فمثل هذه المنظمات تقدم خبرات واسعة وبرامج تدريبية وورش عمل تُسهم في رفع مستوى التوعية القانونية بين المواطنين.
كما يمكن في هذا السياق الاستفادة من الدعم الدولي في تنظيم حملات توعية شاملة تشارك فيها الحكومة والمجتمع المدني لتثقيف المواطن بحقوقه وحمايتها، بما يسهم في ترسيخ الديمقراطية وتحقيق العدالة.
و هناك العديد من التجارب العالمية التي يمكن أن تكون نموذجًا يُحتذى به في مجال التوعية القانونية، و على سبيل المثال، النمسا، حيث قامت الحكومة بتطوير حملات توعية قانونية على نطاق واسع تهدف إلى تحسين فهم المواطنين للقوانين المتعلقة بالحقوق الأساسية، مثل حقوق العمل والحقوق الاجتماعية، وقد أسهمت هذه الحملات في رفع مستوى التفاعل المجتمعي مع القوانين وتعزيز المشاركة السياسية.
وفي الدنمارك، قدمت الحكومة برامج تعليمية موجهة للطلاب منذ مرحلة التعليم الأساسي، تركز على تنمية المهارات القانونية والفهم الواضح للحقوق والواجبات، حيث تضمنت هذه البرامج ورش عمل تفاعلية وأمثلة حية من الحياة اليومية تساعد الطلاب على إدراك أهمية القانون في حياتهم.
أما في كندا، فقد تبنت برامج توعية قانونية عبر الإنترنت تم تطويرها بالتعاون مع الجامعات ومنظمات المجتمع المدني، حيث شملت هذه البرامج مقاطع فيديو تعليمية ودورات تدريبية، ساعدت في رفع مستوى الوعي لدى المواطنين الكنديين حول القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان، الهجرة، والعدالة الجنائية.
و من خلال استعراض هذه التجارب، يمكن للأردن أن يستفيد من استخدام الوسائط الرقمية لتوسيع دائرة التوعية القانونية بسرعة وكفاءة، حيث إن الاستفادة من هذه التجارب الدولية يعكس أهمية اعتماد سياسات مستدامة في مجال التوعية القانونية، ويتطلب تكييف هذه الأفكار بما يتناسب مع الاحتياجات الخاصة بالمجتمع الأردني، مما يعزز من قدرتنا على تمكين المواطن وتحقيق العدالة.
إن التوعية القانونية هي عملية استراتيجية متكاملة تهدف إلى تمكين المواطن وتعزيز العدالة الاجتماعية، ولا شك أن هذه العملية تتطلب تفاعلًا مستمرًا بين الحكومة، المؤسسات التعليمية، والمجتمع المدني، حتى يتمكن القانون من لعب دوره الفعّال في ضمان حقوق المواطنين وحماية مصالحهم، فالعمل الجماعي والمستدام بين مختلف الأطراف يعزز من قدرة المجتمع على الوقوف في وجه التحديات القانونية والاجتماعية.
وبرأيي ، إن تعزيز التوعية القانونية بات ضرورة استراتيجية في بناء مجتمع قوي، عادل، وقادر على تحقيق التنمية المستدامة، ويتطلب ذلك التزامًا حقيقيًا من الحكومة ومن جميع الجهات المعنية لدعم هذا المسار الهام، و يجب أن يكون هناك تكامل حقيقي، مع تفعيل التكنولوجيا كأداة قوية لتعزيز الوعي القانوني.
ختاما، إن استثمار الحكومة في هذا المجال سيسهم بشكل مباشر في بناء مجتمع قادر على التصدي للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويساهم في تعزيز العدالة، والمساواة، واحترام القانون، وعلى صناع القرار أن يدركوا أهمية التوعية القانونية كركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في الأردن، ونحن بحاجة إلى رؤية واضحة وأجندة قانونية شاملة تجعل من التوعية القانونية أولوية وطنية لتعزيز سيادة القانون.